44/06/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ حکم ملكروبیان و الأنعام
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول حکم الأسماك التي لها فلس دقاق لا یری بالعین العادیة. قلنا إطلاق الروایات مثل «مَا كَانَ لَهُ قِشْرٌ» یشمل هذه الأسماك أیضاً فهي حلال. و بحثنا أیضاً في مورد الأسماك التي لها فلس و لکن یتناثر فلسها علی مرّ الزمان. لدینا روایة صحیحة أیضاً دالّة علی أنّ وجود الفلس حیناً یکفي في الحلّیّة؛ و لو یتناثر لعارض بعداً و هي: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ× جُعِلْتُ فِدَاكَ الْحِيتَانُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ قِشْرٌ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي الْكَنْعَتِ؟ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ فَقَالَ لِي بَلَى وَ لَكِنَّهَا سَمَكَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تَحْتَكُّ بِكُلِّ شَيْءٍ وَ إِذَا نَظَرْتَ فِي أَصْلِ أُذُنِهَا وَجَدْتَ لَهَا قِشْراً».[1]
نستفید من هذه الروایة و عموم التعلیل فیها أن لیس الملاك، رؤیة الفلس بالعین الظاهرة بل أصل وجود الفلس کافٍ و لو تناثر فلسه لعارض؛ فإنّ ذات هذا السمك، ذو فل
قد استفید أیضاً في هذه الروایة من الاستصحاب؛ فإنّ هذا السمك حلّ أکله إذا کان له فلس و الآن بعد تناثر فلسه نشكّ في أنّ أکله جائز أم لا فیستصحب حکم حلّیّته. ثمّ إنّا لا نحتاج إلی الاستصحاب مع هذه الروایة التي هي أصل حاکم و لکنّه إن غُضّ البصر عن الروایة بأيّ دلیل و رجع إلی الأصول العملیّة فالاستصحاب یحکم بالحلّیّة.
السمك «الحفش» نموذج من هذه الأسماك التي یتناثر فلسه علی مرّ الزمان؛ فإنّ عمدة تولید الکافیار، من هذا السمك.
فتاوی الفقهاء
ثمّ إنّ قد استفتؤ من آیةالله الگلبایگاني&: هل یجوز أکل الحفش و الأسماك الكافياريّة؟ و أجاب&: «کلّ سمك له فلس فهو حلال و إن لم یکن له فلس فحرام و لا یلزم وجود الفلس في تمام بدنه بل یکفي وجود مقدار فلس أطراف ذنبه أو رأسه و إن علموا أنّ له فلساً و لکنّه یحتكّ بدنه بشيء فیتناثر فلسه فهو حلال. و تمییز أنّ له فلساً أم لا فهو وظیفة الأشخاص. الفلس عبارة عن قشر دقاق أو ضخیم». ثمّ إنّه& أجاب في استفتاء آخر حول الاختلاف في الحلّیّة و الحرمة للسمك «الحفش» و «فیلالأسماك» و «تاس ماهی»: «إن شهد أهل الخبرة أنّ له فلساً کفی و هو محکوم بالحلّیّة».
یقول آیةالله المکارم (سلّمهالله): إن ثبت أنّه سمك ذو فلس، فلا إشکال.
یقول القائد المعظّم (سلّمهالله): إن کان له فلس فحلال؛ و لو تناثر فلسه بعد الصید و یکفي قول الخبرة في الفلس و عدمه.
یقول آیةالله السیستاني (سلّمهالله): إن کان له فلس في أصل خلقته فحلال و لو تناثر فلسه بعداً لعارض.
هذه الفتاوی علی أساس هذه الروایة.
ما قد قیل فإنّه علی أساس فتوی الفقهاء الذین یشترطون وجود الفلس و لکنّنا قلنا لا یلزم وجود الفلس؛ فإنّا ذکرنا روایاتٍ دالّةً علی عدم لزوم الفلس. إنّ الحیوانات البحریّة حلال سواء کان لها فلس أم لا.
حکم «ملكروبیان في الماء المالح» و «سمكالکريّ[2] في الماء العذب»
من الأحکام الاختلافيّة ما یکون حول حکم «ملكروبیان» أو «سمكالكري». ملكروبیان حیوان مثل الروبیان و السرطان (عقرب الماء)؛ فلذا جعله بعض الروبیانَ و بعض السرطانَ. مؤسّسة تشخیص الموضوعات تحت إشراف حجّةالإسلاموالمسلمین فلاحزاده، قد أرسلت إلینا تشخیص موضوع هذا البحث و تصاویره.
إنّ ملكروبیان إن کان مصداقاً للروبیان فهو حلال و أمّا إن کان مصداقاً للسرطان فهو حرام. هذا الحیوان شبیه بالروبیان من جهات و بالسرطان من جهات أخری. إن لم یمکن أن یقال إنّه الروبیان أو السرطان فهو حیوان ثالث فلذا یرجع إلی الأصل الأوّليّ في الحیوانات و هو الحلّیّة. الحلّیّة ثابتة بناءاً علی الأصل و الآیات و الروایات و الحرمة تحتاج إلی دلیل؛ کما قال الله- تعالی: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَ طَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ﴾.[3]
یقول آیةالله المکارم: «في أکل الحيوان المسمّی باللابستر إشکال». قد قالوا الخبراء في هذا الصدد أنّه هو ملكروبیان، یقول آیةالله المکارم: «الحکم تابع صدق الموضوع في نظر العرف؛ إن قیل له السرطان (عقرب الماء) فهو حرام و إن یصدق أنّه الروبیان فهو حلال. فلتمییز الموضوع یمکن الرجوع إلی الصیّادین».
المسألة الخامسة من تحریر الوسیلة (حکم بعض الأنعام)
«البهائم البرّيّة من الحيوان صنفان: إنسيّة و وحشيّة. أمّا الإنسيّة فيحلّ منها جميع أصناف الغنم و البقر و الإبل. و يكره الخيل و البغال و الحمير».[4]
قال الله- تعالی- في القرآن الکریم: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يتْلَى عَلَيكُمْ غَيرَ مُحِلِّي الصَّيدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يحْكُمُ مَا يرِيدُ﴾.[5]
بناءاً علی هذه الآیة فإنّ الأصل في الأنعام الحلّیّة و الحرمة تحتاج إلی الدلیل.
هکذا قال- تعالی: ﴿وَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً[6] كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.[7] أي خلق لکم من الأنعام ما تحمل أثقالکم و الحیوانات الصغار الأخری لمنافع أخری لکم.
قد أردنا أن نبحث في الحیوانات التي قال فیها الإمام الخمینيّ& إنّها مکروهة قبال الرأي الذي قال إنّها محرّمة. فلندارس الروایات حتّی یتبیّن أنّ الخیل و البغال و الحمیر مکروهة أو محرّمة؟ قد ذهب إلی کراهتها المشهور مثل الإمام&. قال صاحب الجواهر&:«المشهور بيننا شهرة كادت تكون إجماعاً كما اعترف به غير واحد إن لم تكن كذلك أنّه (يكره الخيل و البغال و الحمير الأهليّة) في الثلاثة، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك».[8]
دراسة الروایات:
الروایة الأولی: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،[9] عَنْ أَبِيهِ،[10] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ،[11] عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ[12] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ[13] وَ زُرَارَةَ[14] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ × أَنَّهُمَا سَأَلَاهُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ’ عَنْهَا وَ عَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ أَكْلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ وَ إِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْقُرْآنِ».[15]
إنّ رسول الله’ قد نهی عن أکل الحمر الأهلیّة لأنّهم محتاجون إلیها في الحرب.
الروایة الثانیة: «سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبَا جَعْفَرٍ× عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْبِغَالِ وَ الْحَمِيرِ فَقَالَ حَلَالٌ وَ لَكِنَّ النَّاسَ يَعَافُونَهَا. وَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ’ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِخَيْبَرَ لِئَلَّا تَفْنَى ظُهُورُهَا[16] وَ كَانَ ذَلِكَ نَهْيَ كَرَاهَةٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ».[17]
سند الروایة صحیحة تماماً؛ قد جاءت أسانید الشیخ الصدوق عن محمّد بن مسلم في المشیخة و کلّها صحیحة. دلالة الروایة أیضاً تامّة و هي أنّ أکل لحم الحمیر لیس حراماً.
الروایة الثالثة: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ[18] & قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ[19] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[20] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ[21] عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ[22] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ[23] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ× قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ’ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ وَ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ ظُهُورِهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْنُوهَا[24] وَ لَيْسَتِ الْحَمِيرُ بِحَرَامٍ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...﴾[25] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ».[26]
ثمّ إنّ بعض الفقهاء ذهب إلی حرمة أکل الحم الحمیر من نهي النبيّ’.
سند هذه الروایة صحیح أیضاً و تدلّ أیضاً علی أنّ لحم الحمیر لیس حراماً؛ فإنّ نهي النبيّ’ لمصالح موجودة في ذلك الزمان.