آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أصالة البراءة – الاستدلال على البراءة بالكتاب.

ذكرنا ان الجامع الحقيقي الذاتي لا يتصور بين انحاء النسب والروابط إذ ليس للمعنى الحرفي تقرر ماهوي في المرتبة السابقة على الوجود كما هو الحال في المعنى الاسمي إذ له تقرر ماهوي في المرتبة السابقة قبل وجوده في الذهن او الخارج ولهذا يكون الذهن ظرف لوجود المعنى الاسمي والخارج ظرف لوجوده ايضا وأما بالنسبة الى المعنى الحرفي فالذهن ظرف لنفس النسبة أي ظرف لنفس المعنى الحرفي لا لوجوده إذ ليس له ماهية في المرتبة السابقة وكذلك الخارج ظرف لنفس المعنى الحرفي لا وجوده إذ لو كان ظرف لوجوده فلازمه ان يكون له تقرر ماهوي في المرتبة السابقة مع أن الأمر ليس كذلك، فالنسبة نفسها في الذهن ونفسها في الخارج لأن كل نسبة متقومة بشخص وجود طرفيها وهما من المقومات الذاتية للنسبة وبمثابة الجنس والفصل بالنسبة للنوع فلا وجود للنسبة إلا بوجود طرفيها ولا ذات لها إلا بذات طرفيها فإذا قيل: (زيد قائم) ثم قيل: (زيد قائم) فذات النسبة في الجملة الأولى مباينة للنسبة في الثانية لأن شخص وجود طرفيها مباين لشخص وجود طرفيها في النسبة الثانية وليس كذلك المعنى الاسمي لأن له مقومات ذاتية بقطع النظر عن خصوصياته وأفراده كأفراد الإنسان فإنها مشتركة في المقومات الذاتية وهي الحيوانية والناطقية وبقطع النظر عن خصوصيات هذه الأفراد لا يمكن قطع النظر عن مقوماتها وبانعدام هذه الأفراد لا تنعدم مقوماتها وهي الحيوانية والناطقية فهي ثابتة في عالم اللوح وفي المرتبة السابقة على وجودها في الخارج او الذهن فمن أجل ذلك يمتاز المعنى الاسمي عن المعنى الحرفي بالتباين فلا يمكن ان يشترك المعنى الحرفي مع المعنى الاسمي. هذا إذا أراد المحقق العراقي من الجامع بين النسبتين الجامع الحقيقي الذاتي.

وإن أراد من الجامع بينهما الجامع العنواني الانتزاعي وهو مفهوم النسبة فيرد عليه: ان الجامع العنواني الذاتي مفهوم اسمي وليس معنى حرفيا ولفظ النسبة موضوع بإزاء مفهوم النسبة الموجود في الذهن كمفهوم اسمي مستقل في اللحاظ وليس معنى حرفيا بالحمل الشايع الصناعي وإن كان مفهوما اسميا بالحمل الأولي وهو في الحقيقة ليس معنى حرفيا بل هو مفهوم اسمي.

وإن أراد من الجامع بينهما النسبة الثالثة المباينة للنسبتين الأوليتين لأن المراد من الموصول إذا كان هو المال فنسبة الفعل إليه نسبة الفعل الى المفعول به وإن كان المراد من الموصول التكليف فنسبة الفعل إليه نسبة الفعل الى المفعول المطلق وهاتان النسبتان متباينتان فلا يمكن اجتماعهما في جملة واحدة.

وهنا نسبة ثالثة مباينة لهما وهي نسبة الفعل الى معنى الموصول وهو الشيء المبهم فإنها نسبة أخرى مباينة للنسبتين الأوليتين فإن أراد ذلك فهي وإن كانت مباينة للنسبتين الأوليين لأنه إن أريد من الموصول التكليف فتكون النسبة نسبة الفعل الى المفعول المطلق وإن أريد من الموصول المال او الفعل فنسبة الفعل إليه نسبة الى المفعول به.

وإن أريد منه معناه الموضوع له وهو الشيء المبهم فنسبته إليه نسبة الفعل الى المفعول به ولكن نسبة مباينة للنسبتين الأوليتين إن أراد ذلك فيرد عليه أنه إن أراد أن النسبة الثالثة نسبة جامعة بين النسبتين الأوليين فقد تقدم ان الجامع الذاتي الحقيقي غير متصور بين انحاء النسب والروابط فلا يعقل وجود جامع ذاتي حقيقي بين النسبتين المتباينتين.

وإن أراد أنها نسبة ثالثة غير نسبة الفعل الى التكليف وغير نسبة الفعل الى المال بل هي نسبة الفعل الى مدلول الموصول وهو الشيء المبهم إن أراد به النسبة بنحو الموضوعية فلا مانع من تصورها وإن أراد من هذه النسبة بنحو المعرفية والمشيرية الى هاتين النسبتين فيرد عليه أنها ليس نسبة ثالثة فإنها ملحوظة بنحو المعرفية والمشيرية الى هاتين النسبتين وهي نسبة الفعل الى التكليف ونسبة الفعل الى المال فلا توجد نسبة ثالثة حينئذ لأن النسبة الثالثة مجرد عنوان مشير الى هاتين النسبتين الواقعيتين.

فالنتيجة: ما ذكره المحقق العراقي(قده) لا يمكن المساعدة عليه.

هذا كله بحسب مقام الثبوت.

واما في مقام الإثبات: فنسبة الفعل الى الموصول بما له من المعنى المبهم وإن كانت ممكنة إلا أنه لا يمكن في مقام الإثبات فإنه في مقام الإثبات بحاجة إلى قرينة وهي تمامية مقدمات الحكمة وهي غير تامة فإن من مقدمات الحكمة عدم نصب قرينة على الخلاف إذ المقدمة الأولى هي أن يكون المتكلم في مقام البيان والثانية ان يجعل الحكم على الطبيعي بدون التقييد بقيد والثالثة أن لا ينصب قرينة على التقييد والمقدمتان الأوليتان وإن كانتا متوفرتان إلا ان المقدمة الثالثة غير متوفرة في المقام لما تقدم من ان وقوع هذه الآية المباركة في سياق آيات أخرى قرينة على أن المراد من الموصول هو المال. وعلى هذا يكون السياق قرينة على تقييد الموصول بما له من المعنى بالمال فمن أجل ذلك لا تتم مقدمات الحكمة لإثبات إطلاق الموصول بما له من المعنى المطلق والمبهم.

فإذن إرادة المال من الآية المباركة متيقنة إما من جهة قرينة السياق أو من جهة الاجمال ولا ندري أن المراد من الموصول في الآية المباركة هل هو المال أو التكليف فالقدر المتيقن منه المال وعلى كلا التقديرين فلا إطلاق للآية المباركة والقدر المتيقن من الموصول المال فالآية لا تدل على أصالة البراءة الشرعية لأنها إنما تدل عليها إذا أريد من الموصول التكليف والمفروض انه لا يمكن إرادة التكليف منه لأن قرينة السياق تدل على أن المراد منه هو المال.

هذا كله فيما ذكره المحقق العراقي(قده).

الإشكال الثاني: ما ذكره المحقق النائيني(قده)[1] وحاصله: أن كون نسبة الفعل الى التكليف نسبة الى المفعول المطلق إنما يصح فيما إذا أريد من التكليف المعنى المصدري وأما إذا أريد التكليف بمعنى اسم المصدر فعندئذ تكون نسبة الفعل إليه نسبة الى المفعول به.

والوجه في ذلك: هو أنه إن كان الملحوظ في المصدر (التكليف) بما انه مشتمل على النسبة في الجملة فهو معنى حرفي يراد به الحدث وإن لوحظ المصدر بما هو هو لا بما هو مشتمل عل النسبة فهو ذات وليس بحدث، وعليه فإذا لوحظ التكليف في المقام بما هو مشتمل على نسبة ما فهو مصدر وحدث وحينئذ تكون نسبة الفعل اليه نسبة الى المفعول المطلق ولا يمكن ان تكون نسبة الفعل اليه نسبة الفعل الى المفعول به واما إذا لوحظ التكليف بما هو هو فيكون عبارة عن ذات وغير مشتمل على النسبة وليس حدثا فإذاً بطبيعة حال تكون نسبة الفعل إليه نسبة الى المفعول المطلق.

وعلى هذا فإن أريد من التكليف في الآية المباركة التكليف بمعنى اسم المصدر الذي هو ذات لا المصدر الذي هو حدث فعندئذ تكون نسبة الفعل اليه نسبة الى المفعول به وحينئذ لا مانع من نسبة الفعل الى المال والى التكليف فكلتا النسبتين نسبة الى المفعول المطلق .

وعليه يكون هذا الإشكال وارد على الشيخ.

وللمناقشة في هذا الإشكال أيضا مجال واسع.


[1] اجود التقريرات، تقرير بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص169.