آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكومة قاعدة نفي الضرر والحرج على قاعدة الاحتياط

كان كلامنا في مفاد قاعدة لا ضرر ولا حرج والأقوال فيها ثلاثة:

القول الأول: أن مفاد حديث لا ضرر ولا حرج نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كقوله(ع): (لا ربا بين الوالد والولد) أو (لا سهو للإمام إذا كان المأموم حافظا وبالعكس) وما نحن فيه كذلك نفي الحكم حقيقة بلسان نفي الموضوع، وهذا القول مختص بما إذا كان متعلق الحكم بنفسه ضرريا او حرجيا فإذا كان متعلق الحكم بنفسه ضرريا او حرجيا فهو مشمول لهذا الحديث، وأما إذا لم يكن متعلق الحكم بنفسه ضرريا أو حرجيا بل الضرر ناشئ من الجمع بين محتملات التكليف من الجمع بين الواجب وغير الواجب في أطراف العلم الإجمالي فهو غير مشمول لهذا الحديث لأن متعلق التكليف ليس ضرريا فإن الجمع ليس متعلقا للحكم الشرعي بل هو متعلق للحكم العقلي ومن الواضح أن حديث لا ضرر لا يشمل نفي الحكم العقلي.

ومن هنا إذا كان الجمع بين المحتملات غير ضرريا فهو غير مشمول لهذا الحديث لأنه مختص بما إذا كان متعلق التكليف بنفسه ضرريا كما إذا كان الوضوء او الغسل ضرريا او القيام في الصلاة ضرريا فيكون وجوب الوضوء مثلا منفيا بلسان نفي موضوعه وهو الوضوء وهكذا في الباقي.

وقد اختار هذا القول المحقق الخراساني(قده).

القول الثاني: ان مفاد حديث لا ضرر نفي الحكم الناشئ منه الضرر مباشرة لا نفي الموضوع، فكون الفعل ضرريا فهو مسبب عن الحكم وكون الفعل حرجيا فهو مسبب ومعلول للحكم فالحكم هو الذي يوجب الضرر وسبب ومنشأ له فالمنفي إنما هو نفس الحكم مباشرة لأنه يوجب الضرر والحرج فالوضوء إذا كان ضرريا فضرره ناشئ من وجوبه فالمنفي في الحقيقة هو الوجوب الناشئ منه الضرر وكذلك الغسل والقيام في الصلاة، وهذا القول لا يختص بما إذا كان متعلق التكليف بنفسه ضرريا أو حرجيا بل هو يشمل ما إذا كان الجمع بين محتملاته أيضا ضرريا وحرجيا لأن الضرر المترتب على الجمع بين المحتملات في أطراف العلم الإجمالي ناشئ من الحكم الالزامي الواقعي المنجز بالعلم الإجمالي فالذي يوجب الجمع بين المحتملات هو تنجيز الحكم الواقعي الالزامي بالعلم الإجمالي، فالضرر المترتب على الجمع ناشئ من الحكم الالزامي المنجز بالعلم الإجمالي لأنه هو الذي يوجب تنجز المعلوم بالإجمال في جميع أطرافه وهو يقتضي وجوب الاحتياط الذي يقتضي الجمع بين جميع أطرافه فإذا كان هذا الجمع ضرريا فهو مستند ومسبب عن الحكم الالزامي المنجز في العلم الإجمالي فعندئذ يكون المنفي بحديث لا ضرر هو ذلك الحكم.

وعلى هذا ينتفي حكم العقل بانتفاء سببه وعلته فلا يحكم العقل عندئذ بالجمع بين المحتملات لأن منشأ حكم العقل بالجمع بين المحتملات هو تنجز الحكم الالزامي الواقعي بالعلم الإجمالي فإذا كان هذا الحكم الواقعي الالزامي المنجز بالعلم الإجمالي منفي بحديث لا ضرر ومرفوع بهذا الحديث وغير مجعول في الشريعة المقدسة انتفى حكم العقل بانتفاء موضوعه فعندئذ لا يحكم العقل بوجوب الاحتياط وبالجمع بين المحتملات،

وعلى هذا القول في مفاد حديث لا ضرر ولا حرج يتم نفي الحكم الالزامي المنجز مباشرة بلا فرق بين ان يكون متعلقه بنفسه حرجيا أو ضرريا او يكون الضرر والحرج ناشئا من الجمع بين محتملاته التي هي أطراف العلم الإجمالي وهو مقتضى حكم العقل بوجوب الاحتياط.

فعلى كلا التقديرين ينفي حديث لا ضرر الحكم الالزامي المنجز سواء كان الضرر في متعلقه بنفسه أم كان الضرر في الجمع بين محتملاته لأن حديث لا ضرر ينفي ذلك الحكم وبانتفائه ينتفي حكم العقل بالجمع وحكم العقل بالاحتياط.

واختار هذا القول شيخنا الانصاري(قده) وتبعته مدرسة المحقق النائيني(قده) ومنهم السيد الاستاذ(قده).

القول الثالث: إن المرفوع نفس الضرر والحرج لا ضرر والحرج الخارجي فإنه غير قابل للرفع تشريعا بل هو واقع في الخارج بل المراد من نفي الحرج والضرر الضرر والحرج المسبب من الحكم الشرعي مثلا ضرر الوضوء مسبب عن وجوبه وضرر الغسل مسبب عن وجوبه فحديث لا ضرر ينفي هذا الضرر المسبب عن الحكم الشرعي وهو الوجوب، وهذا القول أيضا لا يختص بما إذا كان متعلق التكليف بنفسه ضرريا او حرجيا بل يعم ما إذا كان الضرري والحرجي هو الجمع بين محتملات العلم الإجمالي بحكم العقل فإن حكم العقل بوجوب الجمع بين المحتملات والاحتياط مسبب عن تنجيز الحكم التكليفي الالزامي بالعلم الإجمالي لأن العلم الإجمالي حيث إنه منجز للمعلوم بالإجمالي الذي هو حكم إلزامي واقعي وتنجيزه يوجب الاحتياط ووجوب الجمع بين أطرافه فإذا كان في هذا الجمع ضرر فهو مسبب عن الحكم الشرعي المنجز بالعلم الإجمالي وحينئذ يكون مفاد حديث لا ضرر هو نفي الضرر المسبب عن الحكم الشرعي.

والفرق بين القول الثاني والقول الثالث أن على الثالث يكون مفاد حديث لا ضرر هو نفي السبب ونفي العلة مباشرة ونفي المسبب (الضرر) بالتبع وأما على القول الثاني يكون مفاد حديث لا ضرر نفي المسبب والمعلول مباشرة ونفي العلة بالتبع.

واما القول الأول فهو نفي الحكم بنفي موضوعه مباشرة.

ثم إن السيد الاستاذ قد اشكل[1] على ما ذكره المحقق صاحب الكفاية بأمرين:

الأمر الأول: إن المأخوذ في لسان حديث لا ضرر نفي الضرر وفي لسان حديث لا حرج نفي الحرج لا نفي الفعل الضرري ولا نفي الفعل الحرجي، ومن الواضح أن الضرر ليس عنوانا للفعل ولا ينطبق على الفعل انطباق العنوان على المعنون فالفعل ليس ضررا بل الفعل ضرري والفعل ليس حرجا بل الفعل حرجي فالمأخوذ في لسان حديث لا ضرر ولا حرج ليس الفعل الضرري والفعل الحرجي بل المأخوذ عنوان الحرج وعنون الضرر وهو ليس عنوانا للفعل.

وعلى هذا فظاهر الحديث على ما فسره به صاحب الكفاية(قده) نفي حرمة الضرر ونفي حرمة الحرج باعتبار ان مفاد لا ضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لأن الحرج والضرر موضوع للحرمة كقوله: (لا ربا بين الوالد والولد) فحقيقة الربا هو الزيادة فيكون عنوانا للزيادة فيكون المراد من لا ربا بين الوالد والولد هو نفي حرمة الزيادة بنفي موضوعها وهو الربا الذي هو عنوان للزيادة وينطبق عليها وكذلك السهو فالسهو عنوان للشك وينطبق عليه حقيقة فيكون مفاد (لا سهو) نفي حكم السهو حقيقة بنفي موضوعه وهو السهو.

وعلى هذا فمفاد لا ضرر نفي حكم الضرر وحكم الضرر هو الحرمة فإن الإضرار بالنفس أو الإضرار بالغير محرم فالمنفي هو الحرمة لا الحكم الواقعي المنجز بالعلم الإجمالي أو بالعلم التفصيلي.

وهذا الإشكال وارد على صاحب الكفاية(قده) لأن الضرر ليس موضوعا للحكم الضرري بل هو موضوع للحرمة لأن موضوع الحكم الضرري الفعل الضرري وموضوع الحكم الحرجي الفعل الحرجي.

فإذاً ما ذكره صاحب الكفاية من التفسير غير صحيح.

الأمر الثاني: أن الاحتياط هو العمل بأطراف العلم الإجمالي الكبير ومن الواضح ان العمل بالاحتياط تدريجي ولا يمكن ان يكون دفعيا فإن امتثال التكليف الإجمالي بالإتيان بالمحتملات وبطبيعة الحال يكون هذا الاتيان تدريجيا، ولكن الاتيان بالمحتملات في أول الأمر لم يكن ضرريا ولا حرجيا لأن المجتهد يتمكن من الاحتياط في جميع المحتملات ابتداءً ولكن إذا استمر على هذا الاحتياط فبطبيعة الحال يصل إلى حد لو تجاوزه لكن الاحتياط حرجيا أو ضرريا، وعندئذ يعلم المكلف أن متعلق التكليف إما في الأطراف التي أتى بها او يكون متعلق الحكم الشرعي في الأطراف الباقية، فإن كان متعلق التكليف في الأطراف التي أتى بها فقد امتثل له وسقط بالامتثال واما إذا كان متعلق التكليف الواقعي باقيا في الأطراف الباقية فقد سقط من جهة الحرج والضرر.

وعلى هذا يكون ما ذكره صاحب الكفاية(قده) من اختصاص مفاد حديث لا ضرر بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع إذا كان متعلق التكليف بنفسه حرجيا أو ضرريا ليس على ما ينبغي بل يشمل موارد الاحتياط أيضا بنفس هذا البيان.

وهذا البيان منه(قده) ايضا متين جدا.

فيرد كل من هذين الإشكالين على صاحب الكفاية(قده).


[1] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الواعظ، ج2، ص527.