آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

أما الكلام في الجهة الثالثة: فيقع في أن نتيجة مقدمات الانسداد بعد تمامية هذه المقدمات هل هي مطلقة او مهملة او فيها تفصيل؟

والجواب عن ذلك: أن الإطلاق والإهمال تارة ملحوظان بالنسبة إلى أسباب حصول الظن واخرى ملحوظان بالنسبة إلى مراتب الظن وثالثة ملحوظان بالنسبة إلى الموارد، وعلى جميع التقادير فتارة يقع الكلام على القول بالكشف وان نتيجة هذه المقدمات هي الكشف وأخرى يقع الكلام على القول بالحكومة.

أما على القول بالكشف: فقد ذكر السيد الاستاذ[1] (قده) انه لا إهمال من حيث الأسباب فإن الظن إذا حصل من أي سبب كان فهو صالح لأن يكون حجة شرعا سواء كان حاصلا من الاجماعات المنقولة او من روايات الثقات أو من غيرهم أو من الشهرات الفتوائية او من حسن الظن بجماعة من الفقهاء أو ما شاكل ذلك فهذا الظن يكون حجة شرعا، لأن هذه المقدمات على تقدير تماميتها تكشف عن حجية الظن من أي سبب حصل هذا الظن، لأن العقل يعين ان موضوع الحجية هو الظن بلا فرق بين حصوله من أي سبب كان فإذاً لا إهمال في النتيجة من حيث الأسباب.

وأما الإهمال: من حيث مراتب الظن المتعددة الطولية من مرتبة تلو الاطمئنان إلى مرتبة الأدنى من الاحتمال الراجح لأن الظن يطلق على ادنى رجحان لأحد الاحتمالين على الاحتمال الآخر كما في الظن في ركعات الصلاة وهو حجة في ركعات الصلاة.

والنتيجة: من حيث المراتب مهملة إذ هذه المقدمات على تقدير تماميتها تكشف عن حجية الظن بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية في جميع أبواب الفقه ولا تقتضي حجية الظن مطلقا كما انها لا تقتضي حصة خاصة من الظن لأن هذا المقدار يحل مشاكل الإنسان الكبرى من المسائل الاجتماعية والفردية والعائلية بكافة أنواعها وأشكالها فإن كل مشكلة يقع الإنسان فيها قد جعل الشارع لها حلا.

فإذاً هذه المقدمات على تقدير تماميتها تكشف عن حجية الظن بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية من بداية أبواب الفقه إلى نهايته. ولا تقتضي حجية الظن في جميع المراتب من مرتبة تكون تلو مرتبة الاطمئنان إلى مرتبة ادنى الرجحان كما انها لا تقتضي حجية حصة خاصة من الظن في مرتبة خاصة، فإذا فرضنا أن الظن القوي نوعا ـــ وهو الظن الحاصل من أخبار الثقة او من الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة ـــ يفي بمعظم الأحكام الفقهية فمقدمات الانسداد على تقدير تماميتها لا تكشف عن حجية الظن بأكثر من ذلك أي ان خصوص الظن الحاصل من أخبار الثقة هو الحجة دون الحاصل من أخبار غير الثقة أو أن الظن الحاصل من ظواهر الالفاظ هو الحجة دون الحاصل من ظواهر الافعال.

هذا في غير المسائل الشرعية التي اهتم الشارع فيها كمسائل الدماء والأعراض والأموال الخطيرة فإن الظن في هذه المسائل لا أثر له، حيث إنه إذا ظن بان هذا الرجل مهدور الدم ولكن يحتمل أنه مؤمن محقون الدم فلا يجوز قتله بمجرد الظن او ظن بان هذه المرأة ليست رضيعته مع احتمال انها رضيعته من فحل واحد فلا يجوز له ان يتزوج بها بمجرد هذا الاحتمال ولا أثر لهذا الظن ولا يكون حجة.

والحاصل: في المسائل التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها لا يجوز العمل بالظن ولا يكون حجة.

وعلى هذا فمقدمات الانسداد على القول بالكشف على تقدير تماميتها إنما تكشف عن حجية الظن في غير المسائل التي اهتم الشارع فيها.

هذا بحسب المراتب.

واما بحسب الموارد: فنتيجة هذه المقدمات أيضا مهملة فإن هذه المقدمات لا تكشف عن حجية الظن في جميع الموارد وإنما تقتضي حجية الظن في معظم الأحكام الفقهية لا في جميع الأحكام الفقهية في تمام الموارد أي أن القول بالكشف إما مبني على سقوط العلم الإجمالي من جهة الاضطرار إلى بعض أطرافه غير المعين فإنه يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن الاعتبار كما بنى عليه صاحب الكفاية(قده) وحينئذ يكون العلم الإجمالي في المقام منحل فلا أثر له وبما ان المفروض ان باب العلم والعلمي منسد والاحتياط غير واجب لسقوط العلم الإجمالي عن الاعتبار والتكليف غير ساقط، فلا محالة تكشف هذه المقدمات عقلا عن أن الشارع جعل الظن حجة وإلا لزم التكليف بغير المقدور وهو محال بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية. أو أن القول بالكشف مبني على أن الشارع لا يرضى بالاحتياط في معظم الأحكام الفقهية.

أما على القول الأول: فلأن مقدمات الانسداد تكشف عن حجية الظن في غير المسائل المهمة التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها كمسائل حفظ النفس المحترمة ومسائل الأعراض والدماء والأموال الخطيرة، وإذا ضممنا تلك الموارد إلى هذه المسائل فإذا صار المجموع بمقدار معظم الأحكام الفقهية كفى ذلك في حل مشاكل الإنسان فإن لم يف بمعظم الأحكام الفقهية فلا بد من ضم الظن في موارد أخرى إلى ذلك.

فإذاً لا بد من حجية الظن بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية فإن كفى الظن القوي بذلك فهو وإلا لا بد من ضم ظن آخر أضعف منه حتى يكون المجموع وافيا بمعظم الأحكام الفقهية. هذا بناء على ان العلم الإجمالي ساقط ولا أثر له ولا يكون منجزا.

واما في المسائل التي اهتم بها الشارع فالمنجز هو الاحتمال لا العلم الإجمالي.

وأما على القول بأن الشارع لا يرضى بالاحتياط في معظم الأحكام الفقهية فأيضا لا ينافي وجوب الاحتياط في تلك المسائل المهمة فإن هذه المسائل غير داخلة في معظم الأحكام الفقهية ولا بد من الاحتياط فيها ولا يكون الاحتياط فيها احتياط في معظم الأحكام الفقهية حتى يقال إن الشارع غير راض بها.

وعلى هذا فلا بد من ضم بقية الموارد إلى هذه المسائل بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية فإذا وفى بذلك كفى حل مشاكل الإنسان وإن لم يف فلا بد من ضم ظنون اخرى وهكذا.

فالنتيجة: أن على القول بالكشف لا إهمال في الأسباب واما بحسب المراتب والموارد فالنتيجة مهملة.

واما على القول بالحكومة: فقد ذكر صاحب الكفاية(قده)[2] انه لا يعقل أن تكون النتيجة مهملة لأن الحاكم بحجية الظن إنما هو العقل والحاكم لا يشك في صدور الحكم منه فالعقل لا يشك في أنه حكم بحجية مطلق الظن او بحجية حصة خاصة من الظن، فلا يتصور ذلك في حق الحاكم فمن أجل ذلك لا يتصور الإهمال في الأسباب.

 


[1] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الواعظ، ج2، ص222.
[2] كفاية الاصول، المحقق الخراساني، ص322.