آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

واما التفسير الثاني للحكومة: وهو أن حال الظن في باب الانسداد كحال القطع في باب الانفتاح أي كما ان حجية القطع في حال الانفتاح ذاتية وغير قابلة للجعل ولا لنفيها عن القطع فلا يمكن سلب الحجية عن القطع كذلك الظن في حال الانسداد فعند تمامية مقدمات الانسداد جميعا يكون حال الظن حال القطع وتكون حجيته ذاتية وغير قابلة للجعل ولا للنفي، غاية الأمر أن حجية الظن من لوازم وجوده في حال الانسداد أي حصة خاصة من وجوده وهو وجوده في حال انسداد باب العلم والعلمي وعدم وجوب الاحتياط، وليس من لوازم ماهيته بينما حجية القطع من لوازم ماهية القطع بلا فرق بين حالة دون حالة أخرى أي بلا فرق بين حالة الانسداد وبين حالة الانفتاح بينما حجية الظن ليست كذلك فإنها ذاتية للظن في حال الانسداد فقط واما في حال الانفتاح فلا يكون الظن حجة.

وقد اشكل على ذلك المحقق النائيني[1] (قده):

أولاً: حيث إنه فسر حجية القطع وحجية الظن بالطريقية لأن مسلكه في معنى الحجية هو الطريقية والكاشفية، وعلى هذا فطريقية القطع وكاشفيته ذاتية بل الطريقية نفس القطع وليست من لوازم القطع لأن الطريقية عبارة عن الجنس والفصل المقوم للقطع ومن ذاتيات القطع فإن العلم هو الطريقية والقطع نفس الطريقية وهي ثابتة للقطع في تمام الحالات بينما طريقية الظن ليست ذاتية له في تمام الحالات فلو كانت طريقية الظن ذاتية في حالة فهي ذاتية في جميع الحالات إذ لا يمكن التفكيك بين الشيء وبين ذاتياته لأن الجنس والفصل مقوم للنوع، ومع عدم وجود الجنس والفصل لا نوع في البين فطريقية الظن لو كانت ذاتية في باب الانسداد فلا بد ان تكون كذلك مطلقا إذ الذاتي لا يمكن ان يتصور في حالة دون اخرى بلا فرق في ذلك بين ان تكون الذاتيات من ذاتيات باب الكليات أو ذاتيات باب البرهان.

وعلى هذا فكيف يمكن ان تكون حجية الظن ذاتية للظن في باب الانسداد ولا تكون ذاتية له في باب الانفتاح.

وثانياً: إن الظن - مع غض النظر عن تمامية مقدمات دليل الانسداد ومنها العلم الإجمالي بالأحكام الشرعية الموجب لتنجزها – لا يكون حجة ولا بيانا ولا رافعا لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان كالقطع فإنه رافع لموضوع هذه القاعدة وفرض حجيته على تقدير تمامية مقدمات دليل الانسداد لا يمكن إلا بالجعل والمفروض أن العقل لا يمكن أن يكون جاعلا ومشرعا فإن الجاعل والمشرع هو الشارع والمولى وشأن العقل الإدراك لا الجعل والتشريع فليس للعقل جعل الحجية للظن في باب الانسداد.

هذا ما ذكره المحقق النائيني(قده).

والظاهر: أن هذا التفسير ليس مراد المحقق الخراساني(قده) حيث إنه ذكر أن الظن في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح وأن حجيته ذاتية والمراد من الحجية هي ما كانت بمعنى المنجزية والمعذرية فكما ان منجزية القطع ذاتية أي ذاتي باب البرهان لأن الحجية أمر زائد على ذات الشيء ولا يعقل أن تكون جنسا وفصلا له فهي من لوازم باب البرهان ولا تنفك عن القطع فمتى حصل القطع فهو منجز ومعذر. والظن في حال الانسداد كذلك لأن صاحب الكفاية(قده) قد خص منجزية الظن ومعذريته الذاتية في باب الانسداد فقط لا مطلقا.

ولكنه أيضا غير تام كما سنبينه في ضمن البحوث الاتية.

واما التفسير الثالث للحكومة: فقد اختاره السيد الاستاذ[2] (قده) وهو أن معنى الحكومة هو حكم العقل بالتبعيض في الاحتياط وذلك لأن الحاكم في باب الطاعة والامتثال هو العقل والمفروض انه ليس بجاعل حتى يجعل الحجية للظن في باب الانسداد إذ التشريع بيد الشارع وليس للعقل شأن إلا الإدراك فجعل الحكم إذاً ليس من شأن العقل، فلا يمكن أن يحكم العقل بحجية الظن في باب الانسداد وحينئذ لا مناص من القول بالتبعيض في الاحتياط لتفاوت أطراف العلم الإجمالي من جهة ان بعض أطراف الحكم المحتمل مظنون والبعض الآخر مشكوك والبعض الآخر موهوم وحينئذ يدور الأمر في المقام بين الامتثال الظني والامتثال الوهمي والامتثال الشكي باعتبار عدم التمكن من الاحتياط التام لاستلزماه العسر والحرج او اختلال النظام وهذا معناه لا بدية التبعيض في الاحتياط أي يدور الأمر بين الامتثال الظني وترك الامتثال الشكي والوهمي وبين العكس، ومن الواضح ان العكس غير جائز لأنه من ترجيح المرجوح على الراجح والامتثال الظني في باب الطاعة مقدم على الامتثال الشكي والوهمي كتقدم الامتثال العلمي على الامتثال الظني بحكم العقل وهذا هو معنى حكم العقل بلزوم العمل بالظن على القول بالحكومة، لأن العقل ليس بجاعل حتى يجعل الحجية للظن فعلى القول بالحكومة يكون تقديم الامتثال الظني على الامتثال الشكي والوهمي من باب ترجيح الراجح على المرجوح، واما العكس فلا يجوز لأن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح.

وعلى هذا يكون معنى الحكومة هو التبعيض في الاحتياط وليس جعل العقل الحجية للظن.

هذا ما ذكره السيد الاستاذ(قده).


[1] اجود التقريرات، تقرير بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص135.
[2] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الواعظ، ج2، ص220.