آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

اما المقدمة الثانية: فلا شبهة في أن باب العلم الوجداني منسد بمعظم الأحكام الفقهية حتى للحاضرين في زمن النبي الأكرم(ص) لعدم تمكن كل واحد من المسلمين آنذاك من الوصول إليه(ص) والسؤال منه مباشرة فلا محال يكون وصول الأحكام الشرعية إليه من قبل الثقات، بل حتى لو كان قد سمع الحكم من قبل النبي الأكرم(ص) مباشرة فإنه يحتمل اشتباهه في الفهم ومعه لا يحصل له اليقين بالحكم الشرعي.

وعلى هذا فتحصيل اليقين الوجداني بالأحكام الشرعية الفقهية غير ممكن لكل احد حتى الحاضرين في مجلس النبي الأكرم(ص) وحينئذ لا شبهة في انسداد باب العلم الوجداني بالحكم الشرعي.

واما باب العلمي فهو غير منسد لما تقدم من دلالة الدليل على ذلك وهو قيام السيرة العقلائية الممضاة شرعا واما الآيات والروايات والاجماعات المنقولة فهي مؤكدة لها وليس هي تأسيس.

ولو سلم انسداد باب العلمي أيضا ولا دليل على حجية أخبار الثقة إما لعدم قيام السيرة عليها وإما لقيام السيرة ولكنها غير ممضاة شرعا واما الآيات والروايات فهي قاصرة الدلالة على ذلك وكذلك يمكن القول بانسداد باب العلمي لو فرض أن الأدلة لا تشمل ظواهر الالفاظ ومنها ظواهر أخبار الثقة، فتكون الحجة هي أخبار الثقة ذات الدلالة القطعية، ومن الواضح أن مثل هذه الأخبار لو وجدت فهي قليلة جدا ولا تكفي لشطر من الأحكام الفقهية وجريان عملية الاستنباط في جميع المسائل الفقهية، وكذلك لو فرضنا ان الدليل على حجية ظواهر الالفاظ موجود ومنها ظواهر أخبار الثقة ولكن لا دليل على حجية سندها إما من جهة المناقشة في الكبرى وانه لا دليل على حجية أخبار الثقة كالسيرة العقلائية إما لعدم وجودها أو لعدم إمضائها وأما الآيات والروايات فلا تدلان على حجية أخبار الثقة سندا.

أو من جهة الصغرى كما لو فرض المناقشة في توثيقات جماعة من أكابر الفقهاء المتقدمين والمحدثين كالشيخ الطوسي(قده) لأصحاب الأئمة(ع) لأن توثيقات هؤلاء لا محالة تكون من خلال الواسطة وهذه الواسطة مجهولة لنا، فتدخل هذه التوثيقات في المرسلات وهي لا تكون حجة.

وحينئذ لا يمكن لنا إثبات حجية أخبار الثقة سندا، ومن الواضح أن أخبار الثقة التي يكون سندها قطعيا قليلة جدا ولا تكفي لشطر من المسائل الفقهية.

وعلى هذا يكون باب العلمي منسد إما لأنه لا دليل على حجية أخبار الثقة سندا ودلالة أو لا دليل على حجيتها سندا أو لا دليل على حجيتها دلالة فقط، فعلى جميع التقادير يكون باب العلمي منسد.

وعلى هذا تكون المقدمة الثانية تامة أي انسداد باب العلم الوجداني وباب العلمي.

واما المقدمة الثالثة: فهي مبنية على تمامية المقدمة الثانية وهي انسداد باب العلم والعلمي فلا محالة تصل النوبة إلى العمل بالعلم الإجمالي لأنه لا شبهة في تنجيز العلم الإجمالي للمعلوم بالإجمال في تمام أطرافه بلا فرق بين المشكوكات والموهومات والمظنونات، وحيث إن الاحتياط التام إما مستحيل لأنه يستلزم الإخلال بالنظام أو انه يوجب العسر والحرج فهو غير واجب فلا بد من التبعيض في الاحتياط.

هذا إذا لم نقل بانحلال العلم الإجمالي.

وأما إذا قلنا بانحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي المتوسط وانحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي الصغير وهو العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الالزامية في الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة او روايات الثقات فعندئذ لا يلزم محذور اختلال النظام ولا محذور لزوم العسر والحرج، فلا مانع من الاحتياط في موارد أخبار الثقة في جميع أبواب الفقه، فعندئذ لا مبرر للتبعيض في الاحتياط، إذ التبعيض في الاحتياط يبرر بأحد أمرين: إما لزوم اختلال النظام او لزوم العسر والحرج، ومع عدم لزوم شيء منهما فلا موجب للتبعيض في الاحتياط.

ومع الإغماض عن ذلك والتسليم بعدم انحلال العلم الإجمالي الكبير او التسليم بانحلاله ولكن الاحتياط التام في جميع الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة او روايات الثقات يستلزم العسر والحرج وعندئذ هل يجب التبعيض في الاحتياط أو لا يجب؟

والظاهر أنه لا موجب للتبعيض في الاحتياط لأن كل واحد من المحذورين المتقدمين لا يمنع عن أصل وجوب الاحتياط إذ هو واجب على المكلف بمقتضى العلم الإجمالي ولكن إذا قام بالاحتياط واستمر عليه ولكن وصل إلى حد يوجب العسر والحرج أو اختلال النظام فعندئذ لا يجب أو لا يجوز الاحتياط في المقدار الزائد واما أصل وجوب الاحتياط من الأول فليس فيه أي محذور من المحذورين المتقدمين فلهذا يجب على المكلف الاحتياط في جميع الشبهات سواء كان الحكم في تلك الشبهات مظنونا او مشكوكا او موهوما لأن هذا الحكم منجز بالعلم الإجمالي لأن نسبة العلم الإجمالي إلى جميع هذه المحتملات نسبة واحدة فكما انه منجز للحكم المظنون كذلك هو منجز للحكم المشكوك والحكم الموهوم، فلا تمييز في تنجيز العلم الإجمالي لاحتمال التكليف في جميع أطرافه، كما لو فرض العلم الإجمالي بنجاسة أحد أواني عشرة وبالطبع احتمال النجاسة متفاوت بين هذه الآنية العشرة ففي بعضها يكون احتمال النجاسة على حد الظن وفي ببعضها الآخر مشكوك وفي بعضها الثالث موهوم ولكن العلم الإجمالي منجز لجميع هذه الاحتمالات فيجب على المكلف الاجتناب عن جميع هذه الآنية العشرة، لأن نسبة العلم الإجمالي إلى جميع هذه الأطراف نسبة واحدة ودليل الاحتياط بحكم العقل لا يدل على التمييز بين المظنونات والمشكوكات والموهومات، فإن الواجب على المكلف الاحتياط من الأول سواء في المشكوكات او في المظنونات او في الموهومات إلى ان يصل إلى حد لزوم الحرج والعسر فعندئذ لا يجب عليه الاحتياط او يصل إلى حد اختلال النظام فعندئذ لا يجوز الاحتياط.

فما هو المشهور بين الأصحاب من لا بدية التبعيض في الاحتياط بأن يجب الاحتياط في المظنونات وترك الاحتياط في المشكوكات والموهومات لأن العكس ترجيح من غير مرجح إنما يتم لو كان دليل وجوب الاحتياط يدل على التمييز بين المحتملات وقد عرفت عدم دلالتها على ذلك لأن نسبة العلم الإجمالي إلى جميع الاحتمالات نسبة واحدة بلا فرق بين الظن والشك والوهم لأن الظن إذا لم يكن حجة فحاله حال الشك والوهم ولا مزية له على الشك والوهم وحينئذ يجب الاحتياط على المكلف من الأول في الشبهات التحريمية والوجوبية لأنه لا يستلزم العسر والحرج او اختلال النظام إلى أن يصل إلى حد لزوم الحرج والعسر فعندئذ لا يجب أو إلى ان يصل إلى حد اختلال النظام فعندئذ لا يجوز.