آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

ذكرنا ان دليل الانسداد على ما ذكره شيخنا الأنصاري ووافقه عليه جماعة منهم السيد الاستاذ(قده) انه مركب من أربع مقدمات:

المقدمة الأولى: العلم الإجمالي بثبوت احكام إلزامية في الشريعة المقدسة، ومنشأ هذا العلم الإجمالي هو الإيمان بالشريعة ولا معنى للشريعة إلا جعل الأحكام الشرعية فيها.

المقدمة الثانية: أن باب العلم الوجداني منسد بمعظم الأحكام الفقهية وأما باب العلمي وهو حجية الروايات فأيضا منسد بمعظم الأحكام الفقهية.

المقدمة الثالثة: ان الاحتياط التام لا يمكن عقلا أو شرعا لاستلزامه العسر والحرج.

المقدمة الرابعة: ان الأصول المؤمنة لا تجري في اطراف العلم الإجمالي لا كلا ولا بعضا، إذ جريانها في الجميع يستلزم المخالفة القطعية العملية، وجريانها في بعضها دون بعضها الآخر ترجيح من غير مرجح.

وزاد المحقق الخراساني مقدمة أخرى وذكر أن دليل الانسداد مركب من خمس مقدمات:

الأولى: العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الالزامية في الشريعة المقدسة.

الثانية: انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام الفقهية.

الثالثة: انه لا يجوز إهمال هذه الأحكام وترك امتثالها، وهذه هي المقدمة التي زادها المحقق الخراساني(قده)[1] .

المقدمة الرابعة: تعذر الاحتياط التام إما بحكم العقل او بحكم الشرع.

المقدمة الخامسة: عدم جريان الأصول المؤمنة في أطراف العلم الإجمالي لا كلا ولا بعضا.

وقد أشكل السيد الاستاذ[2] على ما ذكره المحقق الخراساني(قدهما) ان المقدمة الثالثة ليست مقدمة مستقلة في مقابل المقدمة الأولى بل هي في طول المقدمة الأولى أي أن المقدمة الأولى متضمنة للمقدمة الثالثة لأن العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة يوجب تنجزها ومع تنجز هذه الأحكام بالعلم الإجمالي فبطبيعة الحال لا يجوز إهمالها، فعدم إهمالها ليس مقدمة مستقلة في عرض المقدمة الأولى.

هذا ما ذكره السيد الاستاذ(قده)، وهو متين.

ولكن ما ذكره وارد ايضا على ما وافق فيه الشيخ الأنصاري لأن المقدمة الرابعة أيضا داخلة في المقدمة الأولى، لتضمنها للمقدمة الرابعة وليست مقدمة مستقلة في عرض المقدمة الأولى بل هي في طولها؛ فإن العلم الإجمالي إذا كان منجزا للمعلوم بالإجمال في أطرافه فلازم ذلك عدم جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي، فنفس العلم الإجمالي يتضمن عدم جريان الأصول العملية المؤمنة في أطرافه.

فالصحيح أن دليل الانسداد مركب من ثلاث مقدمات:

المقدمة الأولى: العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الالزامية.

المقدمة الثانية: انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الأحكام الشرعية.

المقدمة الثالثة: ان التبعيض في الاحتياط لا يمكن بعد عدم إمكانية الاحتياط التام في تمام أطراف العلم الإجمالي. لأن التبعيض هو إما ترجيح الاحتياط في المظنونات على الاحتياط في المشكوكات والموهومات او بالعكس، وحيث إن العكس وهو تقديم الاحتياط في المشكوكات والموهومات على الاحتياط في المظنونات ترجيح للمرجوح على الراجح وهو لا يمكن فلا بد من تقديم الاحتياط في المظنونات على المشكوكات.

والنتيجة هي وجوب العمل بالظن في الأحكام الشرعية ولا يجوز العمل بالشك والوهم.

الكلام في الجهة الثانية

فلا شبهة في العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الالزامية في الشريعة المقدسة وإنما الكلام في تنجيز هذا العلم الإجمالي، فقد يقال كما قيل: إن هذا العلم الإجمالي غير منجز، لأن المانع عن تنجيزه موجود وهو اضطرار المكلف إلى ارتكاب الشبهات، لأن في كل فعل يرتكبه المكلف يحتمل في حقه الوجوب أو الحرمة او غيرهما، لأن أطراف هذا العلم الإجمالي جميع الشبهات سواء أ كانت هناك امارة أم لم تكن امارة.

وعلى هذا فكل فعل يرتكبه المكلف يحتمل وجوبه كما يحتمل حرمته، وهذا الاضطرار يكون مانعا عن تنجيز العلم الإجمالي، إذ قد ذكر أن الاضطرار إلى ارتكاب بعض أطراف العلم الإجمالي مانع عن تنجيزه.

والجواب عن ذلك:

أولاً: ان المانع عن تنجيز العلم الإجمالي هو الاضطرار إلى الطرف المعين واما الاضطرار إلى غير المعين فلا يكومن مانعا كما إذا فرض العلم الإجمالي بأنه إما الإناء الغربي خمر أو الإناء الشرقي خمر فيعلم إجمالا بأن أحد الإناءين خمر فإذا اضطر المكلف إلى شرب أحدهما فهذا الاضطرار لا يكون مانعا عن التنجيز لأن هذا الاضطرار لا يتعلق بما تعلق به التكليف وهو الحرمة باعتبار أن الحرمة إنما تعلقت بشرب الإناء الغربي بحده او بشرب الإناء الشرقي بحده ولم تتعلق الحرمة بالجامع بينهما، مع ان متعلق الاضطرار الجامع وعلى هذا فلم يتعلق الاضطرار بما تعلق به التكليف، ولهذا لا أثر له.

وتطبيق هذا الاضطرار على أحدهما لا يوجب انحلال العلم الإجمالي وهذا نظير ما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين وشرب أحدهما اضطرارا فإن هذا الاضطرار لا يوجب انحلال العلم الإجمالي لأن العلم الإجمالي بعد الشرب أيضا باق ولا ينحل بشرب أحدهما، بل هو موجود في نفس المكلف.

وهذا بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلى المعين كما إذا اضطر إلى شرب الإناء الشرقي فقط فإن يوجب انحلال العلم الإجمالي لأن الحرمة إذا كانت متعلقة بشرب الإناء الشرقي فقد ارتفعت بالاضطرار فبطبيعة الحال يكون الشك في حرمة شرب الإناء الغربي شك بدوي فلا مانع من الرجوع إلى الأصول المؤمنة كأصالة البراءة او استصحاب عدم التكليف.

واما إذا كان الاضطرار إلى غير المعين فهو لا يكون موجبا لانحلال العلم الإجمالي.

وثانيا: على تقدير تسليم ان الاضطرار إلى غير المعين يوجب انحلال العلم الإجمالي كما بنى عليه صاحب الكفاية(قد) ولكن لا يكون هذا الاضطرار موجبا لانحلال العلم الإجمالي ومانعا عن تنجيزه لأن الاضطرار تعلق بفئة خاصة من الشبهات اما الشبهات التي هي خارجة عن دائرة الاضطرار فهي كثيرة والعلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية فيها موجود وهو منجز فإن المعلوم بالإجمال بتمامه لا ينطبق على المضطر إليه فالاضطرار إنما يوجب الانحلال إذا كان المعلوم بالإجمال بتمامه منطبقا على المضطر إليه.

وما نحن فيه ليس كذلك فإن دائرة المعلوم بالإجمال أوسع بكثير من دائرة الاضطرار.

وعليه لا يكون هذا الاضطرار مانعا عن تنجيز العلم الإجمالي وموجبا لانحلاله.

هذا من ناحية

ومن ناحية أخرى قد تقدم سابقا أن هنا علوم إجمالية ثلاثة:

العلم الإجمالي الأول: وهو العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة ودائرة هذا العلم الإجمالي اوسع من دائرة الأمارات أي سواء كانت هناك امارة أم لم تكن.

العلم الإجمالي الثاني: هو العلم الوسط وهو العلم بثبوت أحكام إلزامية في دائرة الأمارات فقط.

العلم الإجمالي الثالث: وهو العلم الصغير وهو العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة في دائرة فئة خاصة من الأمارات كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ او الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة.

وقد تقدم سابقا ان العلم الإجمالي الكبير ينحل بالعلم الإجمالي الوسط والعلم الإجمالي الوسط ينحل بالعلم الإجمالي الصغير. وعليه ليس لنا علم إجمالي بثبوت أحكام إلزامية في خارج دائرة أخبار الثقة وظواهر الالفاظ، فالمعلوم بالإجمال منحصر في دائرة أخبار الثقة وظواهر الالفاظ.

هذا كله في المقدمة الأولى.

واما المقدمة الثانية: فلا شبهة في أن العلم الوجداني بمعظم الأحكام الفقهية منسد ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلم التعبدي لجريان السيرة العملية القطعية من العقلاء على العمل بأخبار الثقة وظواهر الالفاظ. فأخبار الثقة حجة وظواهر الالفاظ حجة.

وعلى هذا فباب العلم التعبدي لا يكون منسدا

 


[1] كفاية الاصول، المحقق الخراساني، ص311.
[2] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الواعظ، ج2، ص219.