آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جابرية عمل المشهور لضعف الخبر

ذكرنا أنه لا يمكن المساعدة على ما ذكر من ان عمل المشهور برواية ضعيفة كاشف عن صدورها عن المعصومين(ع)، فإن أريد بالكاشفية الكاشفية النوعية فمضافا إلى أن عمل المشهور ليس كاشفا نوعيا عن صدور الخبر الضعيف عن المعصومين(ع) انه لا دليل على حجية هذه الكاشفية لأن الدليل إنما قام على حجية الكاشفية النوعية في خصوص خبر الثقة وظواهر الالفاظ ولا دليل فيما عدا ذلك والتعدي عن خبر الثقة وظواهر الالفاظ إلى هذا المورد لا يمكن لأن كل حكم إذا كان على خلاف القاعدة فالتعدي منه إلى غيره يكون بحاجة إلى قرينة ولا قرينة في المقام لا في نفس أدلة حجية الكاشفية ولا من الخارج.

وإن أريد بالكاشفية الكاشفية الظنية فلا دليل على حجيتها إذ الأصل الأولي حرمة العمل بالظن فالعمل به بحاجة إلى دليل ولا دليل في المقام على الحجية.

وإن أريد بالكاشفية الكاشفية القطعية أو الاطمئنانية فهي تتوقف على تمامية مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن يكون العمل بالرواية الضعيفة سندا مشهورا بين المتقدمين من أصحابنا الذين يتصل عصرهم بعصر أصحاب الأئمة(ع).

المقدمة الثانية: أن تصل هذه الشهرة إليهم من زمن الائمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.

فإن تمت هاتان المقدمتان فلا شبهة في أن الخبر الضعيف حينئذ يكون صادرا عنهم(ع) إما قطعا أو اطمئنانا، لأن هاتين المقدمتين تضمنان شهرة هذا الخبر في زمن أصحاب الأئمة وهذا يعني اتصال الشهرة بزمن الأئمة(ع) ما يدل على إمضاؤه شرعا وهو يدل على صدوره عنهم(ع).

ولكن لا تتم هاتان المقدمتان:

أما عدم تمامية المقدمة الأولى: فلأنه لا طريق لنا إلى إحراز عمل مشهور أصحاب الأئمة(ع) وفقهاء الأصحاب بهذه الرواية الضعيفة سندا في مقام الافتاء لا مباشرة وذلك للفصل الزمني بين الفقهاء المتأخرين والفقهاء المتقدمين ولا بالواسطة فإن غاية ما يمكن ان يقال في المقام في علاج وتخريج ذلك احد طريقين:

الطريق الأول: ان يكون عمل الفقهاء المتقدمين بالرواية الضعيفة سندا قد وصل إلى المتأخرين يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.

الطريق الثاني: وصول كتب الفقهاء المتقدمين الاستدلالية إلى المتأخرين بطريق معتبر او متواتر.

وكلا الطريقين غير تام:

أما الطريق الأول: فلأن المتأخرين وإن كانوا ينقلون آراء المتقدمين وفتاويهم في كتبهم إلا أن مجرد ذلك لا يكفي فلا بد من إحراز ان المتقدمين قد استندوا في الافتاء إلى هذه الرواية الضعيفة سندا ومجرد موافقة فتاويهم للرواية لا يدل على استنادهم إليها في مقام الافتاء إذ كما يحتمل ذلك يحتمل أيضا استنادهم إلى حسن الظن أو الى الظن المطلق او الاجماع المنقول أو الشهرة الفتوائية أو ما شاكل ذلك، وعليه لا نحرز أن عملهم وفتاويهم مستندة إلى الرواية الضعيفة سندا.

وبعبارة أخرى أنه لا يمكن إحراز استناد المتقدمين في فتاويهم إلى الرواية الضعيفة سندا وذلك:

أولا: ان المتأخرين غالبا ما ينقلون في كتبهم عبارة أن المشهور بين قدماء الأصحاب هو الرأي الفلاني في هذه المسألة من دون استقصاء آرائهم، وربما تنقل آراء بعض المتقدمين كما في النقل عن الشيخ(قده) أنه استند في الحكم الفلاني الى هذه الرواية الضعيفة ثم ينقل موافقة السيد المرتضى له في ذلك ولم يذكر باقي العلماء ومن الواضح ان مثل هذا لا يدل على موافقة السيد له في الاستناد إلى هذه الرواية في الافتاء نعم ربما كان موافقا للشيخ في الفتوى ولكن ربما لم يكن موافقا له في الاستناد إلى هذه الرواية الضعيفة.

ومن هنا لا نحرز موافقة باقي المتقدمين للشيخ في ذلك.

ثانيا: ربما ينقل المتأخرين آراء المتقدمين في المسألة ولكن بدون الإشارة إلى مدركها، وآرائهم في المسالة وإن كانت موافقة لمضمون الرواية الضعيفة إلا أن مجرد الموافقة لا يكون دليلا على استنادهم إليه في الافتاء لأنه كما يحتمل ذلك يحتمل أيضا أن مدركهم في الفتوى حسن الظن او الاجماع المنقول أو مطلق الظن وما شاكل ذلك.

فالنتيجة أنه لا يحرز من موافقة فتوى المتقدمين لمضمون الرواية الضعيفة سندا استنادهم في الافتاء إليها.

هذا مضافا إلى أن المتقدمين مختلفون في آرائهم بل قد يختلف رأي أحدهم في مسألة واحدة بين كتاب وكتاب آخر له ومن هنا يصعب نقل اتفاق المتقدمين في مسألة واحدة، وعليه فلا طريق للمتأخرين في نقل اتفاق المتقدمين على رأي مستندين في ذلك إلى رواية ضعيفة سندا.

وأما الطريق الثاني: فهو مبني على أن يكون لكل واحد من المتقدمين كتاب استدلالي يحتوي على هذه المسالة وعلى غيرها يذكر فيه مدركه في الافتاء بهذه المسألة.

ولكن لم يصل إلى المتأخرين مثل هذه الكتب وذلك لأمرين:

أولا: يحتمل أنه لا يوجد لكل واحد من المتقدمين كتاب استدلالي كذلك.

ثانيا: يحتمل أن يكون لكل واحد منهم كتاب استدلالي ولكنه لم يصل إلى المتأخرين.

ولعله لأجل ذلك يذكر المتأخرين آراء المتقدمين من دون ذكر مستندهم في ذلك وإن كانت آراؤهم مطابقة لمضمون الرواية الضعيفة. ولكن مجرد ذلك لا يكفي في إحراز استناد المتقدمين إليها في الافتاء.

فالنتيجة أن المتأخرين لا طريق لهم إلى إحراز الشهرة بين المتقدمين.

واما المقدمة الثانية: فإنه على تقدير التسليم بالمقدمة الأولى فلا يمكن الالتزام بالمقدمة الثانية، لأنه لا طريق لنا إلى إحراز أن الشهرة الموجودة بين المتقدمين قد وصلت إليهم من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة. أي إذا أحرزنا الشهرة بين المتقدمين بطريق ما ولكن لا طريق لنا إحراز حجيتها من خلال اتصالها بزمن المعصومين(ع)، وقد وصلت إلى المتقدمين من زمنهم(ع) بطريق معتبر حسي أو بالتواتر.

هذا مضافا إلى أنه لا بد من إحراز كون هذه الشهرة شهرة تعبدية وأما إذا كان لها مدرك فلا أثر لها لأن حجيتها حينئذ مأخوذة من حجية مدركها.