آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي

الصورة الثانية: ما إذا كانت الأصول العملية الشرعية متكفلة للأحكام الالزامية كقاعدة الاشتغال وكالاستصحاب المثبت للتكليف كاستصحاب بقاء وجوب شيء أو استصحاب بقاء حرمة شيء فتارة يقع الكلام في جريان هذه الأصول في أطراف الروايات بملاك أن هذه الروايات حجة وأخرى يقع الكلام في جريانها في موارد هذه الروايات بملاك وجوب العمل بها من جهة العلم الإجمالي وقاعدة الاشتغال.

أما الكلام في الفرض الأول: فإن كانت هذه الأصول مخالفة للروايات التي هي حجة ومدلول الرواية إما نفي الوجوب أو الحرمة واما مدلول قاعدة الاشتغال فوجوب شيء فعندئذ لا شبهة في تقديم الرواية على قاعدة الاشتغال من باب الورود لأن موضوع قاعدة الاشتغال احتمال العقوبة والإدانة والرواية إذا كانت حجة فهي مؤمنة جزما عن العقوبة وإن كانت الرواية مخالفة للواقع.

وأما إذا كان الأصل العملي متمثلا بالاستصحاب فإن كان الاستصحاب حجة بدليل قطعي كالسيرة العقلائية أو نحوها فأيضا لا شبهة في تقديم الرواية على الاستصحاب من باب الورود أو من باب الحكومة او من باب الجمع الدلالي العرفي، وسوف يأتي الكلام فيها.

وأما كانت هذه الأصول العملية كقاعدة الاشتغال موافقة للرواية فهذا يعني اجتماع قاعدة الاشتغال مع الرواية على حكم واحد فمع ذلك لا بد من تقديم الرواية على قاعدة الاشتغال من باب الورود لأن المأخوذ في موضوع قاعدة الاشتغال احتمال ثبوت التكليف في الواقع كما في الشبهات قبل الفحص وعدم ثبوت الحكم لا واقعا ولا ظاهرا ومن الواضح أن الرواية إذا كانت حجة فهي تثبت الواقع ظاهرا فلا محالة تكون رافعة لموضوع قاعدة الاشتغال وجدانا فتكون واردة عليها.

وأما إذا كان الأصل العملي متمثلا في الاستصحاب وفرضنا أنه حجة في مورد الاجتماع مع الرواية ولكن مع ذلك لا بد من تقديم الرواية على الاستصحاب لأنه منوط بالشك في بقاء الحالة السابقة مقيدا بعدم الدليل على ثبوت الحالة السابقة أو نفيها وفي حال كان هناك دليل على ثبوت الحالة السابقة ولو ظاهرا فهو رافع لموضوع الاستصحاب وجدانا فيكون واردا على الاستصحاب وسوف يأتي بحثه في ضمن الأبحاث القادمة.

واما إذا لم يكن الاستصحاب حجة لعدم الدليل عليه وكان وجوب العمل به بملاك قاعدة الاشتغال ووجوب الاحتياط وليس بملاك حجية الاستصحاب فعندئذ لا شبهة في تقديم الرواية على الاستصحاب فكما أن الرواية تتقدم على قاعدة الاشتغال كذلك تتقدم على الاستصحاب لأن مدرك الاستصحاب قاعدة الاشتغال حسب الفرض. هذا إذا كانت الأصول العملية المتكفلة للأحكام الالزامية مخالفة للروايات وكانت الروايات حجة.

وأما الفرض الثاني: وهو ان الروايات لا تكون حجة ووجوب العمل بها بملاك العلم الإجمالي من باب قاعدة الاشتغال لا بملاك حجيتها في نفسها فعندئذ إذا كان الأصل العملي متمثلا بقاعدة الاشتغال وكانت موافقة للرواية وقد اجتمعت مع الرواية في مورد الاجتماع بينهما فبطبيعة الحال يكون تنجز الحكم في مورد الاجتماع مستند إلى قاعدة الاشتغال والرواية معا باعتبار أن وجوب العمل بالروايات من باب قاعدة الاشتغال وكلتا القاعدتين مؤثرة في تنجيز الحكم في مورد الاجتماع فهو من باب اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد وحينئذ لا محالة يكون وجود المعلول مستند إلى كلتا العلتين لا إلى احدهما دون الأخرى كما لو اجتمعت حرارة النار مع حرارة الكهرباء على غليان الماء فغليانه مستند إلى كلتا الحرارتين ولا يمكن أن يكون مستند إلى حرارة النار دون حرارة الكهرباء أو بالعكس بل هو مستند إلى كلتيهما معا وهكذا في كل مورد تجتمع فيه علتان مستقلتان على معلول واحد فهو مستند إلى كلتيهما معا ويستحيل استناده إلى احداهما دون الأخرى.

واما إذا كان الأصل العملي متمثلا بالاستصحاب وكان الاستصحاب حجة بدليل قطعي كسيرة العقلاء ونحوها فعندئذ لا شبهة في أن الاستصحاب يقدم على الرواية في مورد الاجتماع لأن وجوب العمل بالروايات بملاك الاحتياط وقاعدة الاشتغال والاستصحاب إذا كان حجة فهو مقدم على قاعدة الاشتغال لأن المأخوذ في قاعدة الاشتغال عدم ثبوت الحكم لا واقعا ولا ظاهرا والاستصحاب يثبت الحكم ظاهرا فيقدم على قاعدة الاشتغال بالورود لأنه رافع لموضوع قاعدة الاشتغال وجدانا.

واما إذا لم يكن الاستصحاب حجة بان يكون العمل به من باب الاحتياط وقاعدة الاشتغال كما إذا علم إجمالا بصدور بعض الروايات الدالة على الاستصحاب عن المعصومين(ع) وحينئذ فإذا اجتمع مع الرواية في مورد واحد فالمفروض ان وجوب العمل بالروايات أيضا من باب قاعدة الاشتغال فتجتمع في هذا المورد قاعدتي اشتغال فبطبيعة الحال تنجيز الحكم في مورد الاجتماع مستند إلى كلتا القاعدتين معا لا إلى احداهما دون الأخرى.

هذا كله على ما هو الصحيح من ان تنجيز العلم الإجمالي لأطرافه يكون بنحو الاقتضاء لا بنحو العلة التامة أي ان العلم الإجمالي منجز للمعلوم بالإجمال بنحو العلة التامة ولكنه منجز لأطرافه بنحو الاقتضاء شريطة أن لا تجري الأصول العملية المرخصة في أطرافه وإلا فهي مانعة عن تنجيز العلم الإجمالي لأطرافه.

وأما إذا قلنا بان تنجيز العلم الإجمالي لأطرافه أيضا يكون ينحو العلة التامة فلا يجري شيء من الأصول العملية المرخصة في اطرافه ولا يمكن جريانها لأن فرض جريانها فرض ان العلم الإجمالي ليس علة تامة وهو خلف لأن العلم الإجمالي إذا كان علة تامة لتنجيز أطرافه فلا مجال لجريان الأصول العملية المرخصة وكذلك لا مجال للأصول العملية المتكفلة للأحكام الالزامية فإنها ايضا لا مجال لجريانها لأن العلم الإجمالي علة تامة فلا محالة يكون منجز بدون توقف على شيء آخر... نعم قاعدة الاشتغال إذا كانت مستندة إلى العلم الإجمالي بالروايات كما في الاستصحاب إذا كان مستند إلى العلم الإجمالي بصدور بعض رواياته فالعلم الإجمالي منجز لأطرافه بنحو العلة التامة فعندئذ كما ان العلم الإجمالي بصدور مجموعة من الروايات منجز بنحو العلة التامة كذلك العلم الإجمالي بصدور بعض روايات الاستصحاب منجز بنحو العلة التامة ومع اجتماع كلتيهما في مورد واحد فالتنجيز عندئذ مستند إلى كلتيهما معا وحينئذ لا وجه لتقديم قاعدة الاشتغال في الروايات على قاعدة الاشتغال في الاستصحاب لأن مدرك كلتا القاعدتين هو العلم الإجمالي.. نعم العلم الإجمالي بالروايات متقدم عل قاعدة الاشتغال إذا كان مدركها احتمال ثبوت التكليف كما في الشبهات البدوية قبل الفحص لأن فيها يجب الاحتياط بمقتضى قاعدة الاشتغال لأنه لا مجال لجريانها إذا قلنا ان العلم الإجمالي علة تامة لتنجيز أطرافه لأن التنجيز مستند إلى العلم فلا تصل النوبة إلى الاحتمال.

هذا كله فيما إذا كانت الأصول العملية المتكفلة للأحكام الالزامية موافقة للرواية. طجرافه