آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي

إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن ما ذكره السيد الاستاذ(قده) من انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الوسط وهو ينحل ايضا بالعلم الإجمالي الصغير هذا هو الصحيح.

والنكتة في ذلك: أن جعل الأحكام الشرعية من قبل الشارع ــــ الذي يرى مصلحة الناس ومشاكلهم الاجتماعية والفردية والعائلية ــــ لا بد أن يكون بمقدار يشبع حوائج الناس الاجتماعية والفردية ويحل مشاكلهم من كافة الجهات في كل عصر لا أكثر من ذلك، ومن الواضح أن المعلوم بالإجمال بالعلم الإجمالي الكبير ليس أكثر من ذلك وكذلك المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير لا يكون أقل من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الوسط.

فإذاً لا اختلاف بين هذه العلوم الثلاثة في المعلوم بالإجمال لا كما ولا كيفا وإنما الاختلاف في سعة دائرة المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الكبير فإن دائرته مطلق الشبهات وإن لم تكن فيها رواية وأمارة. ودائرة العلم الإجمالي الوسط مطلق الأمارات أعم من الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية ودائرة العلم الإجمالي الصغير صنف خاص من الروايات كروايات الثقات او الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة.

ثم أن هنا إشكالا آخر في تنجيز العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية في مورد الاجتماع مع العلم الإجمالي الحاصل من الروايات وكذلك العلم الإجمالي الحاصل من الإجماعات المنقولة في مورد اجتماعه مع العلم الإجمالي الحاصل من الروايات وهل ان هذا العلم الإجمالي منجز في مورد الاجتماع أو لا يكون منجزا؟

والجواب أن فيه قولين: فالمعروف والمشهور بين الأصحاب انه لا يكون منجزا لأن العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية في مورد الاجتماع مع العلم الإجمالي الحاصل من الروايات متأخر زمنا عن العلم الإجمالي الحاصل من الروايات، وكذلك العلم الإجمالي الحاصل من الإجماعات المنقولة في مورد الاجتماع متأخر زمنا عن العلم الإجمالي الحاصل من الروايات. والمعروف والمشهور بين الأصوليين أن العلم الإجمالي إنما يكون منجزا فيما إذا لم يكن بعض أطرافه منجزا بمنجز سابق وإلا لم يكون منجزا ومثال ذلك ما لو علمنا بنجاسة أحد إناءين احدهما غربي والآخر شمالي ثم حصل لنا علم إجمالي بنجاسة إناءين أحدهما غربي والآخر شرقي والإناء الغربي طرف لكلا العلمين الإجماليين. فهنا المعروف والمشهور بين الأصحاب أن العلم الإجمالي الثاني لا يكون منجزا لأن أحد طرفيه منجز بمنجز سابق وهو العلم الإجمالي الأول فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة في الإناء الشرقي لأن العلم الإجمالي إذا لم يكن منجزا بالنسبة إلى الإناء الغربي فبطبيعة الحال يكون الشك في نجاسة الإناء الشرقي شكا بدويا ولا مانع من الرجوع فيه إلى اصالة الطهارة.

وما نحن فيه من هذا القبيل فإن العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية في مورد الاجتماع متأخر زمنا عن العلم الإجمالي الحاصل من الروايات في مورد الاجتماع، وقد قلنا إن المشهور بين الأصحاب أن هذا العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية لا يكون منجزا لأن بعض أطرافه منجز بمنجز سابق وهو العلم الإجمالي الحاصل من الروايات.

وإذا فرضنا أن مورد الاجتماع لا يكون منجزا بالعلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية أو العلم الحاصل من الإجماعات المنقولة فإذا لم يكن منجزا للأحكام الشرعية في مورد الاجتماع باعتبار أنها منجزة بمنجز سابق فلا مانع من الرجوع إلى الأصول المؤمنة في مادة الافتراق لأنا إذا أفرزنا مورد الاجتماع عن الشهرات الفتوائية فمورد الافتراق قليل جدا لأن الشهرات الفتوائية التعبدية - التي لم تكن في موردها روايات – قليلة جدا وكذلك الإجماعات المنقولة التي لم تكن في موردها رواية فهي قليلة جدا فلا يوجد علم إجمالي بمطابقة بعضها للواقع، ومن هنا إذا لم يكن العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات منجزا للأحكام الشرعية في مورد اجتماعه مع العلم الإجمالي من الروايات فلا يكون منجزا للأحكام الشرعية في مورد الافتراق أيضا إذ لا علم إجمالي في مورد الافتراق بل هناك شك بدوي والمرجع فيه هو الأصول المؤمنة من الاستصحاب أو أصالة البراءة هذا هو المشهور بين الأصحاب.

ولكن ما ذهب اليه المشهور من الاصوليين غير صحيح، بل لا يرجع إلى معنى محصل لأن التنجز أثر للعلم الإجمالي ومعلول للعلم الإجمالي ويستحيل انفكاك الأثر عن المؤثر بأن يكون المؤثر موجودا دون الأثر أو الأثر موجودا دون المؤثر أو العلة موجودة دون المعلول او المعلول موجود بدون العلة كل ذلك مستحيل لأن المعلول يدور مدار العلة حدوثا وبقاءً وجودا وعدما والأثر يدور مدار المؤثر حدوثا وبقاء ووجودا وعدما.

وعلى هذا فالعلم الإجمالي الحاصل من الروايات وإن كان متقدما زمنا فإن أريد به انه منجز للأحكام في مورد الاجتماع حدوثا وبقاء فهذا غير معقول لأن معناه انفكاك المعلول عن العلة والأثر عن المؤثر، إذ معناه أن العلم الإجمالي الحاصل في يوم الخميس منجز للحكم في يوم الخميس ويوم الجمعة وهكذا أي حدوثا وبقاء وهذا معناه انفكاك المعلول عن العلة إذ كيف يكون المعلول يوم الجمعة والعلة يوم الخميس ولهذا المعلول يدور مدار العلة حدوثا وبقاء، فإذا انتفت العلة انتفى المعلول ولا يعقل بقاؤه بدون العلة فالمعلول كما انه في حدوثه بحاجة إلى العلة كذلك في بقائه بحاجة إلى بقائها.

ومن هنا لا يعقل أن يكون العلم الإجمالي الحاصل من الروايات منجزا للأحكام الشرعية في مورد الاجتماع حدوثا وبقاء وإلا لزم انفكاك المعلول عن العلة وانفكاك الأثر عن المؤثر وهو مستحيل.

وعلى هذا فإذا اجتمع العلم الإجمالي الحاصل من الروايات مع العلم الإجمالي الحاصل من الشهرات الفتوائية في آن واحد في مورد الاجتماع فعندئذ تنجز مورد الاجتماع مستند إلى كليهما معا، ولا يعقل أن يكون مستندا إلى أحدهما دون الآخر لأنه ترجيح من غير مرجح بعد ما كانت نسبة المعلول إلى كلتا العلتين نسبة واحدة، فنسبة المعلول إلى أحداهما المعين دون الأخرى ترجيح من غير مرجح، فلا محالة عندئذ يكون مستندا إلى كليهما كما هو الحال في جميع موارد اجتماع العلتين على معلول واحد، فإنه حينذاك يكون المعلول مستند إلى كلتيهما معا لا إلى أحداهما دون الأخرى لأنه ترجيح من غير مرجح.

وعلى هذا يجتمع علمان إجماليان في مورد الاجتماع ويكون تنجز الأحكام الشرعية في مورد الاجتماع مستند إلى كلا العلمين لا إلى احدهما دون الآخر. كما هو الحال في المثال المذكور سابقا فإن الإناء الغربي مورد لاجتماع كلا العلمين باعتبار أنه طرف لكليهما فإذا أجتمع فيه كلا العلمين في آن واحد فلا محالة يكون تنجز هذا الإناء مستند إلى كلا العلمين معا ولا يمكن أن يكون مستند الى العلم الأول دون الثاني لأنه ترجيح من غير مرجح.

والنتيجة أن ما هو المشهور بين الأصحاب من شرط تنجيز العلم الإجمالي هو أن لا يكون بعض أطرافه منجزا بمنجز سابق غير تام بل لا يرجع إلى معنى محصل.

هذا تمام كلامنا في المرحلة الأولى.

وأما الكلام في المرحلة الثانية فهو في انه هل يوجد فرق بين وجوب العمل بالروايات من جهة العلم الإجمالي بصدور مجموعة منها عن المعصومين(ع) او وجوب العمل بها من جهة حجيتها وما هو الفرق بينهما؟

والجواب أن الفرق بينهما في عدة نقاط يأتي الكلام فيها إن شاء ...