آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الأدلة العقلية

إلى هنا قد تبين أن العلم الإجمالي الكبير ينحل إلى علم إجمالي متوسط والعلم الإجمالي المتوسط ينحل إلى العلم الإجمالي الصغير فلا يكون هنا أي علم إجمالي إلا في ضمن الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة، والمعلوم بالإجمال في الروايات لا يكون أقل من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي المتوسط فإذا لم يكن أقل منه فالمعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي المتوسط ينطبق عليه.

فإذاً لا علم إجمالي في خارج أطراف هذا المعلوم بالإجمال أي ليس هنا علم إجمالي في خارج دائرة الروايات التي هي موجودة في الكتب المعتبرة الواصلة من الأئمة الأطهار(ع).

وغيرها من الروايات والإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية على طائفتين: طائفة منها موافقة لهذه الروايات ولا أثر لها، وطائفة أخرى مخالفة لهذه الروايات ولا علم إجمالي بمطابقة بعضها للواقع.

فمن أجل ذلك ينحل العلم الإجمال الكبير بالعلم الإجمالي المتوسط والعلم الإجمالي المتوسط ينحل بالعلم الإجمالي الصغير وهو علم إجمالي بمطابقة مجموعة كبيرة من الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة وهذه الروايات تكفي لحل مشاكل الإنسان في كل عصر من المشاكل الاجتماعية والمادية والمعنوية والمالية والشخصية والعائلية.

فإذاً لا حاجة إلى جعل الأحكام أكثر من ذلك.

هذا ملخص ما ذكره السيد الاستاذ(قده) وكذلك المحقق الخراساني(قده)

ولكن أورد على ذلك بعض المحققين[1] بما حاصله: أن العلم الإجمالي الكبير وإن أنحل بالعلم الإجمالي المتوسط إلا أن العلم الإجمالي المتوسط لم ينحل بالعلم الإجمالي الصغير.

وقد أفاد في وجه ذلك ـــ على ما في تقرير بحثه ـــ أن العلم الإجمالي المتوسط ملفق من العلوم إجمالية متعددة فإن الأمارات فئات متعددة متباينة: ففئة متمثلة في الشهرات الفتوائية وفئة في الإجماعات المنقولة وفئة متمثلة في الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة، والعلم الإجمالي كما تعلق بمطابقة مجموعة كبيرة من الروايات الموجودة في الكتاب المعتبرة للواقع كذلك تعلق بمطابقة مجموعة من الإجماعات المنقولة للواقع وتعلق أيضا بمطابقة مجموعة من الشهرات الفتوائية للواقع، فهنا علوم إجمالية متعددة متباينة: علم إجمالي بمطابقة مجموعة من الروايات للواقع وعلم إجمالي بمطابقة مجموعة من الإجماعات المنقولة للواقع، وعلم إجمالي بمطابقة مجموعة من الشهرات الفتوائية للواقع، والعلم الإجمالي المتوسط مؤلف من هذه العلوم الإجمالية المتعددة والمتباينة وتجميع لها وتلفيق بينها.

ثم ذكر لتقريب ذلك: فإذا فرضنا أن هنا كتلتين من الأمارات: الكتلة الأولى الإجماعات المنقولة، والكتلة الثانية الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة، وفرضنا أن كل واحدة من الكتلتين بلغ عددها مائة، فعدد الإجماعات وصل إلى مائة إجماع وعدد الروايات وصل إلى مائة رواية، ونعلم إجمالا بمطابقة عشرة من مائة أجماع للواقع لعدم احتمال كذب الجميع ــ وفق حساب الاحتمالات وعلى حساب استحالة الصدفة ـــ ونعلم إجمالا بمطابقة عشرة من الروايات للواقع أيضا لعدم احتمال كذب جميع الروايات ـــ وفق حساب الاحتمال واستحالة دوام الصدفة ــــ فهاتان الكتلتان متداخلتان فإن النسبة بينهما عموم من وجه ومورد التداخل والاجتماع بين الكتلتين تسعين أمارة ومورد الافترق من قبل كتلة الاجماع عشرة إجماعات مطابقة للواقع، ومورد الافتراق من قبل كتلة الروايات عشرة روايات مطابقة للواقع.

وعلى هذا فإن أريد انحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي لأحد الكتلتين فإن العلم لإجمالي بمطابقة عشرة إجماعات علم إجمالي صغير وعلم إجمالي بمطابقة عشرة روايات للواقع من مائة رواية علم إجمالي صغير، والعلم الإجمالي المتوسط مؤلف منهما وتجميع لهما وتلفيق بينهما.

وعلى هذا فإن أريد انحلال العلم الإجمالي المتوسط بأحد هذين العلمين معيناً أي بالعلم بمطابقة عشرة إجماعات للواقع من مائة إجماع فهو ترجيح بلا مرجح فإن نسبة كلا العلمين الصغيرين إلى العلم المتوسط نسبة واحدة فانحلاله بأحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح.

فمن أجل ذلك لا يمكن.

وإن أريد انحلاله بالجامع بينهما وهو التسعين أمارة ــ لأنها مورد للتداخل والاجتماع بين الكتلتين من الأمارات ـــ فهذا أمر معقول ولا يلزم محذور الترجيح بلا مرجح ولكن ذلك لا ينتج ما هو المطلوب من هذا الانحلال؛ فإن ما هو المطلوب من هذا الانحلال هو حجية جميع الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة ونتيجة هذا الانحلال هو حجية الروايات في مورد الاجتماع فقط لا في مورد الافتراق ولذلك لا ينتج هذا الانحلال ما هو المطلوب منه.

هذا مضافا إلى أن هذا الانحلال خلاف الفرض فإن هذا العلم الإجمالي بمطابقة عشرة من الروايات في مورد الاجتماع للواقع افتراض للعلم الاجمالي الأصغر من العلمين الاجمالين الصغيرين وهو خلاف فرض المستدل.

هذا حاصل ما ذكره(قده) على ما في تقرير بحثه.

وللمناقشة فيه مجال. فإن الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية لا يمكن ان تكافئ الروايات لا كما ولا كيفا فإن الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة روايات كثيرة لعلها تبلغ أكثر من عشرة آلاف أو أكثر بينما الإجماعات المنقولة قليلة جدا في كلمات الفقهاء ولا سيما الإجماعات المنقولة التي ليس مدركها الروايات فكيف يمكن العلم الإجمالي بمطابقة مجموع من هذه الإجماعات للواقع وكذلك الحال في الشهرات الفتوائية فإن أكثر الشهرات الفتوائية مدركها الروايات لأن الشهرة الفتوائية التي هي تعبدية وليس مدركها الروايات قليلة جدا.

وعلى هذا فلا يمكن فرض العلم الإجمالي بمطابقة مجموعة من الشهرات الفتوائية التي ليس مدركها الروايات فإنها في نفسها قليلة ولا علم إجمالي بمطابقة بعضها للواقع، وكذلك الحال في الإجماعات المنقولة فإن الإجماعات المنقولة التي لم يكن مدركها الروايات فهي أيضا قليلة ولا علم إجمالي بمطابقة بعضها للواقع كي يقال إن العلم الإجمالي مؤلف من العلوم الإجمالية المتعددة بتعدد الأمارات وهو تجميع وتلفيق بينها فالأمارات وإن كانت متعددة ولكنها ليست متكافئة فإن الروايات تشمل الجميع وما هو خارج عن الروايات من الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائة قليل ولا علم إجمالي بمطابقة بعضها للواقع.

فإذاً ما ذكره(قده) ــــ على ما في تقرير بحثه ــــ مجرد افتراض لا واقع موضوعي له، هذا مضافا إلى إشكال آخر سيأتي ذكره.


[1] بحوث في علم الاصول، تقرير بحث السيد الشهيد للسيد محمود الشاهرودي، ج4، ص410.