آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد - السيرة العقلائية

إلى هنا قد تبين أن ما نحن فيه لا يكون داخلا في كبرى ما إذا كان الخاص متقدما زمنا والعام متأخرا زمنا، ووقع التعارض بين ظهور الخاص في العموم الأزماني وظهور العام في العموم الأفرادي فالمقام غير داخل في هذه الكبرى؛ فإن هذه الكبرى منوطة بكون الخاص دليلا لفظيا وله ظهور في العموم الأزماني كما أن العام لا بد أن يكون دليلا لفظيا وله ظهور في العموم الأفرادي. واما في المقام فالخاص دليل لبي وهو سيرة العقلاء والدليل اللبي لا ظهور له في العموم فمن أجل ذلك لا يكون المقام داخلا في تلك الكبرى فعندئذ الحكم في المقام هو أن مخصصية السيرة تتوقف على حجيتها وحجيتها تتوقف على إحراز إمضائها ومع احتمال كون الآيات الناهية بعموماتها رادعة عن هذه السيرة لم نحرز إمضاء هذه السيرة فإذا لم نحرز إمضائها لم نحرز حجية السيرة أيضا فإذا لم نحرز حجية السيرة فتكون حجيتها مشكوكة وقد تقدم أن الشك في الحجية مساوق للجزم بعدم حجيتها أي مساوق للجزم بعدم ترتيب آثار الحجية عليها.

وأما إذا كان الخاص دليلا لفظيا ظاهرا في العموم الأزماني فلا يرفع اليد عن هذا الظهور فإن هذا الظهور حجة ولا يرفع اليد عن هذا الظهور إلا بثبوت القرينة على الخلاف وطالما لم يعلم بالقرينة فظهور الخاص في العموم الأزماني حجة، كما أن ظهور العام في العموم الأفرادي حجة طالما لم يعلم بوجود المخصص له، ومجرد احتمال وجود المخصص في الواقع لا أثر له؛ فإن ظهور العام في العموم الأفرادي أو ظهور الخاص في العموم الأزماني أو ظهور المطلق في الإطلاق حجة طالما لم يعلم بوجود القرينة على الخلاف، ومجرد احتمال وجود القرينة لا أثر له.

هذا فرق بين ما إذا كان الخاص في المقام دليلا لفظيا وله ظهور في العموم الأزماني وبين ما إذا كان الخاص دليلا لبيا كسيرة العقلاء، فإن الخاص إذا كان دليلا لبيا فحجية الخاص كالسيرة العقلائية تتوقف على إحراز إمضائها وهو يتوقف على أن الآيات الناهية عن العمل بالظن بعموماتها لا تصلح أن تكون رادعة وأما إذا احتمل أنها رادعة فلم نحرز إمضاء السيرة ومع عدم إحراز إمضاء السيرة لم نحرز حجيتها وعندئذ تكون حجيتها مشكوكة.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره المحقق الخراساني(قده) ـــ من أن سيرة العقلاء بما أنها متقدمة زمنا على الآيات الناهية عن العمل بالظن فيدخل المقام في تلك الكبرى وهي ان الخاص متقدم زمنا والعام متأخر زمنا فيقع التعارض بين ظهور الخاص في العموم الأزماني وظهور العام في العموم الأفرادي ــــ لا يمكن المساعدة عليه؛ فإن هذا إنما هو في إذا كان الخاص دليلا لفظيا، واما إذا كان الخاص دليلا لبيا كما في المقام فلا يدخل تحت تلك الكبرى الكلية .

الأمر الثالث: أيضا ذكره المحقق الخراساني في هامش الكفاية[1] ، وحاصل هذا الوجه أنا لو سلمنا أن السيرة المتقدمة التي هي أخص من عمومات الآيات لا تصلح أن تكون مخصصة لعموم الآيات الناهية والآيات بعموماتها حيث أنها متأخرة عن السيرة لا تصلح أن تكون ناسخة للسيرة التي تقدمت على الآيات لو سلمنا ذلك فتصل النوبة إلى الأصل العملي حيث لا يمكن التمسك بالأصل اللفظي لا بعموم الآيات ولا بسيرة العقلاء فتصل النوبة إلى الأصل العملي وهو في المقام استصحاب بقاء حجية خبر الثقة؛ إذ لا شبهة في أنه حجة بالسيرة القطعية من العقلاء في صدر الإسلام حيث لم يرد ردع من النبي الأكرم(ص) عن هذه السيرة وان الأصحاب يعملون بأخبار الثقة في مرأى ومسمع من النبي الأكرم(ص) فلو كان في العمل بهذه السيرة خطرا على الأغراض الشرعية والمصالح الدينية وفيها مفاسد لكان على النبي الأكرم(ص) ردع الناس عنها ولا مانع له من الردع فعدم الردع والسكوت كاشف عن الإمضاء، واما عند نزول الآيات الناهية عن العمل بالظن فنحتمل أن هذه الآيات بعموماتها رادعة عن السيرة ومع هذا الاحتمال لم نحرز حجية السيرة ومع عدم إحراز حجية السيرة فلا يمكن التمسك بالسيرة لإثبات حجية خبر الثقة، فيصل الأمر إلى الأصل العملي، وهو استصحاب بقاء حجية أخبار الثقة، فإنها كانت حجة في صدر الإسلام والآن نشك في بقاء حجيتها فلا مانع من استصحاب بقاء حجيتها.

هكذا ذكره صاحب الكفاية(قده) في هامش الكفاية.

وقد أورد[2] عليه السيد الاستاذ بوجوه:

الوجه الأول: أن هذا الاستصحاب استصحاب في الشبهات الحكمية وهو غير جار فيها؛ فإن استصحاب بقاء المجعول في الشبهات الحكمية معارض باستصحاب عدم جعل زائد فيسقط هذا الاستصحاب من جهة المعارضة، فلا يمكن التمسك به لإثبات حجية اخبار الثقة لأنه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية وهو غير جار.

والوجه الثاني: أن هذا الاستصحاب مبني على إمضاء الشارع لهذه السيرة في صدر الإسلام، فإذا أحرزنا إمضاء هذه السيرة في صدر الإسلام وعند نزول هذه الآيات نحتمل ردعها عن السيرة فعندئذ لا مانع من استصحاب بقاء حجيتها؛ لأنها حجة في صدر الإسلام والآن نشك في بقاء هذ الحجية باحتمال ردع هذه الآيات عنها فلا مانع من استصحاب بقاء حجية هذه السيرة.

الوجه الثالث: ان الدليل على حجية الاستصحاب هو أخبار الثقة ولا يمكن الاستدلال على حجية اخبار الثقة بالاستصحاب لاستلزامه الدور، لأن حجية اخبار الثقة إذا كانت متوقفة على حجية الاستصحاب والمفروض أن حجية الاستصحاب متوقفة على حجية أخبار الثقة فإذن لازمه أن حجية أخبار الثقة متوقفة على حجية نفسها، وهذا من توقف الشيء على نفسه وهو مستحيل لأن مرجعه إلى علية الشيء لنفسه وهو مستحيل.

الوجه الرابع: أن هذه الآيات الناهية كما تصلح أن تكون رادعة للسيرة كذلك تصلح أن تكون رادعة عن الاستصحاب أيضا فإن الاستصحاب أيضا داخل في الظن وفيما لا يعلم وهذه الآيات الناهية تدل على عدم حجية ما لم يعلم، فتكون هذه الآيات بعموماتها صالحة للردع عن الاستصحاب.

هكذا ذكر السيد الاستاذ(قده).

ولكن بعض هذه الوجوه لا يخلو عن مناقشة.


[1] كفاية الاصول، المحقق الآخوند، ص304.
[2] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج2، ص198.