آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/12/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ــــ السنة

المجموعة الرابعة: قد وردت بلسان أمر المولى بكتابة الروايات[1] والاهتمام بها وحفظها لأنها تفيد في المستقبل للأجيال القادمة وقد ورد ذلك في روايات كثيرة ولكن هذه الروايات لا يمكن الاستدلال بها من جهة انها لا تبلغ من الكثرة حد التواتر ولا تكون قطعية الصدور فلا يمكن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد وليست هي أخص المجموعات لتكون قطعية الصدور إما بمضمونها او بلفظها فمن أجل ذلك هذه الروايات أخبار آحاد فلا يمكن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد.

هذا مضافا إلى أن هذه الروايات لا تدل على حجية أخبار الآحاد إذ يمكن أن يكون الغرض من وراء الأمر بكتابة الروايات هو انتشار آثار والنبوة والأئمة(ع) بين الناس ليحصل العلم او الاطمئنان بها لا حجيتها مطلقا وتعبدا فمجرد الاهتمام بكتابة الروايات لا يدل على أن هذه الروايات حجة تعبدا ومطلقا.

المجموعة الخامسة: روايات كثيرة أيضا عمدتها صحيحة الحميري وهي رواية طويلة ورد في ذيلها:( قَالَ : سَأَلْتُهُ وقُلْتُ : مَنْ أُعَامِلُ؟ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ؟ وقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ لَهُ: الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي ؛ فَمَا أَدّى إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّي ، ومَا قَالَ لَكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يَقُولُ ؛ فَاسْمَعْ لَهُ وأَطِعْ ؛ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ)

وهذه الرواية واضحة الدلالة على حجية قول الثقة وقد ورد في الفقرة الثانية فيها: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه‌ السلام عَنْ مِثْلِ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْعَمْرِيُّ وَابْنُهُ ثِقَتَانِ ؛ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ ، ومَا قَالَا لَكَ ، فَعَنِّي يَقُولَانِ ؛ فَاسْمَعْ لَهُمَا وأَطِعْهُمَا ؛ فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ)[2] .

فيقع الكلام في هذه الصحيحة تارة في سندها وأخرى في دلالتها.

أما سندها فإن هذه الصحيحة من الصحاح الأعلائية وهي في اصطلاح أهل الرجال هو أن راويها إماميا ومزكاً بأكثر من عدلين وهذه الرواية كذلك فإن الراوي الأول هو الكليني عليه الرحمة وجلالة قدره وثقته وأمانته على الروايات معروفة ومشهورة ومتفق عليها بين الأصحاب ولا شبهة فيه فإنه مزكاً بأكثر من عدلين. والراوي الثاني الذي يروي عنه الكليني راويان: أحدهما محمد بن عبد الله الحميري وهو جليل القدر وقد اتفق الاصحاب على عدالته، والآخر هو محمد بن يحيى العطار وهو شيخ القميين ووجههم ولا شبهة في وثاقته وجلالة قدره وامانته على الأحاديث والراوي المباشر عن الإمام(ع) هو عبد الله بن جعفر الحميري ولا شبهة في وثاقته وجلالة قدره فإن الأصحاب اتفقوا على وثاقته وامانته وجلالة قدره فلا شبهة في أنه مزكاً من العدول.

فالواسطة بين الكليني وبين الإمام عليه السلام واسطتين فقط أي واسطة قليلة بينهما وهذه الرواية قد وصلت من الإمام(ع) إلى الكليني بواسطتين.

قد يقال كما قيل: إن ضم جهة قلة الواسطة إلى هذه الرواية الصحيحة يوجب حصول العلم منها فإنها كالرواية القطعية الصدور من الإمام(ع) وإذا ضممنا إليها ان كل راوٍ مزكاً بأكثر من عدلين وجلالة قدره ووثاقته معروفة ومتسالمة عليها بين الأصحاب فالرواية تصبح كالرواية القطعية أي تفيد القطع بالواقع فعندئذ يمكن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد.

ولكن الأمر ليس كذلك فإن هذه الروايات لا تخرج عن خبر الواحد وليست متواترة وقطعية لا تواتر لفظي ولا تواتر معنوي ولا اجمالي، وحصول القطع في مورد ما لشخص ما من هذه الرواية فهو بسبب ذاتي لا بسبب نوعي أي يحصل القطع له لخصوصية ذاتية في هذه الشخص من جهة حسن ظنه وما شاكل ذلك ولا يحصل القطع من هذه الرواية لشخص آخر، في حين أن الرواية لو كانت قطعية الصدور فهي قطعية بالنسبة الى الجميع لا بالنسبة الى شخص تفيد القطع دون شخص آخر، فإنْ أفادت القطع لشخص ما دون آخر فلا محالة يكون مستندا الى خصوصية ذاتية لا خصوصية نوعية توجب ذلك.

فإذن لا يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة وما شاكلها على حجية أخبار الآحاد.

هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى فقد ورد في هاتين الفقرتين المذكورتين الأمر بالسماع ( فاسمع لهما واطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) ولا شبهة في أن هذا الأمر بالإطاعة والسماع ليس امرا مولويا نفسيا لأنه غير معقول ولا أمرا غيريا فيدور بين كونه امرا طريقيا او أمرا إرشاديا ولا ثالث لهما.

وذكرنا ان المراد من الأمر الطريقي هو جعل الحكم الطريقي من قبل المولى ولا شأن له غير الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ اللزومية في موارد الاشتباه والالتباس وإلا فلا مثوبة على موافقة الأمر الطريقي ولا عقوبة على مخالفته.

والأمر الطريقي هذا كوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص أو الشبهات الحكمية بعد الفحص عند الإخباريين وفي الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي والغرض من هذه الوجوب الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية في موارد الاشتباه والالتباس، وكجعل الحجية للأمارات في هذه الموارد.

وعندئذ تدل هذه الرواية على حجية أخبار الثقة ولكن فيما إذا كانت وثاقته واقعية كالعمري وابنه وما شاكلهما ولا يمكن التعدي عن مورد هذه الصحيحة إلى حجية كل خبر ثقة وإن كانت وثاقته ثابتة ظاهرا لا واقعا، فإن التعدي بحاجة إلى قرينة ولا قرينة على ذلك.

واما إذا كان هذا الأمر أمرا إرشاديا فعندئذ لا تدل هذه الصحيحة على حجية أخبار الآحاد بل مفادها الإرشاد إلى حجية أخبار الثقة في المرتبة السابقة بالسيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بها الممضاة شرعا فمفاد هذه الصحيحة إرشاد إلى أن حجية اخبار الثقة ثابتة في الواقع بقطع النظر عن هذه الصحيحة بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا.

وحينئذ لا يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية اخبار الثقة.

ونظير ذلك صحيحة محمد بن عيسى عن الرضا(ع) وقد ورد فيها (قال: قال : قلت :لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة ، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : نعم)[3]

فإن هذه الصحيحة في مقام بيان الصغرى واما الكبرى وهي حجية أخبار الثقة فهي ثابتة في المرتبة السابقة ببناء العقلاء الممضى شرعا وهذه الصحيحة في مقام إثبات الصغرى فإذا كان يونس بن عبد الرحمن ثقة فأخباره حجة وتنطبق عليه الكبرى وهي حجية أخبار الثقة وحينئذ يكون مفاد هذه الصحيحة الإرشاد إلى حجية أخبار الثقة وهي في مقام إثبات الصغرى وأما الكبرى فهي معلومة ومرتكزة في الأذهان ولهذا سأل عن وثاقة يونس لا عن حجية خبره لأن حجية خبر الثقة أمر مرتكز في الأذهان.

هذا تمام كلامنا في الاستدلال بالروايات.

وإلى هنا قد تبين أن لا شيء من الآيات المباركة والروايات التي ادعي دلالتها على حجية أخبار الآحاد يدل على حجيتها.

وبعد ذلك يقع الكلام في الاجماع.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص81، باب8 من أبواب صفات القاضي، ح18 (آل البيت).
[2] الكافي، الكليني، ج2، ص125، ح1 (ط دار الحديث).
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص147، باب11 من أبواب صفات القاضي، ح33(آل البيت).