آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/12/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ــــ آية الذكر.

إلى هنا قد تبين ان مورد آية الذكر أصول الدين لأن الآية في مقام رد المشركين المنكرين لرسالة الرسول الأكرم(ص) والمدلول هنا العلم الوجداني فالآية لا تدل على حجية خبر الواحد .

قد يقال كما قيل: إن المراد من العلم في الآية المباركة (إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي حيث أن مفاد الآية المباركة قضية ارتكازية فطرية موافقة للجبلة والذات وهي رجوع الجاهل إلى العالم أو رجوع الجاهل الى اهل الخبرة وهذه قضية فطرية ارتكازية لا تتوقف على أي مقدمة أو أي دليل.

والعالم في المقام يختلف فتارة يكون العالم بالعلم الوجداني كما في أصول العقائد وأخرى يكون العالم بالعلم التعبدي كرجوع العامي إلى المجتهد ورجوع المريض إلى الطبيب فإنه أمر فطري وموافق للارتكاز، فرجوع الجاهل إلى العالم أعم من أن يكون علمه وجدانيا أم تعبديا أو رجوع من لا يعرف الهندسة إلى المهندس.

فمفاد الآية المباركة قضية ارتكازية موافقة للفطرة والذات.

والراوي أيضا كذلك فإنه من أهل الخبرة بالروايات فتشمل الآية المباركة رواية الراوي أيضا، ويكون الرجوع إلى الراوي من الرجوع إلى أهل الخبرة، هكذا قيل.

والجواب عن ذلك:

أولاً: أن مورد الآية المباركة أصول الدين والمطلوب فيه العلم الوجداني ولا أثر للعلم التعبدي فيها لأن العلم التعبدي ليس بعلم حقيقة بل هو علم باصطلاح الفقهاء وكلما كان على خلاف العلم الوجداني فهو جهل غاية الأمر ترتب آثار العلم عليه فمن أجل ذلك يسمى بالعلم التعبدي كقيام الأمارات مقام القطع الطريقي والموضوعي فإن آثار العلم الوجداني مترتبة على الأمارات الظنية وتسمى تلك الأمارات بالعلم التعبدي من جهة ترتيب آثار العلم الوجداني عليها.

والتعدي عن مورد الآية الذي يكون المطلوب فيه هو العلم الوجداني إلى سائر الموارد أي موارد العلم التعبدي بحاجة إلى دليل وقرينة او مناسبة بينهما.

وفي المقام لا مناسبة بين العلم الوجداني والعلم التعبدي ارتكازا حتى يمكن التعدي عن مورد العلم الوجداني إلى العلم التعبدي، فالتعدي بحاجة إلى قرينة ولا قرينة في نفس الآية المباركة ولا من خارجها.

وثانيا: مع الإغماض عن ذلك وتسليم أنه يمكن التعدي عن مورد الآية المباركة إلى موارد العلم التعبدي ولكن ذكرنا أن مفاد الآية المباركة قضية ارتكازية فطرية وهي رجوع الجاهل إلى العالم ورجوع الجاهل إلى أهل الخبرة وهو أمر مرتكز في الاذهان وموافق للفطرة فلا يحتاج إلى أي مقدمة ودليل.

ومن الواضح أن أهل الخبرة لا يصدق على الراوي؛ لأن أهل الخبرة هو من له رأي ونظر كالمجتهد والطبيب والمهندس وما شاكل ذلك، وأما الراوي فوظيفته نقل ما سمعه من الإمام أو ما وصل إليه من الإمام(ع) بطرق صحيحة حرفيا من دون إعمال أي رأي ونظر فيه، بل قد لا يفهم الراوي معنى الرواية.

ومن هنا كان المعتبر في الراوي هو الحفظ ولا يعتبر في الراوي الفهم لمعنى الرواية بل قد يكون الراوي ليس من أهل اللسان؛ فمن أجل ذلك لا ينطبق عنوان أهل الخبرة على الراوي حتى إذا فهم معنى الراوية.

فالنتيجة: أن الراوي لا يصدق عليه أنه من أهل الخبرة فلا تشمله الآية الكريمة وإن قلنا أن الآية تدل على قضية ارتكازية فطرية وهي رجوع الجاهل إلى العالم ورجوع الجاهل إلى أهل الخبرة فلا تشمل الآية الكريمة الراوي لأن الراوي ليس من أهل الخبرة.

وحينئذ لا تدل الآية الكريمة على حجية خبر الواحد وأن قلنا أن المراد من العلم في الآية الكريمة أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي.

ولكن قد يقال كما قيل: إن عدم شمول الآية للراوي تام إذا كان المذكور في لسان الآية المباركة عنوان العلم لأن الراوي ليس من أهل العلم والاجتهاد والنظر وأما إذا كان الوارد في الآية عنوان الذكر والذكر أعم من العلم ولا يعتبر في الذكر إعمال الرأي والنظر فحينئذ يشمل هذا العنوان الراوي لأن الراوي من أهل الذكر في الروايات بالنسبة إلى غيره.

والجواب عن ذلك:

أولاً: إن مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية تقتضي أن يكون المراد من الذكر هو العلم لا أن المراد منه ما هو مقابل للعلم حتى يشمل الراوي أيضا.

وثانياً: أن ذيل الآية قرينة على أن المراد من الذكر في صدر الآية هو العلم لقوله تعالى: ( إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ولم يقل: إن كنتم لا تذكرون فهذا قرينة على ان المراد من الذكر هو العلم وليس المراد منه ما هو أعم من العلم.

فالنتيجة: أن الآية الكريمة لا تدل على حجية خبر الواحد.

إلى هنا قد تبين أن الآيات الكريمة التي ذكرت دليلا على حجية خبر الواحد لا يتم شيء منها دليلا على حجية خبر الواحد وعلى تقدير دلالتها على حجية خبر الواحد فمدلولها تأييد وإمضاء لما بنى عليه العقلاء من العمل بأخبار الثقة لأنه أمر مرتكز في الأذهان لأن الناس يعملون بأخبار الثقة بدون التفات إلى أي دليل ومقدمة غير إحراز وثاقة المخبر ارتكازا فبمجرد علمه بأن المخبر ثقة يعمل بخبره من دون توقف على شيء آخر فحجية أخبار الثقة أمر مرتكز في الأذهان، والآيات الكريمة لو كانت دالة على حجية أخبار الآحاد لكانت إمضاءً لما بنى عليه العقلاء وتأكيدا له وليس مفادها التأسيس.

وأما الكلام في السنة.

فلا شبهة في أنه لا يجوز الاستدلال على حجية خبر الواحد بخبر الواحد وهذا أمر واضح لأن فاقد الشيء لا يعقل أن يكون معطيا له فخبر الواحد إذا لم يكن حجة فكيف يمكن الاستدلال به على حجية نفسه لأن لازم ذلك أن تكون حجية نفسه علة لحجية نفسه وكون الشيء علة لنفسه أمر مستحيل.

ومن هنا إذا أردنا الاستدلال بالسنة على حجية أخبار الآحاد فلا بد من افتراض كون السنة متواترة وقطعية الصدور فعندئذ يجوز الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد.

نعم ذكر المحقق الخراساني(قده)[1] أنه يجوز الاستدلال على حجية خبر الواحد بالروايات المتواترة إجمالا، فإذا فرضنا أن هناك مجموعة من الروايات الكثيرة التي نعلم بصدور بعضها من الأئمة الأطهار(ع) ولكن هذا البعض مجهول لنا ولا ندري أن هذا البعض أي خبر من هذه الأخبار وحينئذ لا يجوز الاستدلال بكل واحد منها على حجية خبر الواحد لأنه من الاستدلال على حجية خبر الواحد بخبر الواحد، ولكن إذا فرضنا أن هذ المجموعة تقسم إلى أصناف متعددة:

الصنف الأول: ان يكون دالاً على حجية خبر الواحد ثقة او غير ثقة.

الصنف الثاني: يدل على حجية خبر الواحد إذا كان راويه إمامياً.

الصنف الثالث: ما يدل على حجية خبر الواحد إذا كان راويه ثقة.

الصنف الرابع: ما يدل على حجية خبر الواحد إذا كان راويه إماميا عادلا.

وأخص هذه الأصناف هو الصنف الرابع لأنه واجد لخصوصية تمام هذه الأصناف فهو واجد لخصوصية الصنف الأول فلو كان الصادر من الإمام(ع) الصنف الأول فالصنف الرابع واجد لخصوصيته، ولو كان الصادر الصنف الثاني فهو أيضا واجد لخصوصيته ، ولو كان الصادر الصنف الثالث فهو أيضا واجد لخصوصيته، فلو فرضنا انا نعلم إجمالا أن أحد هذه الأصناف قد صدر من الإمام(ع) فلا محالة يكون ذلك تعبيرا عن علمنا إجمالا بأن الصنف الرابع قد صدر من الإمام(ع) إما بلفظه أو بمضمونه وحينئذ لا مانع من الاستدلال به على حجية أخبار الآحاد.

ولكن تمامية الاستدلال به على حجية أخبار الآحاد يتوقف على مجموعة من المقدمات يأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.


[1] كفاية الاصول، المحقق الخراساني، ص302.