آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

كان كلامنا في أن المراد من الجهالة في الآية المباركة إما بمعنى عدم العلم الوجداني بالواقع أو المراد منها أعم من عدم العلم الوجداني بالواقع وعدم العلم التعبدي فعلى كلا التقديرين فمفهوم الآية ليس حاكما على عموم التعليل.

أما على التقدير الأول وهو ان يكون المراد من الجهالة عدم العلم الوجداني بالواقع فإن خبر العادل وإن فرضنا انه علم تعبدا ولكنه لا يكون رافعا للجهل بهذا المعنى لأن الجهل في مقابل العلم الوجداني فمن أجل ذلك لا يكون حاكما ولا واردا .

واما على التقدير الثاني بأن يكون المراد من الجهالة أعم من عدم العلم الوجداني بالواقع والعلم التعبدي به فإذا كان الموضوع عدم العلم أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي فمفهوم الآية على تقدير دلالته على أن خبر العادل علم تعبدا فيكون واردا على عموم التعليل ورافعا لموضوعه وهو العلم التعبدي فعدم العلم التعبدي ينقلب إلى العلم التعبدي وجدانا فيكون واردا وليس التقديم من باب الحكومة.

هكذا ذكره جماعة.

ولكن للمناقشة فيه مجال واسع. أما الجهالة فهي في مقابل العلم والتقابل بينهما أما من تقابل العدم والملكة او من تقابل التضاد فالجهل عبارة عن عدم العلم الوجداني بالواقع لأن المقابل للجهل هو العلم الوجداني لا العلم التعبدي لأن العلم التعبدي جهل في الواقع وعلم تعبدا وشرعا وإلا فهو في الواقع جهل وليس بعلم. فالمراد من الجهالة في الآية المباركة بطبيعة الحال عدم العلم الوجداني بالواقع.

وعلى كلا التقديرين فتفسير الجهالة بالأعم من عدم العلم الوجداني بالواقع وعدم العلم التعبدي تفسير خاطئ وغير صحيح فإن العلم التعبدي ليس مقابل للجهل لأنه جهل في الواقع ومن أفراد الجهل وليس مقابلا للجهل.

فإذاً هذا التفسير غير صحيح وليس للجهالة معنيين أحدهما عدم العلم الوجداني بالواقع والآخر عدم العلم التعبدي بالواقع فهذا التفسير الثاني خاطئ وغير صحيح.

هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أنه إذا كان المراد من الجهالة عدم العلم أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي فيكون مفهوم الآية على القول بدلالته على أن خبر العادل علم تعبدا يكون واردا لا حاكما.

وهذا أيضا مبني على الخلط فإن المراد من الجهالة عدم العلم الوجداني بالواقع، فإذا فرضنا ان مفهوم الآية يدل على ان خبر العادل علم تعبدا فهو يوسع دائرة العلم الوجداني بحكم الشارع وهذا هو معنى الحكومة فإن الشارع إذا اعتبر أن خبر العادل علما فقد اوجد فردا آخر من العلم فيكون للعلم فردان فرد حقيقي وهو العلم الوجداني وفرد عنائي وهو العلم التعبدي فجعل الشارع خبر العادل علما يوجب توسعة دائرة العلم الوجداني وهذا هو معنى الحكومة فإن المراد من الجهالة في الآية المباركة عدم العلم الوجداني بالواقع فإذا جعل الشارع خبر العادل علما فهو يوسع دائرة هذا العلم ويجعله أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي وهذا هو معنى الحكومة فكما أن العلم الوجداني رافع لموضوع الآية وهو الجهل ولكن رفعه بالوجدان( الورود) كذلك العلم التعبدي رافع لموضوع الآية بالتعبد أي بحكم الشارع لا حقيقة ووجدانا وهذا هو معنى الحكومة.

فإذاً ما ذكر في هذا الوجه مبني على المغالطة ولهذا هذا الوجه غير صحيح.

ثم أن حكومة مفهوم الآية المباركة بناءً على دلالته على ان خبر العادل علم تعبدا على عموم التعليل مبنية على ان يكون مفاد التعليل حكما تكليفيا مولويا وهو حرمة العمل بغير العلم وعدم جواز العمل بالجهل فعندئذ يكون مفهوم الآية المباركة بناءً على دلالته على ان خبر العادل علم تعبدا يكون حاكما على عموم التعليل ورافعا لموضوعه تعبدا.

وأما إذا كان مفاد التعليل حكما إرشاديا وليس حكما مولويا كما هو مفاد المفهوم حكما إرشاديا إرشاد الى حجية خبر العادل بمعنى الطريقية والعلم التعبدي والآية المباركة والتعليل إرشاد الى عدم الحجية وعلى هذا لا فمعنى للحكومة، بل لا يعقل أن يكون مفهوم الآية حاكما على عموم التعليل لأنهما في عرض واحد وفي مرتبة واحدة فإن مفهوم الآية إرشاد الى حجية خبر العادل بمعنى الطريقية والعلم التعبدي والتعليل إرشاد الى نفي الحجية فبينهما معارضة بالنفي والإثبات والسلب والإيجاب وبنحو التناقض وفي مرتبة واحدة فالحكومة غير معقولة لأن الحكومة مبنية على ان يكون الدليل المحكوم في طول الدليل الحاكم وفي مرتبة متأخرة عنه ولا يمكن أن يكون الدليل المحكوم في عرض الدليل الحاكم وإلا فلا حكومة في البين.

فإذاً في المقام لا حكومة فإن التعليل يوسع دائرة المنطوق للآية المباركة لأن الآية بمفهومها تدل على اعتبار ان خبر العادل علم تعبدا وبمنطوقها تدل على عدم اعتبار خبر الفاسق كذلك واما التعليل فهو يوسع دائرة المنطوق ويعممه لكل ما لا يكون علما وجدانا وإن كان خبر الثقة او خبر العادل، فطالما لم يكن علما فهو ليس بحجة، فالتعليل بعمومه يدل على ان كل ما ليس بعلم وجداني فهو غير حجة ومفهوم الآية إرشاد الى ان خبر العادل حجة أي علم تعبدا والتعليل يدل على عدم اعتباره علما أي عدم حجيته.

فالتعليل بعمومه يدل على نفي الحجية عن كل ما لا يكون علما وجدانا فكل ما لا يكون علم وجدانا فهو ليس بحجة سواء كانت الحجة بمعنى الطريقية والعلم التعبدي او بمعنى المنجزية والمعذرية او بمعنى جعل الحكم الظاهري الطريقي بأي معنى كانت الحجية فالتعليل بعمومه ينفي الحجية عن كل ما لا يكون علما وجدانا.

وعلى هذا فلا تتصور الحكومة بين مفهوم الآية المباركة وبين التعليل لأن مفاد التعليل في عرض مفاد المفهوم وهما في مرتبة واحدة.

وعلى هذا فإن كان مفهوم الآية والتعليل في كلاميين منفصلين اي المفهوم في آية والتعليل في آية أخرى منفصلة عنها فعندئذ تقع المعارضة بينهما. وبما ان نسبة المفهوم الى عموم التعليل نسبة الخاص الى العام والمقيد الى المطلق فلا بد من تخصيص عموم التعليل بخبر العادل وحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد الذي هو من أحد موارد الجمع الدلالي العرفي.

واما إذا كانا في كلاميين متصلين كما في المقام فإن التعليل متصل بالآية المباركة وحيث أن التعليل يصلح ان يكون قرينة على المنع من ظهور الآية في المفهوم فهي تكون مانعة عن انعقاد ظهور الآية في المفهوم إذ الكلام متصل بما يصلح للقرينية وحينئذ لا ينعقد للآية ظهور في المفهوم في المقام بل تصبح مجملة من هذه الناحية.

إلى هنا قد تبين أن حكومة مفهوم الآية الكريمة على عموم التعليل مبنية على أمرين:

الأمر الأول: أن يكون مفاد مفهوم الآية المباركة إرشاد الى حجية خبر العادل بمعنى الطريقية والعلم التعبدي بان يدل مفهوم الآية على ان خبر العادل علم تعبدا.

الأمر الثاني: أن يكون مفاد التعليل حكما تكليفيا مولويا وهو حرمة العمل بغير العلم او عدم جواز العمل بغير العلم.

وكلا الأمرين غير ثابت.

اما الأمر الأول فقد ذكرنا غير مرة أنه لا جعل في باب الأمارات حتى يكون المجعول الطريقية والعلم التعبدي لا ثبوتا ولا إثباتا.

واما الثاني فقد تقدم أن مفاد التعليل إرشاد إلى عدم حجية كل ما ليس بعلم وليس حكما مولويا.

فإذاً لا حكومة لمفهوم الآية المباركة على عموم التعليل.

بقي الكلام في جملة من المناقشات الأخرى على دلالة الآية على المفهوم.

المناقشة الأولى: ما ذكره المحقق الأصفهاني(قده)[1] . وحاصله: ان المراد من النبأ في الآية إن كان نبأ الفاسق فالقضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق موضوعها لأن الشرط هو مجيء الفاسق وهو محقق للموضوع، والقضية الشرطية إذا كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع فيكون انتفاء الحكم بانتفاء الشرط في الحقيقية يرجع الى انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع وهو عقلي ولا يرتبط بدلالة القضية على المفهوم لأن انتفاء الحكم بانتفاء الشرط في القضية الشرطية مولوي وليس بعقلي. وحينئذ لا يكون مفهوم لها.

واما إذا كان المراد من النبأ طبيعي النبأ ومجيء الفاسق به شرط أي إن جاء الفاسق به وجب التبين عن طبيعي النبأ وهذا أيضا لا يمكن الالتزام به، فإن وجوب التبين عن طبيعي النبأ والمفروض ان طبيعي النبأ ينطبق على نبأ العادل فلا بد من التبين عن نبأ العادل وعن نبأ الثقة وهذا كما ترى لا يمكن الأخذ به.

هكذا ذكره(قده).


[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية، المحقق الاصفهاني، ج3، ص207.