آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

إلى هنا قد تبين أن الآية الكريمة لا تدل على المفهوم لا مفهوم الشرط ولا مفهوم الوصف فلا يمكن الاستدلال بالآية على حجية خبر العادل وعلى تقدير دلالته فالتعليل الوارد في ذيل الآية مانع عن الأخذ بمفهوم الآية الكريمة ومع الإغماض عن جميع ذلك وتسليم أن مفهوم الآية الكريمة حاكم على عموم التعليل باعتبار ان مفهوم الآية يدل على حجية خبر العادل بمعنى الطريقية والعلمية وأن خبر العادل علم فعندئذ بطبيعة الحال يكون مفهوم الآية حاكم على عموم التعليل ورافع لموضوعه وهو الجهل.

ولكن استشكل على هذه الحكومة بمجموعة من الإشكالات وقد تقدم الكلام في الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: أن ملاك الحكومة أن يكون الدليل الحاكم بلسانه المطابقي رافعا لموضوع الدليل المحكوم أو مثبتا له فإن الدليل الحاكم إما أن يكون مفاده رفع الحكم عن موضوع الدليل المحكوم بلسان نفي الموضوع او اثبات الحكم لموضوع الدليل المحكوم باثبات موضوعه ومثال الأول كقولنا: [لا ربا بين الوالد والولد] فإنه ينفي حرمة الربا عن الزيادة بين الوالد والولد بلسان نفي الموضوع أو قوله(ع): [لا ضرر ولا ضرار] فإنه ينفي الحكم الضرري بنفي الموضوع ومن قبيل الثاني كقوله: [الطواف في البين صلاة] و [الفقاع خمر] وهكذا فإن الدليل الحاكم يثبت أحكام الصلاة للطواف بإثبات موضوعها فإن الدليل جَعَل الطواف فردا من أفراد الصلاة فيكون للصلاة فردان فرد حقيقي وهو ذات الركوع والسجود وفرد عنائي وهو الطواف حول البيت. وكذا قوله(ع): [الفقاع خمر] إذ الدليل الحاكم يثبت أحكام الخمر وحرمته للفقاع بلسان إثبات موضوعه حيث جعل الفقاع فردا من أفراد الخمر فيكون للخمر فردان فرد حقيقي وفرد عنائي.

فإذاً المناط في حكومة دليل على دليل آخر أن يكون الدليل الحاكم ينفي الحكم عن موضوع الدليل المحكوم بلسان نفي الموضوع أو يثبت الحكم لموضوع الدليل المحكوم بلسان إثبات الموضوع.

وهذا المعنى لا ينطبق على المقام فإن لسان مفهوم الآية المطابقي نفي وجوب التبين عن خبر العادل ولكن يستكشف من ذلك حجية خبر العادل بمعنى الطريقية والعلمية ولكن هذا الاستكشاف إنما يكون بالمدلول الالتزامي لا بالمدلول المطابقي. وملاك الحكومة أن يكون الدليل الحاكم بلسانه المطابقي رافعا لموضوع الدليل المحكوم او مثباتا له إذ الدليل الحاكم تارة يضيق موضوع الدليل المحكوم واخرى يوسع دائرة الموضوع للدليل المحكوم بلسانه المطابقي وإما إذا لم يكن رافعا لموضوع الدليل المحكوم بلسانه المطابقي او لم يكن مثبتا له بلسانه المطابقي وإن كان رافعا او مثبتا له بلسانه الالتزامي فلا تكون حكومة في البين.

والخلاصة أن الدليل الحاكم إذا كان لسانه نفي الحكم ابتداءً بلسانه المطابقي وبمدلوله المطابقي فهو ليس حاكما على الدليل المحكوم وإنما يكون حاكما إذا كان بلسانه المطابقي رافعا لموضوع الدليل المحكوم او مثبتا له واما إذا كان بمدلوله المطابقي رافعا للحكم عن موضوع الدليل المحكوم فلا حكومة في البين وإن كان بمدلوله الالتزامي رافعا لموضوع الدليل المحكوم.

هكذا استشكل على الحكومة.

ولكن قد ظهر مما ذكرنا أن هذا الإشكال مبني على ان يكون المراد من وجوب التبين الوجوب التكليفي. ولكن تقدم الكلام في ان المراد من وجوب التبين الوجوب الإرشادي فإن الآية الكريمة بمنطوقها إرشاد إلى عدم حجية خبر الفاسق وبمفهومها إرشاد الى حجية خبر العادل سواء كانت بمعنى المنجزية والمعذرية أم كانت بمعنى جعل الطريقية والعلمية ام كانت بمعنى جعل الحكم المماثل في صورة المطابقة والمخالف للحكم الواقعي في صورة المخالفة وعدم المطابقة.

فعلى كل حال يكون مفاد مفهوم الآية المباركة الإرشاد الى حجية خبر العادل وذكرنا أن مفاد التعليل أيضا إرشاد الى عدم الحجية ولهذا تقع المعارضة بين مفهوم الآية وبين عموم التعليل لأن التعليل إرشاد الى عدم حجية الأمارة الظنية سواء كانت خبر الثقة ام غيرها، ومفهوم الآية إرشاد الى حجية خبر العادل فيقع التعارض بينهما بالنفي والإثبات.

فإذاً هذا الإشكال مبني على ان يكون المراد من وجوب التبين الوجوب التكليفي المولوي وأما إذا كان المراد منه الوجوب الإرشادي فيكون بين التعليل ومفهوم الآية تعارض بالنفي والإثبات.

وقد أجيب عن ذلك بجواب آخر.

وحاصله: انه لا فرق في الحكومة بين ان يكون الدليل الحاكم رافعا لموضوع الدليل المحكوم بمدلوله المطابقي أو بمدلوله الالتزامي فعلى كلا التقديرين فهو حاكم.

وفيما نحن فيه مفهوم الآية الكريمة وإن لم يكن الدليل الحاكم حاكما بمدلوله المطابقي على عموم التعليل ولكنه حاكم على عموم التعليل بمدلوله الالتزامي لأن مدلوله الالتزامي حجية خبر العادل بنحو الطريقية والعلمية فبطبيعة الحال يكون خبر العادل علما تعبدا وإذا كان علما فهو رافع لموضوع التعليل فإن موضوع التعليل الجهل فخبر العادل رافع للجهل.

فإذاً لا فرق في حكومة دليل على دليل آخر بين أن تكون حكومته بمدلوله المطابقي او حكومته بمدلوله الالتزامي.

وعلى هذا فمفهوم الآية حاكم على عموم التعليل بمدلوله الالتزامي.

وقد أجيب عن ذلك أن هذا الجواب غير صحيح لأن المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي حدوثا وبقاءً وجودا وعدما وليس له شأن إلا شأن المدلول المطابقي وحيث ان بين المدلول المطابقي لمفهوم الآية المباركة وبين عموم التعليل معارضة فلا بد من علاج هذه المعارضة إما بتقديم مفهوم هذه الآية المباركة بمدلوله المطابقي على عموم التعليل أو بالعكس فإن قدم مفهوم الآية الكريمة بمدلوله المطابقي على عموم التعليل ترتفع المعارضة بينهما ومعه ترتفع المعارضة عن المدلول الالتزامي لأن المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي، لأن المدلول المطابقي إذا كان معارضا للدليل فالمدلول الالتزامي أيضا معارض فإذا ارتفعت المعارضة بين المدلول المطابقي والمدلول الاخر ارتفعت بين المدلول الالتزامي ايضا تبعا لأنه لم يلحظ المدلول الالتزامي مستقلا وليس المدلول الالتزامي طرف المعارضة بنحو الاستقلال بل هو تابع للمدلول المطابقي في التعارض وعدم التعارض، فإذا كان بين المدلول المطابقي وبين المدلول الاخر معارضة فلا محالة تقع المعارضة بين المدلول الالتزامي وبين ذلك المدلول الاخر تبعا وإلا لزم الخلف أي لزم كون المدلول الالتزامي مستقلا عن المدلول المطابقي وهو خلف الفرض.

وإن قدم عموم التعليل على مفهوم الآية بمدلوله المطابقي فعندئذ يسقط المدلول المطابقي لمفهوم الآية وحينئذ يسقط المدلول الالتزامي أيضا لأن المدلول الالتزامي تابع للمطابقي في الثبوت والسقوط والحدوث والبقاء وفي الوجود والعدم ولا يعقل بقاء المدلول الالتزامي بعد سقوط المدلول المطابقي فبطبيعة الحال يسقط المدلول الالتزامي أيضا.

ن خبر العادل علم أن