آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

ذكرنا أن التعليل في الآية المباركة مانع عن دلالة الآية على المفهوم ولو سلمنا ان الآية في نفسها تدل على حجية خبر العادل بمفهوم الوصف او بمفهوم الشرط ولكن التعليل مانع عن هذه الدلالة. هذا هو الإشكال الأول لتقديم المفهوم على التعليل.

الإشكال الثاني: أن الإشكال في دلالة الآية على المفهوم أي على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط او بمفهوم الوصف مبني على ان يكون المراد من الجهالة عدم العلم بالواقع، فإذا كان المراد منها عدم العلم بالواقع فالتعليل مشترك بين خبر الفاسق وخبر العادل فكما أن خبر الفاسق لا يفيد العلم بالواقع فكذلك خبر العادل. فمن أجل ذلك بدلالة الآية على المفهوم.

وأما إذا كان المراد من الجهالة السفاهة كما مال اليه المحقق الخراساني(قده)[1] واحتمله شيخنا الأنصاري[2] وقواه السيد الاستاذ(قده)[3] فلا يرد هذا الإشكال لأنه حينئذ يكون العلة مختصة بخبر الفاسق ولا تعم خبر العادل، إذ لا شبهة في ان العمل بخبر الفاسق عمل غير عقلائي وعمل سفهي بينما العمل بخبر العادل ليس كذللك لأنه عمل عقلائي، وعندئذ لا مانع من الأخذ بدلالة الآية الكريمة على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط أو بمفهوم الوصف.

ولكن للمناقشة في ذلك مجالاً، إذ لا شبهة في أن معنى الجهل ليس هو السفاهة فإن معنى الجهل هو عدم العلم بالواقع إذ التقابل بينهما إما من تقابل العدم والمكلة او من تقابل التضاد وعلى كلا التقديرين الجهل في مقابل العلم فيكون معناه عدم العلم بالواقع واما السفاهة فهي صفة للعمل الخارجي ولا نظر لها الى الواقع فيكون استعمل لفظ الجهالة في السفاهة مجاز جزما أي استعمل في المعنى غير الموضوع له.

وهذا الاستعمال وإن كان شائعا لدى العرف العام فإن من عمل بخبر الفاسق يعد قد عمل عملا سفهيا وعملا غير عقلائي والعمل الصادر من السفيه لا يصدر الا من الجاهل وهذه المناسبة بمثابة العلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي، فإن استعمال اللفظ في المعنى المجازي بحاجة الى أمرين:

الأول: ثبوت العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في مقام الثبوت والواقع.

الثاني: وجود القرينة في مقام الإثبات على ان هذا اللفظ مستعمل في المعنى المجازي. دون المعنى الحقيقي.

ولا شبهة في أن العلاقة بين الجهالة والسفاهة موجودة فإن العمل الصادر من السفيه لا يصدر إلا من الجاهل فهذه المناسبة موجودة بينهما ثبوتا ولكن في مقام الإثبات بحاجة الى دليل أي استعمل لفظ الجهالة في السفاهة بحاجة الى قرينة تدل على ذلك.

وفي الآية المباركة لا قرينة على ان لفظ الجهالة مستعمل في معنى السفاهة لا في نفس الآية المباركة ولا من الخارج فإن المناسبة وهي العلاقة وإن كانت موجودة ثبوتا ولكن في مقام الإثبات والاستعمال لا قرينة في المقام، ففي الآية المباركة لا قرينة على ان لفظ الجهالة مستعمل في معنى السفاهة.

وثانياً: مع الإغماض عن ذلك فسياق الآية المباركة يدل على ان المراد من الجهالة عدم العلم بالواقع وليس المراد من الجهالة العمل السفهي. فإن صدر الآية المباركة وهو قوله تعالى: [إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا] فإن الأمر بالتبين للعلم بان خبر الفاسق صادق أو كاذب أي مطابق للواقع او غير مطابق للواقع فالتبين من جهة صدق خبر الفاسق وكذبه، وأما التعليل في ذيل هذه الآية المباركة فإذا لم يتبين ولم يعلم أنه صادق او كاذب أي مطابق للواقع أو غير مطابق فالعمل بالجهل أي عدم العلم بالواقع فإذا لم يتبين كان خبر الفاسق جهل بالواقع.

فإذاً الآية المباركة لا إشعار فيها أن المراد هو العمل بخبر الفاسق حتى يكون هذا العمل سفهيا فإن المقطع الأول من الآية يدل على وجوب التبين حتى يعلم أنه صادق أو كاذب أو مطابق للواقع او غير مطابق للواقع، والمقطع الثاني إذا لم يتبين ولم يعلم انه صادق أو كاذب فخبر الفاسق جهل أي عدم العلم بالواقع فلا يكون هناك إشعار في الآية المباركة على ان المراد من الجهالة السفاهة فضلا عن الدلالة.

وهذا هو المناسب لمورد الآية المباركة. فإن الآية نزلت بالنسبة الى جماعة من الأصحاب وهم يقبلون أخبار الوليد في كفر طائفة وهي طائفة بني المصطلق فإن الوليد أخبر بكفر هذه الطائفة وجماعة من الأصحاب قد سمعوا هذا الخبر، والآية نزلت ولهذا صدر الآية خطاب الى هؤلاء الجماعة [إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة] أي بغير علم، فإنه أخبر بكفر هذه الطائفة فلا بد عليكم من الفحص والتبين والتدقيق انه صادق او كاذب أي أن خبره مطابق للواقع او غير مطابق حتى لا يتهم طائفة بالكفر واما بالواقع فليسوا بكافرين.

فإذاً هذا المعنى هو المناسب لمورد الآية المباركة.

ومما يشهد على أن المراد من الجهالة عدم العلم بالواقع المقطع الثالث في الآية المباركة وهو [أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين]. فالندامة بالنسبة الى خلاف الواقع أي إذا كفرتم طائفة ثم ظهر خلافه فظاهر الآية هي أن الندامة تكون بالنسبة الى خلاف الواقع. فإنهم يتهمون بالكفر وهم ليسوا بكافرين في الواقع.

وعليه فلا تدل الآية المباركة على ان المراد من الجهالة السفاهة بل لا إشعار فيها فضلا عن الدلالة.

وثالثا: مع الإغماض عن ذلك أيضا فالجهالة في الآية المباركة قد ذكرت في مقابل التبين [إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا] والمراد من التبين تحصيل العلم بالواقع، فالجهالة في مقابل التبين وهذه المقابلة قرينة على ان المراد من الجهالة عدم العلم بالواقع وليس المراد منها السفاهة فالنتيجة انه لا يمكن ان يراد من الجهالة في الآية الكريمة السفاهة.

ثم إن للمحقق الأصفهاني(قده)[4] كلاما وحاصله: أن العمل بكل شيء إذا لم تقم عليه الحجة يكون عملا سفهيا فالعمل بالأحكام الشرعية إذا لم تقم الحجة عليها عمل سفهي وعمل غير عقلائي، وعليه فكما ان العمل بخبر الفاسق من جهة انه ليس بحجة عمل غير عقلائي وعمل سفهي وكذلك العمل بخبر العادل إذا لم يكن حجة فلا شبهة في ان العمل به عمل غير عقلائي وعمل سفهي، والمفروض أن خبر العادل كخبر الفاسق لا يكون حجة وإنما الكلام في دلالة هذه الآية على حجية خبر العادل بالمفهوم او لا تدل على ذلك وعلى كل حال أنه لم تثبت الى الآن حجية خبر العادل وعليه يكون العمل به عمل غير عقلائي وعمل سفهي، لأن العمل بكل امارة إذا لم تكن حجة فهو عمل غير عقلائي وعمل سفهي.

وقد اجيب عن ذلك بأن حجية خبر العادل ثابتة عند العقلاء فإن السيرة القطعية من العقلاء قد جرت على العمل بأخبار العدول اي بأخبار الثقة والشارع أمضى هذه السيرة من أول بعثة النبي (ص) إذ العمل بأخبار العدول والثقة أمر مرتكز في أذهان الناس ويعملون به في مرأى ومسمع من النبي الأكرم(ص) وسكوته وعدم الردع عن هذه السيرة إمضاء لها، فإذن يكون خبر العادل حجة قبل نزول هذه الآية.

وهذا الجواب قابل للإشكال فإن محل الكلام أنه لا دليل على حجية خبر العادل إلا هذه الآية وهذه الآية هل تدل على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط او الوصف او لا تدل على ذلك؟ وأما ان خبر العادل قد ثبتت حجيته بالسيرة العقلائية الممضاة شرعا فهو أمر آخر. فمحل الكلام هو الآية المباركة ولم يثبت حجية خبر العادل فعلا بهذه الآية المباركة فيكون العمل به عمل بغير الحجة وهو عمل غير عقلائي وسفهي.

وذكر بعض المحققين(قده)[5] ان العمل بخبر الفاسق عمل سفهي وأما العمل بخبر العادل فهو عمل عقلائي فإنه حجة عند العقلاء وإن لم يكن حجة عند الشارع فيكون العمل بخبر العادل عمل عقلائي وليس بسفهي.

فإذن الفرق بين العمل بخبر الفاسق والعمل بخبر العادل موجود.

ويمكن المناقشة فيه وذلك أن خبر العادل إذا لم يكن حجة لدى الشرع فالعمل به من منظور الشرع عمل غير عقلائي وسفهي وإن لم يكن سفهيا من منظور العقلاء.

فإذن العمل بخبر العادل وترتيب أثار الحجية عليه من منظور الشرع غير عقلائي وعمل سفهي وإن كان عمل عقلائي من منظور العقلاء، والكلام إنما هو في أن هذا العمل عقلائي او سفهي من منظور الشرع لا من منظور العقلاء.

وكيف كان فهذا التوجيه لا يمكن المساعدة عليه.


[1] كفاية الأصول، المحقق الخراساني، ص297.
[2] فرائد الاصول، الشيخ مرتضى الانصاري، ج1، ص262.
[3] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج2، ص163.
[4] نهاية الدراية، المحقق الاصفهاني، ج3، ص210.
[5] بحوث في علم الاصول، تقرير بحث السيد الصدر للسيد محمود الشاهرودي، ج4، ص360.