آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

تحصل مما ذكرنا أن ما ذكره المحقق الاصفهاني(قده) من تطبيق قاعدة ان الواحد لا يصدر الا من واحد على المقام غير صحيح فإن المقام ليس من صغريات هذه القاعدة لأن وجوب التبين سواء كان وجوبا نفسيا او كان طريقيا او إرشاديا فهو بيد المولى وفعل اختياري له وامر اعتباري لا واقع موضوعي له في الخارج غير وجوده في عالم الذهن والاعتبار، والعلية والمعلولية والسببية والمسببية لا تتصور في الأمور الاعتبارية لأنها بيد المعتبر مباشرة فلا يعقل ان يولد اعتبار عن اعتبار آخر، فالتأثير والتأثر في الامور الاعتبارية غير معقول، وكذلك جعل الشرط للوجوب كمجيء الفاسق به وجعل نبأه موضوعا له فإن كل ذلك بيد الشارع.

فإذاً المقام ليس من صغريات هذه الكبرى.

نعم فعلية الحكم انما هي بفعلية موضوعه.

ولكن ذكرنا ان المراد من فعلية الحكم ليس فعلية نفس الحكم لأن نفس الحكم يستحيل ان يوجد في الخارج وإلا لكان الحكم الشرعي خارجيا وهو خلف فرض انه امر اعتباري لا واقع موضوعي له في الخارج فلا يمكن فعلية الحكم بنفسه. والمراد من فعلية الحكم بفعلية موضوعه فعلية فاعليته فإن موضوع الحكم إذا تحقق في الخارج ففاعلية الحكم تصبح فعلية، فإذا كان الشخص مستطيعا في الخارج ففاعلية وجوب الحج فعلية فيكون محرك للمكلف فعلاً ودافع للإتيان بالحج فعلاً .

فهذا هو المراد من فعلية الحكم. ففعلية الحكم ليست من الحكم وهي ليست فعل الشارع لأن فعل الشارع جعل الحكم واعتباره فقط سواء كان فعليا بفعلية موضوعه في الخارج ام لم يكن فعليا.

واما هذه القاعدة وهي أن الواحد لا يصدر إلا من الواحد فهذه القاعدة مسلمة في العلل والمعلولات الطبيعية الخارجية لكن فيما إذا كانت العلتان متباينتان ذاتاً ووجوداً وغير متسانختين فلا يمكن صدور معلول واحد عن هاتين العلتين المتباينتين، فإن مبدأ السنخية معتبر بين العلة والمعلول. لأن مبدأ السنخية كمبدأ العلة من المبادئ الأولية الفطرية ومن القضايا البديهية.

والمراد من مبدأ السنخية أن المعلول من سنخ العلة وليس أجنبياً عنها، بمعنى أن المعلول من المراتب النازلة لوجود العلة كالحرارة فإنها مرتبة من النار وتتولد من النار ومسانخة للنار ولا يعقل تولد الحرارة من الماء فهذا غير معقول لأن الماء عليته مباينة للنار ذاتا ووجودا وغير متسانختين فلا يعقل ان يصدر منهما معلول واحد فإن السنخية إذا كانت بين هذا المعلول وأحدى العلتين فلا يعقل ان تكون السنخية بينه وبين العلة الأخرى، فالحرارة مسانخة للنار ومن مراتب وجود النار النازلة فلا يعقل ان تكون مسانخة للماء وان تكون من مراتب وجود الماء النازلة.

فهذا هو معنى ان المعلول الواحد لا يمكن ان يصدر من الكثير.

وأما إذا كانت العلتان متسانختين فلا مانع من صدور معلول واحد منهما كالنار والشمس فإنه لا مانع من صدور معلول واحد منهما وهو الحرارة إذا كانت هناك مسانخة بينهما ولم تكن أحداهما مباينة للأخرى ذاتا ووجودا فلا مانع من اجتماع العلتين على معلول واحد، وصدوره عن العلتين المتسانختين ولا محذور فيه.

وهذه القاعدة تامة في العلتين المتباينتين ذاتا ووجودا وغير متسانختين فلا يمكن اجتماعهما على معلول واحد، ولا يعقل صدور معلول واحد عن كلتا العلتين، لأن مبدأ السنخية من المبادئ الأولية الفطرية كمبدأ العلية.

ومن هنا قسّم في المنطق المعارف الى المعارف الأولية والمعارف الثانوية.

والمعارف الأولية عبارة عن القضايا المعلومات التي توجد فطرة وبداهة في الذهن البشري كمبدأ عدم التناقض ومبدأ العلية ومبدأ السنخية بينهما وغيرهما من المبادئ الأولية التي توجد في الذهن بلا دليل، فإن كل معرفة أولية لا يمكن إقامة البرهان عليها، لأنها توجد في الذهن البشري بداهة وفطرة ومن دون أي برهان.

واما المعارف الثانوية فهي تستنتج من المعارف الأولية. ونقصد بالمعارف الثانوية أعم من الثالثة والرابعة وهكذا أي المعارف النظرية، فإنها تستنتج من المعارف الأولية، وكل معرفة ثانوية بحاجة إلى إقامة البرهان عليها وفي الناهية لا بد ان تنتهي الى المعارف الأولية الذاتية للبشر، فإن البشر يدرك هذه المعارف الأولية ذاتا وفطرة وبغير حاجة إلى برهان.

فإذاً مبدأ العلية من المبادئ الضرورية والفطرية وكذلك مبدأ السنخية كمبدأ عدم التناقض ومبدأ عدم التضاد، فإن هذه المبادئ من المبادئ الفطرية ومن القضايا الأولية.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره المحقق الأصفهاني(قده) من تطبيق هذه القاعدة في المقام غريب من مثله(قده). وإن تردد[1] في تطبيق هذه القاعدة في مبحث المفهوم على المقام ولكن في المقام لم يتردد بل لا معنى للتردد ولا شبهة في عدم صحة تطبيق هذه القاعدة على المقام.

إلى هنا قد تبين أن الآية لا تدل على حجية خبر العادل لا بمفهوم الشرط ولا بمفهوم الوصف.

 

ثم لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا ان الآية الكريمة تدل على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط او بمفهوم الوصف فهل يمكن الأخذ بهذا لمفهوم ولا يكون هناك مانع عن الأخذ به؟

والجواب أن هنا قولين:

القول الأول: ما ذهب إليه جماعة من الأصوليين أنه لا يمكن الأخذ بمفهوم الآية لوجود المانع في المقام وهو التعليل الوارد في ذيلها ﴿ أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [2] فإن هذا التعليل مانع عن الأخذ بمفهوم الآية المباركة.

فإن قلنا أن هذا التعليل بمثابة القرينة المتصلة فهو مانع عن ظهور الآية المباركة في المفهوم أي مانع عن أصل انعقاد الظهور في المفهوم لأن القرينة المتصلة مانعة عن ظهور المطلق في الاطلاق ومانعة عن ظهور الآية في المفهوم. وأما إذا قلنا أنه ليس بمثابة القرينة المتصلة فظهور الآية في المفهوم قد انعقد لأنها تدل بمنطوقها على وجوب التبين عن خبر الفاسق وبمفهومها تدل على عدم وجوب التبين عن خبر العادل أي ان خبر الفاسق ليس بحجة فإن وجوب التبين كما ذكرناه وجوب إرشادي إلى عدم حجية خبر الفاسق وعدم وجوب التبين إرشاد الى حجية خبر العادل فتعليل وجوب التبين عن خبر الفاسق من جهة أن لا تصيبوا قوما بجهالة والمراد من أن لا تصيبوا قوما بجهالة عدم جواز العمل بالجهل وعدم جواز العمل بغير العلم فالتعليل يشير الى ان العمل بالجهل غير جائز والعمل بغير العلم غير جائز فهذه العلة مشتركة بين خبر الفاسق وخبر العادل فكما ان العمل بخبر الفاسق عمل بالجهل وعمل بغير العلم فكذلك العمل بخبر العادل عمل بالجهل وعمل بغير العلم.

فإذا كانت العلة مشتركة بينهما فتكون مانعة من الأخذ بمفهوم الآية المباركة فلا يمكن الحكم بحجية خبر العادل لأن العمل به عمل بالجهل وبغير العلم فالآية المباركة تدل على المنع عن العمل بالجهل وبغير العلم.

فالتعليل بعمومه يشمل خبر الفاسق ويشمل خبر العادل معا.

وقد أجيب عن ذلك بوجوه:

الوجه الأول: أن نسبة المفهوم الى التعليل نسبة الخاص الى العام فإن التعليل مطلق وبإطلاقه يشمل خبر الفاسق وخبر العادل معا وخبر العادل خاص فتكون النسبة بينهما نسبة العام والخاص والمطلق والمقيد فلا بد من حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد، فإن هذا من موارد الجمع الدلالي العرفي ومن اجل ذلك لا يصلح التعليل ان يكون مانعا عن الأخذ بمفهوم الآية المباركة فلا مانع من الحكم بحجية خبر العادل وتقييد إطلاق التعليل بخبر العادل إذ التعليل بإطلاقه يدل على ان العمل بالجهل وغير العلم غير جائز إلا في الخبر الصادر من العادل برغم أنه جهل وغير علم ومع ذلك يجوز العمل به.

ولكن للمناقشة في هذه الجواب مجالاً. فإن الآية المباركة تدل بمنطوقها على وجوب التبين عن خبر الفاسق إن كان الجائي بالنبأ فاسقا فيجب التبين عنه وبمفهومها تدل على عدم وجوب التبين عن خبر العادل أي إن كان الجائي به عادلا فلا يجب التبين عنه، فالآية المباركة لسانها نفي وجوب التبين عن خبر العادل وإما التعليل فلسانه النظر الى ملاك وجوب التبين، لأن ملاك وجوب التبين هو الجهل وغير العلم، فالتعليل ناظر الى ملاك وجوب التبين ومع كون لسانه لسان النظر فيكون حاكما على المفهوم فكما انه حاكم على المنطوق فكذلك حاكم على المفهوم أيضا فإن الدليل الحكام يقدم على دليل المحكوم وان كان أعم من المحكوم فإن النسبة لم تلحظ بين الحاكم والمحكوم وبين المطلق وبين المقيد وبين الظاهر والأظهر او النص وإنما تلحظ النسبة بين العام والخاص والمطلق والمقيد. فالتعليل مقدم على مفهوم الآية المباركة بالحكومة باعتبار ان لسانه لسان النظر.

هذا مضافا الى ان التعليل ناظر الى ملاك وجوب التبين فالآية المباركة مفادها وجوب التبين منطوقا ونفي الوجوب مفهوما، واما لسان التعليل فهو بيان لملاك وجوب التبين وهو الجهل وغير العلم ومن الواضح ان حقيقة الحكم وروحه ملاكه، واما الحكم بما هو اعتبار فلا قيمة له، ومن هنا يكون الحكم دائر مدار الملاك سعة وضيقا، وحيث ان ملاك الحكم في المقام هو الجهل وعدم العلم فبطبيعة الحال وجوب التبين يدور مدار ملاكه وهو الجهل وعدم العلم والمفروض ان الجهل وعدم العلم كما هو في خبر الفاسق كذلك في خبر العادل.

فإذا كما يجب التبين عن خبر الفاسق يجب التبين عن خبر العادل أيضا فيكون تقديمه من ناحية أن لسان التعليل لسان النظر الى بيان ملاك وجوب التبين. قامة البرهان عليهال

ثر في الامور الاعتبارية


[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمد حسين الاصفهاني، ج2، ص420.
[2] الحجرات/السورة49، الآية6.