آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

تحصل مما ذكرنا أن ما ذكره السيد الأستاذ(قده) من أن الشرط في القضية الشرطية في الآية المباركة مركب من أمرين أحدهما طبيعي النبأ والآخر مجيء الفاسق به وارتباط الحكم بطبيعي النبأ عقلي وذاتي وأما ارتباطه بأحد جزئي الشرط وهو مجيء الفاسق به فمولوي لأن الحكم وهو وجوب التبين لا يتوقف على مجيء الفاسق عقلا فلهذا يكون ثبوته وتعليقه عليه مولويا وأما وجوب التبين فهو يتوقف على وجود النبأ ولهذا يكون توقفه عليه عقليا.

هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده).

وللمناقشة فيه مجال إثباتا وثبوتا.

أما إثباتا فلأن القضية الشرطية في الآية المباركة ظاهرة عرفا في أن الموضوع هو نبأ الفاسق لا طبيعي النبأ ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا[1] فوجوب التبين عن نبأ الفاسق في القضية الشرطية في الآية الكريمة ظاهر عرفا في أن الموضوع هو نبأ الفاسق والشرط محقق لهذا الموضوع فمن أجل ذلك تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها.

فهنا ارتباط واحد وهو ارتباط الحكم بالموضوع وليس هنا ارتباط آخر وهو ارتباطه بالشرط لأن الشرط قيد الموضوع وارتباط الحكم بالموضوع المقيد بهذا القيد فلهذا لا مفهوم لها.

وأما كون الموضوع طبيعي النبأ فهو بحاجة الى قرينة ولا قرينة في المقام لا من الخارج ولا من الداخل، أما من الخارج فالأمر واضح فليس هنا أي دليل يدل على ان المراد من النبأ في الآية الكريمة هو طبيعي النبأ فليس هنا قرينة خارجية تدل على ان النبأ الموجود في القضية الشرطية هو طبيعي النبأ وهو الموضوع. واما القرينة الداخلية فهي متوقفة على توفر أمرين:

الأمر الأول: أن تكون كلمة النبأ معرفة باللام لأنها لو كانت كذلك فهي تدل على افتراض وجود النبأ في المرتبة السابقة على مجيء الفاسق به فبطبيعة الحال يكون المراد من النبأ هو طبيعي النبأ والفاسق إنما جاء بحصة خاصة من هذا النبأ.

لكن المفروض أن كلمة النبأ ليست معرفة باللام في الآية المباركة فمن هذه الناحية لا يمكن ان يراد من النبأ طبيعي النبأ.

الامر الثاني: أن تكون كلمة النبأ متقدمة على الشرط في الآية المباركة، فإذا فرضنا أن الآية كانت كذلك﴿ النبأ إن جاء الفاسق به فتبينوا ﴾ بأن تكون كلمة النبأ متقدمة على الشرط فتقدمها يدل على أنها موجودة في مرتبة متقدمة على الشرط، فبطبيعة الحال يكون المراد من النبأ طبيعي النبأ ومجيء الفاسق به يوجب تخصصه بحصة خاصة من النبأ فوجوب التبين ثابت لطبيعي النبأ عقلا وثبوته لطبيعي النبأ عقلي وذاتي، واما ثبوت وجوب التبين لمجيء الفاسق به فمولوي لأن وجوب التبين لا يتوقف على مجيء الفاسق لكن المولى علق وجوب التبين عن النبأ بمجيء الفاسق به.

فإذاً لا يمكن ان يراد من النبأ في القضية الشرطية في الآية الكريمة طبيعي النبأ ولا قرينة على ذلك لا من الخارج ولا من الداخل، فإن القضية الشرطية في الآية الكريمة ظاهرة بحسب المتفاهم العرفي أن الموضوع هو نبأ الفاسق فعندئذ تكون القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها ومفهومها سالبة بانتفاء الموضوع.

هذا بحسب مقام الإثبات.

واما بحسب مقام الثبوت فإن دلالة القضية الشرطية على المفهوم منوطة بتوفر أمور:

الأمر الأول: ان يكون الشرط قيدا للحكم أي يكون الشرط قيدا لمفاد الهيئة وهو الحكم. وليس قيدا للموضوع وإلا لكان حاله حال اللقب فلو كان الشرط قيدا للموضوع فالقضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها وحالها حال اللقب.

الأمر الثاني: ان يكون الحكم وهو الجزاء أي وجوب التبين في الآية المباركة معلقا على الشرط بعد فرض وجود الموضوع وارتباط الحكم بالموضوع وفي مرتبة متأخرة عن ارتباط الحكم بالموضوع وفي طوله فإن ارتباط الحكم بالموضوع عقلي وذاتي ونقصد بالذاتي ذاتي باب البرهان وأما ارتباط الحكم بالشرط فيكون مولويا. فهنا ارتباطان ارتباط الحكم بالموضوع والمرتبط شخص الحكم وهو ذاتي وعقلي حيث لا يتصور ثبوت الحكم بدون ثبوت الموضوع وأما ارتباط الحكم بالشرط باعتبار انه لا يتوقف على الشرط فيكون ارتباطه مولوي. أما ارتباط الجزاء بالشرط فيكون مولويا وفي طول ارتباط الحكم بالموضوع وفي مرتبة متأخرة عنه كما في مثل قولنا: [إن جاءك عالم فأكرمه] فالموضوع هو العالم ووجوب الإكرام مرتبط به في المرتبة السابقة على الشرط فإن وجوب الإكرام مرتبط بالعالم ولكن الشارع علق وجوب الإكرام بمجيئه فإذا جاء فأكرمه وإن لم يجيء لم يجب إكرامه فوجوب الإكرام المرتبط بالعالم هذا الوجوب معلق على الشرط وهذا التعليق من الشارع فيكون مولويا وإلا فوجوب إكرام العالم لا يتوقف على مجيئه فيمكن إكرامه في بلده أو بيته ولا يتوقف على مجيئه ولكن الشارع يرى مصلحة في ذلك فعلق وجوب إكرامه على المجيئ وبانتفاء هذا الشرط وهو المجيء ينتفي وجوب إكرامه فلا يجب إكرامه فلو كان الشرط قيدا للموضوع لكانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها.

الأمر الثالث: أن يكون ارتباط الجزاء في القضية الشرطية بالشرط مولويا أي بعناية من المولى واما ارتباط الحكم بالموضوع فيكون عقليا فالقضية الشرطية إذا كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع بأن يكون الشرط قيدا مقوما للموضوع وموجدا له وينتفي الموضوع بانتفائه فهنا ارتباط واحد للحكم وهو ارتباطه بالموضوع بتمام قيوده ومنها الشرط، وإما إذا كان الشرط قيدا للحكم فقط دون الموضوع فهنا ارتباطان ارتباط الحكم بالموضوع وهو عقلي وارتباط الحكم بالشرط وهو مولوي وبعناية من المولى.

ثم أن هذه الشروط وهذه العناصر التي هي من مقومات القضية الشرطية الدالة على المفهوم وإن كانت مختلفة صورة إلا أنها متحدة في الجوهر، فإن الشرط إذا كان قيدا للحكم فبطبيعة الحال هو ملحوظ في طول لحاظ الموضوع لا في مرتبة لحاظ الموضوع فإذا كان الأمر كذلك فبطبيعة الحال يكون تعليق الحكم على الشرط في طول ارتباط الحكم بالموضوع وفي مرتبة متأخرة عنه واما ارتباط الحكم بالموضوع فهو في مرتبة سابقة على ارتباط الحكم بالشرط وإذا كان الأمر كذلك فلا محالة يكون ارتباط الحكم بالشرط مولويا لا عقليا. فإذاً هنا ارتباطان ارتباط الحكم بالموضوع أي ارتباط الجزاء بالموضوع عقلي وارتباط الجزاء بالشرط مولوي، فمثل هذه القضية الشرطية تدل على المفهوم.

وعلى هذا فننظر الى القضية الشرطية في الآية المباركة فهل هذه القضية الشرطية متوفرة فيها هذه العناصر الثلاثة او لا تكون متوفرة فيها؟

الظاهر بحسب المتفاهم العرفي هذه العناصر غير متوفرة فيها لأن ظاهر القضية الشرطية في الآية المباركة أن الشرط قيد للموضوع ومقوم للموضوع ومحقق له وبانتفائه ينتفي الموضوع فليس هنا إلا ارتباط واحد ارتباط الجزاء بالموضوع بتمام قيوده ومنها الشرط فليس للشرط ارتباط بالجزاء مستقلا فهنا ارتباط واحد وهو عقلي وهو ارتباط الجزاء بالموضوع بتمام قيوده ومنها الشرط، ولهذا لا مفهوم لها إذا كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع او كان القيد قيدا للموضوع ومقوما له فمثل هذه القضية الشرطية لا تدل على المفهوم، فالآية المباركة غير متوفر فيها هذه العناصر الثلاثة، لأن العنصر الأول غير متوفر فيها وهو ان الشرط قيدا للحكم لا للموضوع وفي الآية المباركة الشرط قيد للموضوع.

فمن أجل ذلك القضية الشرطية في الآية المباركة لا تدل على المفهوم.


[1] الحجرات/السورة49، الآية6.