آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة عدم حجية خبر الواحد

ذكرنا أن عمدة الدليل على حجية أخبار الأحاد كأخبار الثقة السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بها الممضاة شرعا وليست لهذه السيرة جعل حتى يكون المجعول الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي لأن سيرة العقلاء عبارة عن عملهم بأخبار الثقة وأما إمضاء الشارع فيكفي فيه سكوته وعدم صدور الردع منه عنها فإذا سكت الشارع على العمل بأخبار الثقة ولم يصدر الردع عنها فهو يكفي في إمضائها واتصافها بالحجة شرعا.

وعلى هذا فما ذكرته مدرسة المحقق النائيني ومنهم السيد الاستاذ(قده) من ان المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي لا يمكن إثباته من أدلة حجية أخبار الأحاد.

هذا مضافا إلى ما ذكرناه وسوف نذكره أن جعل الطريقية شرعا وجعل الكاشفية والعلم التعبدي لا يعقل ثبوتا لأنه لغو ولا يترتب عليه أي أثر إذ لا يمكن تكوين شيء بالأمر الاعتباري لأن الامر الاعتباري لا يمكن أن يوجد أمرا تكوينيا فهذا غير معقول وسوف يأتي تفصيل ذلك.

واما إذا كانت أدلة حجية أخبار الآحاد الآيات والروايات فهي أيضا ليس لسانها جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي بل لسانها حجية أخبار الثقة وأخبار العدول وأما أن المجعول في باب الأمرات هو طريقية الأخبار وكاشفيتها عن الواقع وأنها علم تعبدي فليس شيء من ذلك مأخوذا في لسان الآيات ولا في لسان الروايات.

وعلى هذا فلا بد أن يكون تقديم أدلة حجية الأمارات على الآيات الناهية عن العمل بالظن من باب التخصيص والتقييد، فإن الآيات تدل على عدم حجية الظن مطلقا وأما نسبة أدلة حجية الأمارات سواء كانت الأدلة متمثلة بالسيرة القطعية من العقلاء أم كانت متمثلة في الآيات والروايات فهي أخص من الآيات، فإذاً الجمع الدلالي العرفي بينهما ممكن فلا يكون التعارض بينهما مستقرا لأن حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد من أحد موارد الجمع الدلالي العرفي فلا يرى العرف التعارض بين العام والخاص وبين المطلق والمقيد.

هذا تمام كلامنا في المرحلةالأولى.

وإلى هنا قد تبين أنه لا دليل على عدم حجية أخبار الآحاد وما استدل به على ذلك لا يتم شيء منه.

وأما الكلام في المرحلة الثانية وهي أدلة حجية أخبار الآحاد.

فهي متمثلة في الكتاب والسنة والاجماع والعقل، أما الكتاب فبعدة من الآيات. ومنها آية النبأ وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [1] وتقريب الاستدلال بها على نحوين:

النحو الأول: أن تكون دلالتها على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط.

النحو الثاني: أن تكون دلالتها على حجية أخبار العدول بمفهوم الوصف.

وعلى تقدير الدلالة على حجية أخبار العدول بمفهوم الشرط او بمفهوم الوصف فهل هناك مانع عن الأخذ بمفهومها أو ليس هناك مانع؟

فيقع الكلام في هذه الجهات.

أما الكلام في الجهة الأولى فإن الآية المباركة تتضمن قضية شرطية وهي قوله تعالى: ﴿ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ والقضية الشرطية ترتكز على عنصرين أساسين، وهذان العنصران من مقومات القضية الشرطية والقضية الشرطية متقومة بهما وتنتفي بانتفائهما:

العنصر الأول: ارتباط الجزاء أي ارتباط الحكم المجعول في القضية الشرطية بموضوعه فيها. وهذا الارتباط شخصيا فيكون عقليا ذاتيا من جهة أنه لا يعقل ثبوت الحكم بدون ثبوت الموضوع .

العنصر الثاني: ارتباط الحكم المجعول في القضية الشرطية وهو مفاد الجزاء بالشرط وراء ارتباطه بالموضوع. وهذا الارتباط ارتباط مولوي لا عقلي إذ لا يتوقف مفاد الجزاء في القضية الشرطية على الشرط عقلا وذاتا وهذا التعليق والارتباط إنما يكون مولويا وراء ارتباطه بالموضوع، والمرتبط بالموضوع والمعلق عليه شخص الحكم المجعول في القضية الشرطية والمرتبط بالشرط والمعلق عليه طبيعي الحكم المجعول في القضية الشرطية وسنخه، ولا يمكن أن يكون المعلق على الشرط والمرتبط به شخص هذا الحكم المجعول في القضية لأن شخص هذا الحكم مرتبط بالموضوع فلا يعقل ارتباطه بشيء آخر وإلا لزم تعدده وهذا خلف.

فإذاً المرتبط بالشرط والمعلق عليه طبيعي الحكم وسنخه.

وعلى هذا فدلالة القضية الشرطية على المفهوم في مقام الإثبات منوطة بأن يكون ارتباط المرتبط بالشرط مولويا وأن يكون المرتبط طبيعي الحكم وسنخه، فإذا كان المرتبط بالشرط طبيعي الحكم ويكون مولويا فالقضية الشرطية تدل على المفهوم، فتدل بمنطوقها على ثبوت هذا الارتباط ( ارتباط الجزاء بالشرط ) وبمفهومها على انتفاء هذا الارتباط بانتفاء الشرط وإلا لكان هذا التعليق وهذا الارتباط لغوا، فلو لم تدل القضية الشرطية على المفهوم أي انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء الشرط لكان هذا الارتباط والتعليق لغوا، وهذا غير ممكن صدوره من المولى الحكيم. فإذا قال المولى: ( إن جاءك عالم فأكرمه ) فالموضوع في المقام العالم والجزاء في المقام هو وجوب الإكرام والشرط هو مجيء العالم وارتباط وجوب الإكرام بالعالم ارتباط شخصي فشخص هذا الحكم المجعول في هذه القضية مرتبط بالموضوع وبهذا يكون هذا الارتباط عقليا ذاتيا حيث لا يمكن ثبوت الحكم بدون ثبوت الموضوع.

وأما ارتباط وجوب الإكرام بمجيء العالم وهو الشرط في القضية فيكون ارتباطا مولويا أي أن المولى قد علق وجوب الإكرام للعالم بمجيئه وهذا التعليق والارتباط يكون مولويا والمرتبط هو سنخ الوجوب وطبيعي وجوب الإكرام لا شخص وجوب الإكرام لأنه مربوط بالموضوع فلا يعقل ارتباطه بشيء آخر وإلا لزم ان يكون متعددا وهو خلف.

فإذاً هذه القضية تدل بمنطوقها على ثبوت وجوب الإكرام عند مجيء العالم وبمفهومها تدل على انتفاء وجوب الإكرام عند انتفاء مجيء العالم. ولولم يدل على المفهوم لكان هذا التعليق لغوا، ولا يمكن صدور اللغو من المولى الحكيم.

واما القضية الشرطية في الآية المباركة فهي قوله تعالى: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا .

ودلالة هذه القضية الشرطية على المفهوم منوطة بأمور:

الأمر الأول: أن يكون الموضوع في هذه القضية الشرطية هو النبأ. والجزاء في هذه القضية الشرطية هو وجوب التبيّن. والشرط فيها هو مجيء الفاسق وارتباط وجوب التبيّن بالنبأ ارتباط شخصي فيكون عقليا أي شخص هذا الوجوب المجعول في هذه القضية مرتبط بالنبأ ومعلق عليه. وأما ارتباط وجوب التبين بالشرط وهو مجيء الفاسق فهو مولوي والمرتبط هو سنخ الحكم وطبيعي وجوب التبين.

وعلى هذا فإذا كان ارتباط وجوب التبين بالموضوع شخصيا فيكون عقليا وارتباط بوجوب التبين بالشرط وراء ارتباطه بالموضوع فيكون مولويا ويكون المرتبط طبيعي الحكم وسنخه.

وعليه فهذه القضية الشرطية تدل بمنطوقها على ثبوت وجوب التبين عند مجيء الفساق بالنبأ أي إذا جاء الفاسق بالنبأ وجب التبين عنه. وتدل بمفهومها على انتفاء وجوب التبين عند عدم مجيء الفساق بالنبأ أي مجيء العادل به.

وأما الاشكالات الواردة على دلالتها على المفهوم فسوف يأتي الكلام فيها.


[1] الحجرات/السورة49، الآية6.