آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الاجماع

إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة: وهي ان الاجماع لا يكون كاشفا عن ثبوت الحكم في المسألة لا بالملازمة العقلية ولا بالملازمة العادية ولا بالملازمة الارتكازية ولا بتراكم الفتاوى بحساب الاحتمالات.

بقي الكلام في وصول الاجماع من زمن الأئمة (ع) إلى زمان الفقهاء المتقدمين يدا بيد وطبقة بعد الطبقة فهل يمكن ذلك وهل بإمكاننا إحراز ذلك حتى يكون الاجماع حجة او لا يمكن إحراز ذلك أيضا؟

الاجماع الذي يمكن وصوله الينا من زمن الأئمة(ع) مشروط بشروط:

الشرط الاول: ان يكون هذا الاجماع بين الفقهاء المتقدمين وهم من يكون عصرهم قريبا من عصر أصحاب الأئمة(ع).

الشرط الثاني: ان يكون هذا الاجماع في المسألة تعبديا، ولم يكن له مدرك ولو بالاحتمال.

الشرط الثالث: ان لا يكون هذا الاجماع مبنيا على المسألة العقلية او المسألة المطابقة للقاعدة العامة كقاعدة البراءة او الاستصحاب أو نحوهما.

فهل هذه الشروط ثابتة او انها أيضا غير ثابتة؟

فالكلام في هذه الشروط.

أما الشرط الاول فلأن تحقق الاجماع بين الفقهاء المتقدمين لا طريق لنا الى إحرازه بينهم إلا أن يكون لكل واحد منهم كتاب استدلالي يتضمن الاجماع، فيكون لكل واحد من فقهاء المتقدمين كتاب استدلالي في الفقه يتضمن الاجماع.

ولكن مثل هذا الاكتاب لم يصل الينا أما من جهة انه ليس لكل واحد منهم كتاب استدلالي يتضمن الاجماعات او يكون ولكن لم يصل الينا وعلى كلا التقديرين لم يحرز الاجماع بين الفقهاء المتقدمين، لأن الواصل الينا هي كتب الشيخ (قده) والسيد المرتضى وغيرهما من الفقهاء المتقدمين وهذه الكتب لا تتضمن الاجماعات بين الفقهاء المتقدمين، فإن كتب الشيخ تتضمن الاجماع المدعى من الشيخ المبني على قاعدة اللطف. هذا مضافا الى اختلاف الشيخ في دعوى الاجماع من كتاب الى كتاب آخر.

واما مثل الصدوق والكليني وغيرهما فليس لهم كتب فقهية استدلالية ولهم فقط كتب روائية فمن اجل ذلك ليس لنا طريق الى إحراز الاجماع بين الفقهاء المتقدمين الا نقل الاجماع من المتأخرين. ومن الواضح ان نقل المتأخرين للإجماع ــ وهو إما اجماع الشيخ او اجماع السيد المرتضى او غيرهم ممن يدعي الاجماع فإن دعوى الاجماع بين الفقهاء المتقدمين كثيرة وكذلك الفقهاء المتأخرين ــ لا ينفع ما لم يحرز الاجماع بين المتقدمين.

فإذن لا طريق لنا إلى إحراز وجود الاجماع بين الفقهاء المتقدمين.

وأما كون هذا الاجماع اجماعا تعبديا فإثباته أيضا مشكل لنا لأن الاجماع على الحكم في المسألة كوجوب السورة في الصلاة فلو فرضنا اجماع الفقهاء المتقدمين على ذلك فهذا الاجماع اما مبني على أن فتاويهم في هذه المسألة تكون جزافا وبلا مبرر وبلا مدرك أو تكون فتاويهم من جهة تخيلهم انها مطابقة للقاعدة العامة كقاعدة البراءة او الاستصحاب او الاحتياط او الطهارة او من جهة رواية معتبرة عندهم او من جهة انهم تلقوا الاجماع من الطبقة السابقة وجميع هذه الاحتمالات غير صحيحة.

اما الاحتمال الاول فقد ذكرنا أنه خلف فرض كونهم عدول وثقات وأمناء على الأحكام الشرعية وهم حفظتها فلا يمكن صدور فتوى منهم بلا مبرر وجزافا، فإن هذا في علماء الأمامية غير ممكن، لأن صدورها بغير مدرك محرم وغير جائز.

واما الاحتمال الثاني فهو امر ممكن فإنهم وإن كانوا مطلعين على القواعد العامة كقاعدة البراءة والاستصحاب والاحتياط والطهارة وما شاكل ذلك فإنهم نقلوا روايات هذه القواعد في كتبهم ولكن مع ذلك يمكن الخطأ في تطبيق هذه القواعد العامة على عناصرها الخاصة وعلى صغرياتها فهذا الاحتمال موجود ولا دافع له.

واما الاحتمال الآخر وهو ان يكون مدرك هذه الفتاوى رواية معتبرة فهذا غير محتمل لأنه لو وجدت رواية معتبرة في المسألة لأشاروا إليها ونقلوها في كتبهم لأنهم ينقلون الروايات الضعاف والمرسلات فضلا عن الروايات المعتبرة.

واما الاحتمال الرابع فهل يمكن ان يكون الفقهاء المتقدمين تلقوا هذا الحكم من الطبقة السابقة عليهم وهذه الطبقة هي همزة الوصل بينهم وبين أصحاب الأئمة(ع) مباشرة او بالواسطة؟ وهذا الاحتمال أيضا غير ممكن إذ لا طريق لنا إلى ذلك لأننا لانعرف العلماء المتقدين في الطبقة السابقة جميعا وأيضا ليس لهم كتب فقهية استدلالية لأن هذه الكتب هي من زمن الشيخ(قده) وكتبهم كتب روائية، ولا شبهة في ان الروايات الصادرة من الأئمة الأطهار قد وصلت الى الفقهاء المتقدمين لا بالتواتر بل بطريق معتبر وصحيح، لكن ليس لديهم كتب استدلالية فقهية حتى يدعى الاجماع فيها وهو يصل الى الفقهاء المتقدمين.

فوصول الاجماع بين الفقهاء المتقدمين على تقدير ثبوته من زمن الأئمة(ع) اليهم طبقة بعد الطبقة ويدا بيد فلا طريق لنا الى ذلك فإنه بحاجة الى علم الغيب ولا يعلم الغيب الا الله تعالى ومن ارتضى من رسول.

وكيف ما كان فلا يمكن إثبات أن الاجماع المفروض بين المتقدمين قد وصل الينا من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.

فإذن لا يمكن ان يكون مدرك هذا الاجماع الا الظن او مناسبة الحكم والموضوع او حسن الظن بالآخر او بالجماعة او موافقة المشهور ، ومن الواضح ان هذه الأمور امور محصورة ولا يعلم بمطابقة بعضها للواقع فاحتمال الخطأ في الجميع موجود فلا يمكن إحراز ان الاجماع بين المتقدمين على تقدير ثبوته قد وصل اليهم من زمن الأئمة(ع) طبقة بعد الطبقة.

فالنتيجة: انه لا يمكن الحكم بحجية الاجماع مطلقا سواء ما كان بين المتأخرين فهو واضح لأن مثل هذا الاجماع لا يمكن إحراز انه وصل اليهم من المتقدمين وسواء كان بين المتقدمين لأنه لا يمكن إثبات انه حجة.

ومن هنا لا يمكن الاعتماد على الاجماع في شيء من المسائل الشرعية.

هذا مضافا الى ان مثل هذا الاجماع غير متحقق بين الفقهاء المتقدمين لاختلافهم في دعوى الاجماع بل اختلاف واحد منهم لاختلاف كتبه في دعوى الاجماع مضافا الى ان جماع بعضهم مبني على القاعدة كقاعدة اللطف ونحوها.

فإذن يبقى الكلام في قاعدة اللطف.

فهل هي تامة او لا؟