الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاجماع
ذكرنا انه يمكن تصنيف اليقين الى أصناف:
الصنف الاول: اليقين الذاتي وهو الحاصل من العوامل النفسية الشاذة وهو حجة على المتيقن فقط ولا يكون حجة لغيره وليس لغيره ترتيب الأثار عليه لأنه يحصل من سبب لا ينبغي حصوله منه.
الصنف الثاني: اليقين الموضوعي وهو يقين واقعي يحصل من سبب واقعي وموضوعي ولا يختلف من فرد الى فرد آخر ومن زمن الى زمن آخر ومن بلد الى بلد آخر.
الصنف الثالث: اليقين الفلسفي وهو اليقن المنطقي وهو الحاصل من ضم الصغرى الى الكبرى وهو اليقين بالنتيجة وهذا اليقن يتضمن استحالة خلافه ذاتا.
الصنف الرابع: وهو اليقن الرياضي وهو كاليقين المنطقي فإن اليقين الرياضي يحصل من الجمع بين العددين او من ضرب أحدهما في الآخر او ما شاكل ذلك وهو يقين يتضمن استحالة خلافه ذاتا.
وعلى هذا فاليقين الحاصل من التواتر بصدق القضية المتواترة هل هو يقين موضوعي او انه يقين فلسفي؟
فيه خلاف.
فالفلاسفة يقولون ان الحاصل من التواتر يقين فلسفي ومستند الى حكم عقلي سابق وهو استحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة لأن الصدفة لا تدوم وهي مستحيلة واستحالتها من القضايا الأولية عند الفلاسفة كما ان التواتر من القضايا الأولية البديهية عند الفلاسفة، فيكون اليقين الحاصل من التواتر عند الفلاسفة يقين فلسفي.
ولكن ذهب جماعة الى انه يقين موضوعي وليس بفلسفي ولا منطقي، لأن اليقين حاصل من نفس التواتر لا من حكم عقلي في المرتبة السابقة وهذا اليقن مستند الى نفس التواتر وهو تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات، لأن تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات هو الموجب لليقين.
والظاهر ان اليقين الفلسفي والمنطقي يختلفان مع اليقين الموضوعي وكلاهما مستند الى حكم عقلي، فإن اليقين بصدق القضية المتواترة الحاصل من تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات لا بد ان يكون له سبب، والسبب في ذلك هو حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة لأن الصدفة لا تدوم غاية الامر ان حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب ليس ذاتيا بل هو وقوعي أي العقل يحكم باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة من باب الوقوع لا ذاتا، فإنه لو كان تواطؤهم على الكذب ممكنا وقوعه والصدفة ممكنة وقوعها في الخارج لم يحصل العلم بصدق القضية المتواترة من تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات.
فالفرق بين اليقين الموضوعي واليقين المنطقي هو ان اليقن الموضوعي ايضا يتضمن حكم العقل باستحالة خلافه وقوعا واما اليقين المنطقي فهو يتضمن استحالة خلافه ذاتا كمبدأ التناقض ومبدأ  العلية وما شاكلهما، فإن العقل يحكم بأنه يتضمن استحالة خلافه ذاتا واما اليقين الموضوعي فإن العقل يحكم بتضمنه استحالة خلافه وقوعا لا ذاتا لأنه ذاتا ممكن وليس بمستحيل، ولكن تراكم الأخبار لا يكشف عن وجود سبب مشترك بين جميع الأخبار إذ ليس هنا سبب مشترك بين جميع الأخبار، ومن هذه الناحية يختلف التواتر عن الاستقراء وعن التجربة.
فإن التجربة إذا تكررت على شيء كالحديد فوجد انه يتمدد بالحرارة فهو يكشف وجدانا وارتكازا عن وجود خصوصية ذاتية في الحديد مشتركة بين جميع أفراده وهذه الخصوصية الذاتية هي السبب والعلة لتمدد الحديد عند الحرارة.
وبهذه الخصوصية الذاتية تكون النتيجة كلية فكل فرد من افراد الحديد يتمدد بالحرارة، فالاستقراء في الحقيقة يرجع الى تطبيق الكبرى على الصغرى ولا يرجع الى انتاج الكبرى من الصغرى، لأن الاستقراء المعروف هو حركة الفكر من الخاص الى العام لا من العام الى الخاص كما هو مقتضى الشكل الاول في المنطق أي تطبيق الكبرى على الصغرى.
واما في الاستقراء فهو حركة الفكر من الخاص الى العام لأن تعدد التجربة وتعدد الاستقراء  نتيجته العلم بالعام كما في كل قطعة من قطع الحديد تتمدد بالحرارة.
فإذن إذا قلنا ان تكرر التجربة والاستقراء يكشف وجدانا وارتكازا عن وجود خصوصية مشتركة بين افراد الانسان وافراد الحديد وهكذا فهذه الخصوصية الذاتية المشتركة هي السبب والعلة للنتيجة وهي تمدد الحديد عند الحرارة، فيكون اليقين بالنتيجة يقين منطقي يتضمن استحالة خلافه ذاتا فإن انفكاك المعلول عن العلة مستحيل ذاتا لأن معنى الانفكاك انه ليس بمعلول ولو كان معلولا لاستحال الانفكاك.
فاليقين في باب التجربة والاستقراء  يقين منطقي وبذلك يختلف الاستقراء  عن التواتر لأن اليقين بصدق  القضية المتواترة من تراكم الأخبار  يقين يتضمن استحالة خلافه وقوعا لا ذاتا. واما في الاستقراء حيث انه يكشف عن وجود خصوصية ذاتية مشتركة بين جميع الأفراد وهذه الخصوصية هي السبب والعلة للحكم فيكون اليقين الحاصل في باب الاستقراء هو اليقن المنطقي وهو الذي يتضمن استحالة خلافه ذاتا لا وقوعا.
ثم ان التواتر قد يكون المؤثر فيه هو العامل الكمي فقط، وقد يكون المؤثر هو العامل الكمي والكيفي معا.
فإذا فرضنا ان جميع المخبرين من المجهولين او غير ثقة ففي مثل ذلك يكون العامل المؤثر هو العامل الكمي أي لا بد من وصول العدد الى حد يوجب حصول اليقين بالقضية المتواترة من جهة حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة.
واما إذا كان المخبرون جميعهم ثقة وعدولا ففي مثل ذلك يكون المؤثر العامل الكيفي والكمي معا ويحصل اليقن بالقضية المتواترة بأقل عدد من جهة ان العامل الكيفي ( وهو وثاقة المخبرين) مؤثر في المقام في تحصيل اليقن.
فالنتيجة ان التواتر الذي يوجب اليقين بصدق القضية المتواترة تارة يكون المؤثر فيه العامل الكمي فقط واخرى يكون المؤثر فيه العامل الكمي مع العامل الكيفي.
ثم ان الاجماع المنقول اذا كان المخبر به فتواى العلماء فقط فهو اخبار حدسي وغير مشمول لأدلة حجية اخبار الثقة لاختصاصها بالأخبار عن حس. وأما إذا كان الاجماع المنقول هو نقل لفظ الاجماع وكلمة الاجماع فهو امر محسوس فيثبت الاجماع لأنه رأى الاجماع في كتب الفقهاء او سمعه ونقل المسموع والمرئي فيكون نقله عن حس وإذا كان ثقة فيكون مشمولا لدليل الحجية.
ثم ان الأخبار المتواترة قد تكون بلا واسطة وقد تكون مع الواسطة فإذا كانت مع الواسطة فلا بد ان تكون في جميع الطبقات متواترة، ومع عدم تواترها في بعض الطبقات فلا يكون هذا الخبر متواترا لأنه لا بد ان يكون متواترا في جميع الطبقات. هذا كله في الوجه الاول.