الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر – الاجماع
الوجه الثاني- من وجوه الفرق بين الاجماع والتواتر-: ان المخبر في الأخبار المتواترة حيث ان أخباره عن حس فلا يقع تحت تأثير الآخر باعتبار ان أخبار الكل مستندا الى الحس والمشاهدة، مثلا إذا اخبر شخص عن موت زيد من جهة أنه سمع الصوت الحزين من بيته وهو كاشف عن موته واخبر شخص آخر به من جهة وجود جماعة امام بيته الكاشف عن موته وثالث عن موته من جهة انه رأى قطعة قماش أسود أمام بيته وآخر أخبر عن موته من جهة أنه رأى جنازة خرجت من بيته، فكل واحد منهم أخبر عن حس فلا يقع كل واحد منهم في أخباره تحت تأثير الآخر لأن أخبار كل واحد منهم مستندا الى الحس.
وأما المخبر في الاجماع فقد يقع تحت تأثير الآخر فإنه إذا رأى موافقة جماعة في المسألة كما لو رأى أنهم ذهبوا الى الوجوب في المسألة أو الى الحرمة فإن فتاويهم في الوجوب في هذه المسألة تلعب دورا مهما في فتوى هذا الشخص وفي موافقته لهم فإنه لولا ذهابهم الى الوجوب في هذه المسألة لم يصدر منه فتوى بالوجوب وحيث انه رأى أن هؤلاء الجماعة ذهبوا الى الوجوب في هذه المسألة وهو يلعب دورا مؤثرا في فتواه في الوجوب موافقة لهم او ان المتأخرين رأوا ان المتقدمين قد اجمعوا في هذه المسألة ولا شبهة في ان اجماعهم يلعب دورا مهما في التأثير في فتوى المتأخرين وموافقتهم لهم.
فمن هذه الناحية يختلف الاجماع عن التواتر. لأن المخبر في الاجماع قد يقع تحت تأثير المخبر الآخر باعتبار ان أخباره عن حدس واجتهاد وأما المخبر في التواتر فحيث ان أخباره عن حس فلا يقع تحت تأثير الآخر.
الوجه الثالث: أن منشأ الخطأ في الأخبار المتواترة يختلف من مخبر الى مخبر آخر نعم قد يجتمع ويكون السبب واحدا ولكن قد يختلف من مخبر الى مخبر آخر، مثلا شخص أخبر عن موت زيد من جهة سماع الصوت الحزين من بيته وآخر أخبر عن موته من جهة أنه رأى أن ابنائه يلبسون اللباس الأسود وثالث أخبر عن موته من جهة اجتماع جماعة أمام بيته، فاحتمال الخطأ في المخبر الاول في السماع، أي لعله أخطأ في السماع او كان سماع البكاء الحزين لأجل التعزية على المعصوم(ع) لا لأجل موت صاحب الدار، واما احتمال الخطأ في الثاني فلعل لبس السواد لابناء زيد من جهة لبسهم السواد للتعزية على المعصوم(ع) لا من جهة موت أبيهم. وهكذا فمنشأ الخطأ في الأخبار المتواترة قد يختلف من مخبر الى مخبر آخر وقد يجتمع.
بينما يكون منشأ الخطأ في الاخبار الحدسية هو الاجتهاد والحدس في الجميع ومنشأ الخطأ في الاجتهاد إما في تكوين القواعد العامة المشتركة وفق شروطها العامة في الحدود المسموح بها شرعا في الأصول فإنه قد يقع الخطأ في تكوين هذه القواعد وغفلته عن شرط من شروطها او من جهة عدم مقدرته العلمية في تكوين هذه القواعد بكافة شروطها، وقد يقع الخطأ في تطبيق هذه القواعد العامة المشتركة على مصاديقها الخاصة في الفقه إما من جهة الخطأ في شرط التطبيق والغفلة عنها او من جهة قصور في المقتضي وعدم مقدرته العلمية في تطبيق هذه القواعد، فإذا أخطأ في تطبيق القواعد العامة على عناصرها الخاصة فهو يؤثر في النتيجة وهي الفتوى بالوجوب او الحرمة او ما شاكل ذلك، وكذلك لو أخطأ في شرط من شروط تكوين القواعد العامة سواء كان منشأ الخطأ الغفلة او عدم المقدرة العلمية، فبطيعة الحال يكون هذا الخطأ مؤثرا في النتيجة.
واما احتمال الخطأ الناشئ عن الغفلة فمدفوع بأصالة عدم الغفلة لأنها من الأصول العقلائية وتجري في المقام وأما الخطأ الناشئ من عدم المقدرة العلمية فلا يمكن دفعه بأصالة عدم الخطأ.
وكيف ما كان فمنشأ الخطأ في الأخبار المتواترة قد يختلف من مخبر الى مخبر آخر وقد يجتمع واما منشأ الخطأ في الاجماع والأخبار الحدسية الاجتهادية فهو الخطأ في الاجتهاد والحدس في جميع الأخبار الحدسية سواء كان الخطأ في الاجتهاد والحدس في تكوين القواعد العامة المشتركة في الأصول أو تطبيقها على عناصرها العامة في الفقه وسواء كان في الكبرى او في تطبيقها على صغرياتها فهو مما يؤثر في النتيجة وهي الفتوى.
هذا من ناحية
ومن ناحية اخرى، إذا اخبر جماعة بلغ عددهم خمسين أو اكثر او مائة فلا شبهة في حصول اليقين بالصدق بالمخبر به لأن احتمال الكذب في الجميع غير محتمل إما بحساب الاحتمالات و بحساب تراكم الاحتمالات، فإن بتراكم الاحتمالات تصبح قيمة الصدق أكبر من قيمة الكذب الى ينتهي الى اليقين بالصدق او من جهة قاعدة عقلية وهي ان المصادفة لا تدوم، لأن التصادف إذا كان فهو مرة او مرتين او ثلاث مرات او أكثر بقليل  إلا انه لا يدوم الى خمسين مرة او أكثر، فيحصل اليقين بالصدق واما احتمال التواتر في الكذب فهو غير وراد لأن بعضهم لا يطلع على اخبار البعض الاخر فكيف يتصور التواطؤ بينهم على الكذب؟!
فالنتيجة أن اخبار جماعة من الأفراد عن شيء عن حس لا شبهة يوجب حصول اليقين به والعلم الوجداني به اما بحساب الاحتمال او من جهة قاعدة عقلية وهي عدم دوام الصدفة.
واما إذا كانت الأخبار حدسية كإجماع الفقهاء فتارة يكون مدرك الاجماع في المسألة معلوما كما لو كانت في المسألة رواية معتبرة سندا ودلالة وجهة، ومدرك المجمعين هذه الرواية فالمرجع هو هذه الرواية فلا بد من الرجوع الى هذه الرواية وملاحظتها سندا ودلالة وجهة، وبعد تمامية هذه الجهات الثلاث لا بد من ملاحظة ان يكون لها معارض او لا وإذا كان لها معارض يلاحظ هل يمكن الجمع الدلالي بينهما او لا يمكن، ومع عدم إمكان الجمع الدلالي العرفي بينهما تكون المعارضة بينهما مستقرة أي تنتقل المعارضة من مرحلة الدلالة الى مرحلة السند، فلا بد حينئذ من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة فإن كان لأحدهما مرجح على الاخر فلا بد من تقديمه عليه والحكم بحجيته وطرح الآخر، ومع عدم الترجيح لأي منهما فيسقطان معا من جهة المعارضة فلا بد من الرجوع الى قواعد أخرى وهذه القواعد تختلف باختلاف الفقهاء فقد يقال بالتخيير وقد يقال بأن مقتضى القاعدة الاشتغال وقد يقال بالبراءة.
وكيف ما كان فعملية الاجتهاد عملية معقدة. فبطيعة الحال تستلزم ملاحظة هذه العمليات جميعا من مرحلة سند الرواية الى مرحلة الدلالة الى مرحلة الجهة وعدم المعارض. والخطأ في أحد هذه الموارد وفي بعض هذه السلسة لا محالة يؤثر في الفتوى.
فالنتيجة أن المدرك إذا كان معلوما للمجمعين فالمرجع هو المدرك.
واما إذا لم تكن في المسألة رواية معتبرة سندا ودلالة وجهة مع وجود الاجماع في هذه المسألة فهل يكشف هذا الاجماع عن حكم شرعي في هذه المسألة؟ أي هل ان هذه الملازمة ثابتة حتى يكون هذا الاجماع كاشفا عن وجوب هذا الشيء في الشريعة المقدسة؟
تقدم أن الملازمة اما عقلية او عادية والعقلية ناشئة من الخصوصية الذاتية كالملازمة بين العلة والمعلول فإن المعلول يتولد من ذات العلة ومن مراتب وجودها النازل وليس المعلول شيئا أجنبيا عن العلة فتكون الملازمة بينهما ذاتية، ومن الواضح ان هذه الملازمة غير موجودة بين أقوال الفقهاء وبين الحكم الشرعي، لأن الحكم الشرعي أمر اعتباري فلا يعقل ان يكون معلولا لشيء غير اعتبار المعتبر لأن الأمر الاعتباري فعل اختياري للمعتبر يوجد باعتبار المعتبر مباشرة فلا يعقل ان يكون معلولا لشيء آخر ومتولدا من شيء آخر، فالملازمة العقلية غير متصورة.
واما الملازمة العادية فإنما هي في حالة خاصة كعروض الهرم على الإنسان ببلوغه عمر الثمانين سنة وهذا كاشف عن وجود خصوصية عند بلوغ الإنسان هذه المرحلة، وهذه الخصوصية مؤثرة في عروض الهرم، وكذا نبات اللحية عند بلوغه سن الرابعة عشر سنة، وهو كاشف عن هذه الخصوصية المشتركة بين جميع أفراد الإنسان وهي مؤثرة في انبات اللحية والشعر ومن الواضح ان هذه الخصوصية لا تتصور بين الاجماع وبين الحكم الشرعي.
فإذن لا تعقل الملازمة بين الاجماع وبين الحكم الشرعي لا الملازمة العقلية ولا الملازمة العادية.
فمن أجل ذلك لا يمكن الحكم بثبوت الحكم بواسطة الاجماع إلا إذا وصل هذا الاجماع إلينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة من زمن الأئمة (ع) فيكون حجة حينئذ لإمضاء الشارع له.