الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر- الاجماع المنقول
ذكرنا انه قد استدل على حجية الاجماع المنقول بوجوه:
الوجه الاول: أن ادلة حجية أخبار الآحاد تشمل الاجماع المنقول بخبر الواحد أيضا لأنه من مصاديقه.
الوجه الثاني: أن الاجماع المنقول كاشف عن قول المعصوم أو عن دليل شرعي في المسألة.
الوجه الثالث: أن حجية الاجماع المنقول مبنية على قادة اللطف.
الوجه الرابع: أن حجية الاجماع المنقول منوط بإمضاء الشارع وقوله بأن الاجماع لا يكون خاطئا، فإذا أجمع الفقهاء على شيء فلا يخطأ الواقع.
أما الوجه الاول فهو بمني على تمامية مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن يكون نقل اجماع الفقهاء في المسألة عن حس لا عن حدس.
المقدمة الثانية: أن يكون المخبر به أجماع الفقهاء في المسألة ملازما لقول المعصوم عليه السلام، فإن الناقل إنما ينقل السبب للكشف عن المسبب وهو قول المعصوم عليه السلام فالإجماع المنقول في المسألة كاشف عن قول المعصوم في تلك المسألة.
ولكن كلتا المقدمتين غير تامة.
اما المقدمة الأولى فلأن عمدة الدليل على حجية أخبار الآحاد السيرة القطعية من العقلاء الجارية بين الناس والمرتكزة في أذهانهم فهذه السيرة الممضاة شرعا مشروطة بشرطين:
الشرط الاول: ان يكون المخبر ثقة لا مطلق خبر الآحاد.
الشرط الثاني: أن يكون عن حس او قريب عن حس واما إذا كان عن حدس فلا يكون مشمولا للسيرة، وحيث ان عمل العقلاء بشيء لا يمكن ان يكون جزافا  وتعبدا فإن التعبد لا يتصور في عمل  العاقل إذ العاقل أي عمل يعمله في الخارج لا بد ان يكون له غاية وهدف والتعبد إنما يتصور في الأحكام الشرعية المولوية بين الموالي والعبيد إذ وظيفة العبيد العمل بأوامر  الموالي تعبدا من دون أن يفهم ويدرك مصالحها وملاكاتها فالتعبد إنما يتصور في الأحكام الشرعية.
وأما في أفعال العقلاء فلا يتصور التعبد فلا بد أن تكون مبنية على نكتة تبرر تلك الافعال.
وحيث ان سيرة العقلاء قد جرت على العمل بأخبار الثقة دون غيرها فلا بد ان تكون مبنية على نكتة ولا يمكن ان تكون جزافا، وتلك النكتة هي أقربية أخبار الثقة الى الواقع وكاشفيتها نوعا عن الواقع أقوى من كاشفية أخبار غير الثقة، فهذه النكتة هي المبررة لعمل العقلاء بأخبار الثقة دون غيرها وكذلك عمل العقلاء بأخبار الثقة عن حس او قريب من الحس باعتبار ان الأخبار الحسية أقرب نوعا من الأخبار غير الحسية الى الواقع وكاشفيتها أقوى من كاشفية غيرها عن الواقع.
فمن اجل ذلك جرت سرية العقلاء على العمل بالأخبار الحسية دون الأخبار الحدسية وأصالة عدم الخطأ إنما جرت في الأخبار الحسية فإن احتمال تعمد الكذب منفي لأنه في مقام الأخبار.
واما احتمال الخطأ والغفلة فهو منفي بأصالة عدم الخطأ وأصالة عدم الغفلة لأنها من الأصول العقلائية، والخطأ نادر في الأمور الحسية والغفلة نادرة في الأمور الحسية وأصالة عدم الغفلة وعدم الخطأ لا تجري في الأخبار الحدسية، فمن اجل ذلك لا تكون مشمولة للسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا.
فالنتيجة ان سيرة العقلاء قد جرت على العمل بأخبار الآحاد بشرطين: ان يكون المخبر ثقة، والثاني ان يكون الخبر عن حس او قريبا من الحس.
وهذه السيرة هي عمدة الدليل على حجية أخبار الآحاد وهي ممضاة شرعا.
واما الاجماع المنقول فهو مبني دائما او غالبا مبني على الحدس والاجتهاد فإن مَن نقل الاجماع او أدعى الاجماع في المسألة فهو مبني على الحدس والاجتهاد إما مبني على حسن الظن بجماعة كما لو ذهب جماعة من الفقهاء الى حكم ما في مسألة وهناك فقيه آخر لحسن ظنه بهم أدعى الاجماع في المسألة أو مبني على الاجتهاد وتطبيق الرواية على المسألة التي يكون مضمونها بنظره أمر متفق عليه بين الأصحاب فمن اجل ذلك أدعى الاجماع، او مبني على تطبيق قاعدة اللطف بتخيّل أن هذه القاعدة مسلمة وهذه المسألة مصداق لها.
فالإجماع المنقول غالبا لو لم يكن دائما مبني على الحدس والاجتهاد وإلا فهو لم يحصِّل الاجماع في المسألة.
فإذن نقل الاجماع في المسألة ليس مبنيا على الحس او قريب من الحس فلا يكون مشمولا للسيرة.
هذه هي المقدمة الأولى.
واما المقدمة الثانية فهي مبنية على تمامية المقدمة الأولى بأن يكون نقل الاجماع في المسألة عن حس او قريب من الحس فالمقدمة الثانية مبنية على تمامية المقدمة الاولى لأنها تقوم على أساس الملازمة بين اجماع الفقهاء في المسألة وكشفه عن قول المعصوم عليه السلام ومن الواضح ان هذه الملازمة إذا كانت ثابتة بين اجماع الفقهاء في المسألة وكشفه عن قول المعصوم(ع) لكانت نتيجتها حجية الاجماع المنقول، إذ لا فرق في حجية خبر الواحد بين ان قول المعصوم مدلولا مطابقيا له او يكون مدلولا التزاميا فإن ناقل الاجماع ينقل الاجماع وهو سبب للكشف عن قول المعصوم لوجود الملازمة بينهما وهذه الملازمة تشكل دلالة التزامية، فيكون إخباره عن اجماع الفقهاء في المسألة يدل على ثبوت الاجماع بالمطابقة وعلى ثبوت قول المعصوم بالالتزام وهذا الخبر حجة إذ لا فرق بين ان يكون قول المعصوم (ع) مدلولا مطابقيا او مدلولا التزاميا.
فالنتيجة أن هذه المقدمة مبنية على تمامية المقدمة الاولى وثبوت الملازمة بين الاجماع المنقول إذا كان نقله عن حس وبين قول المعصوم(ع).
ولكن كلا الأمرين لا واقع موضوعي له.
أما الأمر الاول فقد تقدم أن الاجماع المنقول لو لم يكن دائما فغالبا نقله مبنيا على الحدس لا على الحس، واما الثاني فلا بد من إثبات الملازمة بين الاجماع المنقول اذا كان عن حس وبين قول المعصوم(ع) فهل هذه الملازمة ثابتة او لا ثبوت لها؟
فيقع الكلام في مرحلتين:
المرحلة الاولى: في نوع هذه الملازمة.
والمرحلة الثانية: في شروط هذه الملازمة.
أما الكلام في المرحلة الاولى فقد ذكر الأصوليون ومنهم المحقق الخراساني(قده) أن الملازمة على ثلاثة أنواع:
النوع الاول: الملازمة العقلية كالملازمة بين ثبوت التواتر والعلم به، او الملازمة بين وجوب شيء وبين وجوب مقدمته وبين الأمر بشيء والنهي عن ضده فهذه الملازمة عقلية.
النوع الثاني: الملازمة العادية كالملازمة بين بقاء زيد وانبات لحيته او بين طول عمر الانسان وعروض الهرم عليه.
النوع الثالث: الملازمة الاتفاقية وهي كثيرة الوقوع ككثير من الاتفاقيات التي تحصل عند سفر زيد في ساعة معينة من العام مثل دخوله المستشفى وغيره من الافعال الاتفاقية.