آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

تحصل مما ذكرنا ان الاستصحاب متقوم بأركان ثلاثة:

الركن الأول: اليقين بالحدوث.

الركن الثاني: الشك في البقاء

الركن الثالث: ترتب أثر عملي على البقاء.

فإذا توفرت هذه الأركان الثلاثة في الاستصحاب جرى والا لم يجر.

وهل يمكن تطبيق ذلك على الاستصحاب القهقرائي او لا يمكن؟

الظاهر انه لا يمكن فإن في الاستصحاب القهقرائي اليقين وإن كان موجودا الا ان الشك في البقاء غير موجود فإن المكلف وإن كان متيقنا بظهور الآيات الكريمة والسنن والروايات بظهورها في معانيها فعلا وهذا الظهور موجود الا انه ليس هنا شك في البقاء بل الشك إنما هو في أن هذا الظهور هل هو ثابت من حين صدور الآيات او السنن او الروايات او لا .

فإذن لا يمكن شمول دليل الاستصحاب للمقام فإن قضية قوله عليه السلام( لا تقض اليقين بالشك) أو قوله عليه السلام( فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك)[1] فإن هذه القضية إما تعبدية او ارتكازية ولا ثالث لهما.

أما على الأول ـــ كما قويناه في مبحث الاستصحاب، أي أن هذه القضية قضية تعبدية وليس ارتكازية عقلائية ـــ فلا شبهة في ان هذه القضية وهذه الكبرى لا تنطبق على المقام إذ المقام ليس من صغرياتها لأن هذه القضية هي الشك في بقاء المتيقن وأما في المقام فليس الشك في بقاء المتيقن وإنما هو في ثبوت المتيقن من السابق والمتيقن ثابت فعلا والشك إنما هو في ثبوته من الأول، وهو ليس مصداقا لهذه الكبرى.

فإذن لا تنطبق عليه هذه القضية بنحو انطبق الكبرى على الصغرى.

واما على الثاني وهو ان هذه القضية قضية ارتكازية عقلائية ـــ كما هو المشهور بين الاصوليين أي ان قضية عدم نقض اليقين بالشك قضية ارتكازية عقلائية ـــ فأيضا لا تنطبق هذه القضية على المقام لأنها وإن كانت ارتكازية وعقلائية ولكن المقام ليس من صغريات هذه الكبرى ومن مصاديقها فإن مصاديق هذه الكبرى هو الشك في بقاء المتيقن وأما في المقام فليس الشك في بقاء المتيقن وإنما هو في ثبوت المتيقن من الأول فإن المتيقن ثابت فعلا والشك انما هو في ثبوته من الاول.

فإذن المقام ليس من صغريات هذه الكبرى حتى تنطبق هذه الكبرى والمفروض ان المقام في نفسه ليس أمرا ارتكازيا فإن كلما هو ثابت بالفعل فإذا شككنا في انه ثابت من الاول او غير ثابت فثبوته من الاول ليس امرا ارتكازيا ولا دليل على ذلك.

فالنتيجة انه لا دليل على حجية الاستصحاب القهقرائي وأدلة الاستصحاب لا تشمل هذه الاستصحاب.

وحينئذ لا يمكن إثبات عدم النقل بالاستصحاب القهقرائي.

ويمكن ان يكون المراد من أصالة عدم النقل أصالة الظهور التي هي من الأصول اللفظية وتكون حجة ببناء العقلاء إذ العقلاء قد بنو على التمسك بأصالة الظهور والعمل بها وهذا البناء ممضًى شرعا فتكون أصالة الظهور حجة وكاشفة عن الواقع.

والمانع من هذه الأصالة إنما هو نقل الفاظ الكتاب والسنة والروايات من معانيها اللغوية والعرفية الى معانيها الشرعية فإن هذا النقل يكون مانعا عن التمسك بهذه الأصالة إذ لا شبهة في أن الآيات الكريمة والسنن والروايات ظاهرة في معانيها اللغوية والعرفية وهي كاشفة عن ثبوتها من الاول أي من حين صدورها والمانع من كشفها انما هو نقل هذه الالفاظ عن معانيها اللغوية والعرفية الى المعاني الشرعية وهذا النقل غير ثابت فإن الحقيقة الشرعية غير ثابتة وهذه الالفاظ مستعملة في معانيها اللغوية والعرفية واحتمال النقل لو كان فهو نادر ولا يعتنى به ولا يكون مانعا عن التمسك بأصالة الظهور.

فإذن أصالة الظهور حيث انها أمارة وكاشفة عن ثبوت هذه المعاني واستعمال هذه الالفاظ فيها من الاول أي من حين صدورها والمانع عن هذا الكشف انما هو النقل وهو غير ثابت ولو كان فهو نادر ولا اثر لاحتماله، ويؤكد ذلك انه لا شبهة في ان في زمن الأئمة(ع) يتمسك الناس بظواهر الآيات والسنن مع أن الفصل بين هؤلاء وبين صدور الآيات لعله مئات السنين ولا يعتنون باحتمال النقل فإن النقل غير ثابت وعلى تقدير ثبوته فهو نادر جدا ولا أثر لاحتماله واحتماله لا يكون مانعا عن التمسك بأصالة الظهور وأصالة العموم وأصالة الاطلاق بل هو موجود في زماننا هذا ايضا، فإنه إذا كانت هناك ورقة وقف أو وصية قبل خمسمائة سنة فلا شبهة في أن فهم الناس من هذه الورقة فعلا حجة فهم يفهمون من هذه الالفاظ الموجودة في حجة الوقف او حجة الوصية معنى وهذه الالفاظ ظاهرة في هذا المعنى وهذا الظهور حجة وكاشف عن انه ثابت من حين كتابة هذه الحجة مع ان الفصل بزمان طويل بين كتابة هذه الحجة وبين فهمها.

فالنتيجة انه لا شبهة في صحة التمسك بأصالة الظهور واحتمال النقل لا أثر له لو ثبت مع انه غير ثابت.

هذا مضافا الى ما ذكرناه من ان المناط إنما هو بالظهور العرفي النوعي الموضوعي فإن الظهور العرفي النوعي الموضوعي لا يختلف باختلاف الافراد والزمان والمكان، وذكرنا ان ثبوت هذا الظهور إنما هو فيما إذا كان المتكلم إنسانا اعتياديا عرفيا ولا تكون فيه حالات شاذة وقد توفر على العناصر الثلاثة المتقدمة فإذا كان المتكلم كذلك وفي مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة على الخلاف انعقد الظهور العرفي وهو ظهور حال المتكلم في أنه أراد المعنى من كلامه بإرادة جدية وهذا الظهور هو الموضوع لحجية أصالة الظهور وهو ظهور عرفي نوعي وموضوعي في مقابل الظهور الذاتي الشخصي المختلف باختلاف الافراد والزمان والمكان، والمفروض ان الظهور النوعي العرفي الموضوعي لا يختلف باختلاف الافراد والزمان والمكان، ومن هنا إذا ثبت ان ظهور الآيات والروايات في معانيها ظهور نوعي موضوعي فهو كاشف عن ان الظهور في هذه المعاني ثابت من حين صدورها ايضا لأنه ظهور عرفي وهو لا يختلف باختلاف الافراد والأزمان والأمكنة.

فالنتيجة أنه يمكن التمسك بأصالة الظهور في المقام لإثبات ان هذه الآيات والسنن والروايات ظاهرة في هذه المعاني اللغوية والعرفية من حين صدورها أيضا.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص466، ابواب النجاسات والأواني والجلود، باب37، ح1، ط آل البيت.