آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر- ظواهر الكتاب

تحصل مما ذكرنا أنه لا شبهة في أن تفسير القرآن بالرأي ممنوع وغير جائز وهذه الكبرى مسلمة ولكن الإخباريين جعلوا حمل الآيات على ظاهرها من التفسير بالرأي ومن الواضح ان حمل اللفظ على ظاهره ليس من صغريات هذه الكبرى فإن التفسير لغة وعرفا معناه كشف القناع ورفع الستر ورفع الإبهام ومن الواضح انه لا إبهام في الظهور ولا قناع فيه فإن الظهور أمر عرفي وعقلائي ومكشوف عند العرف والعقلاء فلا ستر فيه فلا يصدق عليه عنوان التفسير.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم انه مما يصدق عليه التفسير فلا شبهة في أنه ليس من التفسير بالرأي الممنوع فإن الظهور أمر عرفي أي هو تفسير لدى العرف والعقلاء وهذا مطلوب وليس ممنوعا، والممنوع انما هو التفسير بالرأي، وفي الرأي احتمالان:

الاحتمال الاول: تفسير القرآن على وفق رغباته وميوله الذاتية والنفسية والأغراض الدنيوية ومصالحه الذاتية الشخصية، وأما التفسير على وفق المصالح العامة الواقعية الموضوعية فهو مطلوب.

الاحتمال الثاني: المراد من التفسير بالرأي المدارس التي بنيت في زمن الأئمة(ع) في مقابل مدرسة أهل البيت(ع) فإن هذه المدارس مدارس آراء واحتمالات وظنون واستحسانات وقياس كمدرسة أبي حنيفة وغيرها.

ولكن هذا الاحتمال بعيد جدا.

والظاهر ان المراد من الرأي هو الاحتمال الاول، أي تفسير القرآن على وفق ما يرغبه الانسان ويميل اليه نفسيا ووفق مصلحته الشخصية الذاتية وهو أخطر ما يكون لأنه يؤدي الى عدم الإيمان بأن القرآن مصدر التشريع وأنه نزل لهداية البشر عامة ويؤدي الى انكار الرسالة ويوجب الكفر، فلأجل ذلك لا يجوز هذا التفسير.

وأما الاجتهاد الشخصي من الآيات القرآنية وآيات الأحكام فلا مانع منه فإن الاجتهاد إذا كان مبنيا على تطبيق القواعد العامة المشتركة على عناصرها الخاصة فلا مانع منه فإن القواعد العامة التي تكونت في الأصول في الحدود المسموح بها شرعا على وفق شروطها العامة والخاصة فتطبيق هذه القواعد على المسائل الفقهية وعناصرها الخاصة فتكون النتيجة مسألة فقهية فهذا مما لا مانع منه، بل الاجتهاد بهذا المعنى أمر ضروري لأن مقتضى إيمان الإنسان بالدين لا بد أن يكون إما مجتهدا او مقلدا ولا يمكن ان لا يكون مجتهدا ولا مقلدا لأن معناه ان لا يكون معتقدا بالدين، فالاجتهاد بالمعنى الصحيح وهو تطبيق القواعد العامة المشتركة المدونة في الاصول على عناصرها الخاصة في الفقه لتكون النتيجة مسألة فقهية أو أصولية فلا مانع منه بل هو ضروري كضرورية التقليد فلا فرق من هذه الناحية بين الآيات والروايات.

فالنتيجة: أن هذه الطائفة من الروايات لا تدل على عدم حجية ظواهر الكتاب.

الطائفة الثالثة: الروايات التي تدل[1] على ان فهم القرآن مختص بالنبي الأكرم(ص) وبالمعصومين(ع) ولا يفهمه الا هؤلاء كما ورد في مرسلة شعيب وقتادة، وقد ورد في مرسلة قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به. وهو النبي(ص).

فإذن هذه الروايات تنص على ان ظواهر الكتاب لا تكون حجة يعني أن غير المعصومين لا يفهم القرآن فلا يمكن له العمل به.

والجواب عن ذلك:

أولاً: ان هذه الروايات جميعا روايات مرسلة وضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليها والاستدلال بها على عدم حجية ظواهر الكتاب.

وثانيا: مع الاغماض عن ذلك فهذه الروايات على خلاف الوجدان والمشاهد والمحسوس في الخارج، إذ المحسوس في الخارج والمشاهد فيه أن الناس تفهم نصوص القرآن وظواهره ويعملون به.

هذا مضافا الى انه لا يمكن تخصيص خطابات القرآن بالنبي الأكرم(ص) كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ) أو (يا أيها الناس) او (إذا قمتم إلى الصلاة) وما شاكل ذلك من الخطابات القرآنية لأنه تخصيص بالفرد النادر وهو لا يمكن، فإن هذه الخطابات موجهة الى جميع من كان حاضرا في المسجد او المجلس وجميع المشافهين، وأما المقصودين بالإفهام من هذه الخطابات فهم جميع البشر بكافة أصنافهم وطوائفهم وكل من وصل اليه هذا الكتاب فهو مقصود بالإفهام منه الى يوم القيامة.

وأما الخطاب فهو موجه الى الحاضرين في المجلس إذ لا معنى للتخاطب مع الغائبين فضلا عن المعدومين.

ودعوى ان المراد من هذه الروايات الدالة على ان فهم القرآن مختص بمن خوطب به أن المراد منه فهم باطن القرآن لأن هناك روايات كثيرة تدل على ان للقرآن باطنا فقد ورد في بعضها أن للقرآن بطونا سبع ومن الواضح ان فهم بطون القرآن مختص بالمعصومين وبمن خوطب بالقرآن ولا طريق لنا الى بطن القرآن.

هذه الدعوى مدفوعة لأن هذه الروايات ظاهرة في ان فهم القرآن مختص بمن خوطب به ومن الواضح ان من خوطب به خوطب بظاهر القرآن لا بباطنه فالنبي الأكرم(ص) كان مخاطبا بظاهر القرآن فهذه الروايات تدل على ان ظاهر القرآن مختص بمن خوطب به، فهذه الدعوى لا أساس لها.

إلى هنا قد تبين ان جميع هذه الطوائف من الروايات التي استدل بها الإخباريون على عدم حجية ظواهر الكتاب لا تدل على مدعاهم بل هي أجنبية عن ذلك.

ثم لو اغمضنا عن ذلك وسلمنا ان هذه الطوائف من الروايات تدل على عدم حجية ظواهر الكتاب وهي تامة من ناحية السند، إلا أنها معارضة بالروايات الكثيرة التي تبلغ من الكثرة حد التواتر الاجمالي الدالة على حجية ظواهر الكتاب، ومعارضة أيضا بالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين على العمل بظواهر الكتاب من زمن النبي الأكرم(ص) الى زماننا هذا، وحيث ان هذه الطوائف من الروايات الدالة على عدم حجية ظواهر الكتاب على تقدير تسليم دلالتها على ذلك مخالفة للسنة القطعية قولا وعملا، فلا بد من طرحها إذ لا تكون حجة لأن الروايات المخالفة للكتاب او السنة لا تكون حجة.

وأما الروايات التي تدل على حجية ظواهر الكتاب فهي تقسم الى عدة طوائف:

الطائفة الأولى: روايات الثقلين[2] .

فإن هذه الروايات تدل على التمسك بظاهر الآيات والروايات أو التمسك بالقرآن والتمسك بالعترة كما في بعض هذه الروايات ما إن تمسكتم بهما(أي بالقرآن وبالعترة) وفي بعض الروايات بالقرآن والسنة والمراد من السنة أيضا هو العترة فإن المراد من السنة هي الروايات الصادرة من الأئمة الأطهار(ع) لأنه بعد النبي الأكرم إما ان يعمل الناس بالقرآن أو يعمل بالروايات الصادرة من الأئمة الأطهار(ع) ولا يوجد غيرهما فهذا الاختلاف اختلاف في التعبير فقط في هذه الروايات فالمراد من التمسك بالسنة هو التمسك بالعترة فمآلهما واحد وهو التمسك بالروايات الصادرة من الأئمة الأطهار والمفروض انهما لن يفترقا الى أن يردا على الحوض ومعنى عدم افتراقهما هو كما أن السنة بنصوصها وظواهرها حجة كذلك الكتاب بنصوصه وظواهره حجة ولا يمكن التفريق بينهما بأن تكون ظواهر السنة حجة دون ظواهر الكتاب، لأن هذا تفريق بينهما مع ان الوارد في هذه الروايات انهم لن يفترقا الى ان يردا على الحوض.

فإذن روايات الثقلين التي هي روايات معتبرة تدل على حجية ظواهر الكتاب كما انها تدل على حجية ظواهر السنة.

الطائفة الثانية: الروايات الآمرة بعرض الروايات على الكتاب[3] ، فإن كان فيه شاهد عليها يؤخذ بها وإلا فلا، ومن الواضح ان المراد من عرض الروايات على الكتاب عرضها على ظواهر الكتاب لا عرضها على نصه والا لزم حملها على الفرد النادر وهو لا يمكن، فهذه الروايات تدل على حجية ظواهر الكتاب في المرتبة السابقة.

الطائفة الثالثة: الروايات الدالة على ان الأخبار المتعارضة لا بد من عرضها على الكتاب فإن كان أحدهما موافقا للكتاب والآخر مخالفا له فالموافق حجة دون المخالف، ومن الواضح ان المراد من عرضهما على الكتاب عرضهما على ظاهر الكتاب، ولا يمكن حمله على نص الكتاب لأنه فرد نادر جدا.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص185، أبواب صفات القاضي، باب13، ح25، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص204، أبواب صفات القاضي، باب13، ح77، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص106، أبواب صفات القاضي، باب9، ح1، ط آل البيت.