آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: حجية الظواهر

إلى هنا قد تبين أن الآية الشريفة ـــ بناءً على أن المتشابه يشمل الظاهر ــــ تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات تعبدا لا واقعا، لأن هذه الدلالة مستندة الى الظهور والظهور غايته أنه يفيد الظن فهذه الدلالة ظنية، وعلى هذا فالملازمة بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات وبين عدم حجية ظاهر هذه الآية إن كانت واقعية وقطعية فالدلالة الالتزامية تكون قطعية لأنها تشكل دلالة التزامية قطعية فعندئذ يستحيل هذه الدلالة فإن هذه الآية المباركة تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات بالمطابقة وبالالتزام على عدم حجية نفسها فلو كانت هذه الدلالة قطعية لزم من فرض وجود حجيتها عدم حجيتها واقعا، وهو مستحيل،

ولكن حيث ان هذه الدلالة ظنية فالملازمة بينهما ملازمة ظنية وليست ملازمة واقعية وقطعية أي الملازمة بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات وعدم حجية ظاهر هذه الآية ظنية.

وعلى هذا فهذه الآية تدل عدم حجية ظواهر سائر الآيات تعبدا بالمطابقة وبالالتزام على عدم حجية نفسها تعبدا وظاهرا، وهذا ليس بمحال، لاحتمال عدم مطابقة هذه الدلالة للواقع، غاية الامر أنه لا يمكن الالتزام به في مقام الاثبات، لأن جعل الحجية لشيء الذي يستلزم منه عدم حجيته ظاهرا لغو، لا أنه محال.

فإذن لا يلزم من فرض وجودها عدمها واقعا حتى يكون محالا، بل يلزم من فرض وجود حجيتها عدم حجيتها ظاهرا، وهذا ليس بمحال، بل هو لغو من هذه الناحية، فلا يمكن الالتزام به،

والظاهر ان الآية الشريفة من القضايا الخارجية لا من القضايا الحقيقية، وأما القضية الحقيقية على ما تقدم من أنها تنحل الى قضايا متعددة الى ما لا نهاية له سواء كانت إنشائية أم إخبارية فقد ذكرنا أن هذا مجرد افتراض، وليس هذا معنى القضية الحقيقية، فإن القضية الحقيقية الانحلال فيها واقعي لا افتراضي وهمي، مثلا الشارع جعل وجوب الحج على المستطيع والوجوب ينحل بانحلال المستطيع في الخارج، فمتى وجد المستطيع في الخارج وجد الوجوب، وكذلك جعل الشارع وجوب الصلاة على البالغ العاقل القادر بنحو القضية الحقيقية وهذا الوجوب ينحل بانحلال موضوعه في الخارج فمتى وجد البالغ العاقل القادر وجد الوجوب أيضا وهذا معنى فعلية فاعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج، وليس معنى القضية الحقيقة التحليلات العقلية في عالم والذهن، فإن الانحلال في القضية الحقيقية واقعي، هذا كله في مقام الثبوت.

واما في مقام الاثبات فهل هنا دليل على حجية ظواهر الآيات يشمل ظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات أو يشمل ظهور هذه الآية دون ظهور سائر الآيات أو بالعكس أولا هذا ولا ذاك؟

والجواب ان الدليل على حجية الظواهر سيرة العقلاء الممضاة شرعا فإن هذه السيرة من جهة إمضاء الشارع تكون حجة وتدل على حجية ظواهر الالفاظ ومنها ظواهر الكتاب وظواهر الآيات ومن الواضح ان هذه السيرة لا يمكن ان تشمل ظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات معا، لاستلزامه التناقض والتهافت فإن الجمع بين ظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات غير ممكن، فلا يمكن شمول السيرة لظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات ولا يمكن ان تدل على حجية ظهور هذه الآية وظواهر سائر الآيات معا، فهذا غير معقول، واما شمول السيرة لظهور أحدهما إما ظهور هذه الآية أو ظواهر سائر الآيات فهو وإن كان ممكنا إلا أنه لا يمكن في مقام الإثبات، لأن نسبة الدليل إلى كلا الظهورين نسبة واحدة فلا يمكن الحكم بأن السيرة تشمل أحدهما ولا تشمل الآخر، لأنه ترجيح من غير مرجح، فلا يمكن ذلك.

فإذن السيرة لا تشمل كلا الظهورين معا، لاستلزامه التناقض والتهافت أي يلزم من حجيته عدم الحجية، وأما شمول السيرة لأحد الظهورين إما ظهور هذه الآية أو ظواهر سائر الآيات فهو لا يمكن من جهة الترجيح بلا مرجح بعد ما كانت نسبة السيرة الى كلا الظهورين نسبة واحدة وعلى حد سواء.

هذا مضافا الى ان تخصيص السيرة بظهور هذه الآية وخروج ظواهر سائر الآيات عن السيرة فمعنى ذلك أن ظواهر سائر الآيات لا دليل على حجيتها، فإن الدليل على حجية الظواهر منحصر بالسيرة والسيرة مختصة بظهور هذه الآية من جهة دليل خارجي، وإما ظهور سائر الآيات فقد خرج عن السيرة، فإذن لا دليل على حجيتها، وعلى هذا فالاستدلال بهذه الآية على عدم حجية ظواهر سائر الآيات يكون لغوا وبلا فائدة لفرض أن ظواهر تلك الآيات لا تكون حجة من جهة عدم الدليل على حجيتها فلا مبرر للاستدلال على هذه الآية على عدم حجيتها أيضا لأنه لغو، فمن أجل ذلك هذا التخصيص أولاً بحاجة الى دليل. وثانياً على تقدير التخصيص فلا يمكن الاستدلال بها على عدم حجية ظواهر سائر الآيات لأنه لغو، باعتبار ان ظواهر سائر الآيات لا يكون حجة في المرتبة السابقة فلا معنى للاستدلال على عدم حجيتها، فإن الاستدلال على عدم حجيتها يكون لغوا.

وبكلمة واضحة أن هذه الآية المباركة ناظرة الى ظواهر سائر الآيات وتدل على عدم حجيتها ومن الواضح ان شمول هذ الآية لظواهر سائر الآيات إنما هو بالإطلاق لا بالنص فإذن ما هو الدليل على حجية ظاهر هذه الآية؟ والدليل على حجية ظاهر الآية إنما هو سيرة العقلاء والمفروض ان سيرة العقلاء لا يمكن ان تشمل كلا الظهورين معا أي ظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات لاستلزامه التناقض والتهافت.

وأما تخصيص سيرة العقلاء بظهور هذه الآية فهو أيضا لا يمكن لأن هذه الآية تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات بالمطابقة وبالالتزام على عدم حجية نفسها، وعندئذ يلزم من فرض حجيتها عدم حجيتها ظاهرا، وهذا وإن لم يكن محالا إلا أنه لغو و بلا فائدة، فمن أجل ذلك لا يمكن تخصيص السيرة بظاهر هذه الآية لاستلزامه هذا المحذور فإن هذه الآية بظهورها تدل على عدم حجية ظواهر سائر الآيات تعبدا وبالالتزام من جهة تنقيح المناط او من جهة الملازمة الظنية تدل على عدم حجية نفسها فيلزم من فرض وجود حجيتها عدمها ظاهرا وهذا وإن لم يكن محالا لكنه لغو ضرورة أن جعل الحجية لشيء يستلزم عدم حجيته ظاهرا فهو لغو ولا يكن صدوره من المولى الحكيم.

واما تخصيص السيرة بظواهر سائر الآيات بالدليل فلا مانع منه فإذا كان هناك دليل يدل على تخصيص السيرة بظواهر سائر الآيات فلا يلزم هذا المحذور.

فالنتيجة أن الدليل على حجية الظواهر السيرة وهي لا تشمل كلا الظهورين أي ظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات معا لاستلزامه التناقض وأما شمولها لظهور هذه الآية وتخصيص السيرة بظهور هذه الآية فهو لا يمكن لاستلزامه محذور اللغوية وهو يلزم من فرض حجيتها عدم حجيتها ظاهرا، ولكن لا مانع من تخصيص السيرة بدليل بظواهر سائر الآيات فإنه لا يلزم هذا المحذور.

ثم أن المستفاد من مجموع صدر هذه الآية وذيلها أنها أجنبية عن الدلالة على عدم حجية الظواهر، فإن الوارد فيها ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ[1] فمورد هذه الآية بحسب المستفاد من صدرها وذيلها هم النصارى فقد كان منهم معاندون للدين الإسلامي يتبعون المتشابه من الآيات الكريمة ابتغاء الفتنة بين المسلمين وتأويله بما لا يرضي الله حتى تتزلزل عقائد المسلمين بالإسلام.


[1] آل عمران/السورة3، الآية7.