آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية أصالة الظهور

أما الكلام في النقطة الثالثة وهي ان موضوع حجية أصالة الظهور هل هو الظهور التصديقي او الظهور التصوري؟

والجواب عنه : ان هنا قولين:

القول الاول: ان موضوع حجية أصالة الظهور هو الظهور التصوري.

القول الثاني: ان موضوع حجيتها الظهور التصديقي.

أما القول الاول فقد ذهب اليه المحقق الاصفهاني(قده)[1] وقد ذكر(قده) ان موضوع حجية أصالة الظهور هو الظهور التصوري مع عدم العلم بالقرينة على الخلاف وفي موارد الشك في وجود القرينة سواء كان الشك في القرينة المتصلة أم كان في القرينة المنفصلة فلا مانع من التمسك بأصالة الظهور ابتداءً وبلا حاجة الى التمسك بأصالة عدم القرينة، باعتبار ان الظهور التصوري محفوظ على كل حال سواء كان الشك في القرينة المتصلة ام كان في القرينة المنفصلة وسواء جرت أصالة عدم القرينة في الواقع ام لم تجر فعلى جميع التقادير الظهور التصوري محفوظ.

هكذا ذكره(قده) ولكن للمناقشة فيه مجالا واسعا.

إذ لا شبهة في ان الظهور التصوري ظهور ذاتي تكويني ذهني وقهري ولا واقع موضوعي له في الخارج فإنه عبارة عن الملازمة التكوينية الذهنية القهرية بين تصور اللفظ وتصور المعنى ولا يكشف عن الخارج ( الواقع) وإنما هو موجود في عالم الذهن فقط ولا يتعدى عن هذا العالم الى عالم الواقع فالظهور التصوري لا يكون كاشفا عن الواقع فكيف يمكن بناء العقلاء على العمل بهذا الظهور وجريان سيرتهم على العمل به؟ مع ان بنائهم على العمل بشيء لا يمكن ان يكون جزافا وبدون مبرر وسيرتهم على العمل بشيء لا يمكن ان تكون جزافا وتعبدا وبلا مبرر وحيث ان الظهور التصوري لا يكون كشفا عن الواقع اصلا وإنما هو موجود في عالم الذهن ولا واقع موضوعي له الا وجوده في عالم الذهن ولهذا يكون هذا الظهور ظهور ذاتي تكويني قهري وهو عبارة عن الملازمة الذهنية القهرية بين تصور اللفظ وتصور المعنى ولا واقع موضوعي له ما عدا ذلك ولا يكون كاشفا، فكيف يمكن ان يكون الظهور التصوري موضوع لحجية أصالة الظهور؟ فإن أصالة الظهور من الاصول العقلائية الكاشفة عن الواقع وبناء العقلاء عليها من جهة كشفها عن الواقع فكيف يعقل ان يكون هذا الظهور موضوع لحجية أصالة الظهور؟ نعم الظهور التصوري مقدمة للظهور التصديقي إذ هو مبدأ للظهورات الثلاثة ظهور اللفظ ظهورا تصوريا ومنشأه الوضع فإذا سمع اللفظ انتقل الى معناه قهرا وإن كان سماعه من لافظ بغير اختيار وشعور كما لو سمع من نائم، هذا هو مبدأ الظهورات الثلاثة ثم ينتقل الذهن من هذا الظهور الى الظهور التصديقي بلحاظ الإرادة الاستعمالية فإذا صدر كلام من متكلم عرفي فبمجرد سماع هذا الكلام ينتقل الذهن الى معناه قهرا من جهة ثبوت الملازمة التكوينية بين تصور اللفظ وتصور المعنى وإذا كان المتكلم شاعرا ولم ينصب قرينة انتقل الذهن من الظهور التصوري الى الظهور التصديقي بلحاظ الارادة الاستعمالية وإذا كان المتكلم في مقام بيان مراده الجدي ولم ينصب قرينة متصلة بكلامه الى ان فرغ من الكلام انتقل الذهن من الظهور التصديقي الابتدائي وهو الظهور التصديقي بلحاظ الارادة الاستعمالية الى الظهور التصديقي بلحاظ الارادة الجدية النهائية فهذه الظهورات الثلاثة ظهورات طولية ولا يمكن الجمع بينها في عرض واحد أي لا يمكن الجمع بين الظهور التصوري والظهور التصديقي في عرض واحد فلا محالة يكون الظهور التصديقي الابتدائي في طول الظهور التصوري وكذلك الظهور التصديقي الابتدائي لا يمكن اجتماعه مع الظهور التصديقي النهائي بلحاظ الارادة الجدية النهائية في عرض واحد فإن الظهور التصديقي النهائي في طول الظهور التصديقي الابتدائي كما ان الظهور التصديق الابتدائي في طول الظهور التصوري ومعنى هذا الانتقال ليس انعدام الظهور التصوري نهائيا ووجود الظهور التصديقي او انعدام الظهور التصديقي الابتدائي وحدوث الظهور التصديقي النهائي بل معناه أن الظهور التصوري انما ينعدم ويندك في مرحلة الظهور التصديقي الابتدائي بحده لا بأصله فإن المعنى موجود والتصور بحده قد انعدم وزال واندك في الظهور التصديقي الابتدائي والظهور التصديقي الابتدائي لا ينعدم نهائيا ويحدث الظهور التصديقي النهائي ليس الامر كذلك بل الظهور التصديقي الابتدائي موجود في الظهور التصديقي النهائي لا بحده بل بذاته فإن المعنى في جميع هذه الظهورات الطولية واحد غاية الامر في مرحلة التصور مورد للتصور وفي مرحلة التصديق الابتدائي وفي مرحلة التصديق النهائي مورد للتصديق النهائي، وهذا نظير حركة المادة فإنها ذاتية وجوهرية مثلا النطفة مبدأ الانسان ولكنها تتحرك الى الكمال حتى تصل الى العلقة وحينئذ تندك فيها وهذا ليس معناه ان النطفة انعدمت نهائيا وقد حدثت العلقة ابتداءً ليس الامر كذلك فإن معنى الحركة خروج الشيء تدريجا من القوة الى الفعل ومن القابلية الى الفعلية وليس معناها انعدام شيء وحدوث شيء جديد فإن العلقة موجودة بالقوة في النطفة ولكن خرجت تدريجا من القوة الى الفعل وهكذا المضغة فإنها موجودة في العلقة بالقوة لا بالفعل ولكن بالحركة التدريجية تخرج من القوة الى الفعل، هذا معنى الحركة.

فإذن النطفة موجودة في العلقة لا بحدها والعلقة موجودة في المضغة لا بحدها.

وما نحن فيه كذلك غاية الامر حركة الذهن من الدلالة التصورية الى الدلالة التصديقية الابتدائية والى الدلالة التصديقية النهائية هذه الحركة عرضية وليست بذاتية وجوهرية كحركة المادة.

وعلى هذا فإن أراد المحقق الاصفهاني(قده) من الظهور التصوري الظهور التصوري البحت فهو مبدأ هذه الظهورات ولا يكون موضوعا لشيء من الآثار ولا يكون موضوعا للحجية لأن موضوع الحجية هو الظهور التصديقي النهائي وهو موضوع الآثار واما الظهور التصوري فهو مبدأ هذه الظهورات ولا أثر له اصلا ولا يعقل ان يكون موردا لبناء العقلاء وسيرتهم

وإن أراد من الظهور التصوري أن الذهن ينتقل منه إذا لم ينصب المتكلم قرينة متصلة مع كونه في مقام البيان فهو صحيح الا ان هذا الظهور ليس ظهورا تصوريا بل هو ظهور تصديقي نهائي، فإن المتكلم اذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة متصلة وقد فرغ من كلامه فلا شبهة ان الذهن ينتقل من الظهور التصوري ومن الظهور التصديقي الابتدائي الى الظهور التصديقي النهائي الذي هو موضوع الحجية وموضوع الآثار ومورد بناء العقلاء وسيرتهم ولعل مراده(قده) من الظهور التصوري هذا الظهور التصديقي وذلك لقرينتين في كلامه:

القرينة الاولى: أنه (قده) قد قيد الظهور التصوري بعدم العلم بالخلاف، والظهور اذا كان مقيدا بعدم العلم بالقرينة على الخلاف فهذا الظهور ظهورا تصديقيا ولا يمكن ان يكون ظهورا تصوريا فإنه لا يمكن ان يكون مستندا الى عدم العلم بالقرينة على الخلاف لأنه ثابت في الذهن بمجرد سماع اللفظ ولو من لافظ بغير شعور واختيار فتقييد الظهور بعدم العلم بالخلاف ظاهر في انه أراد من الظهور التصوري الظهور التصديقي الذي هو مستند الى عدم العلم بالقرينة على الخلاف.

القرينة الثانية: قد ذكر ان المتكلم اذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة وقد فرغ من الكلام انعقد له الظهور التصوري ولا شبهة ان مراده من هذا الظهور الظهور التصديقي فإن الظهور التصوري لا يتوقف على عدم نصب القرينة المتصلة ولا يتوقف على فراغ المتكلم ولا على كونه شاعرا وفي مقام البيان فلا يتوقف الظهور التصوري على شيء من هذه المقدمات وإنما يتوقف على الوضع فإذا سمع الكلام ولو من متكلم بغير شعور واختيار انتقل ذهنه الى المعنى قهرا وهذا قرينة على ان مراده من الظهور التصوري الظهور التصديقي.

فالنتيجة: ان ما ذكره المحقق الاصفهاني(قده) من ان موضوع حجية أصالة الظهور هو الظهور التصوري بظاهره لا يرجع الى معنى محصل الا ان يكون مراده منه الظهور التصديقي.

هذا كله في كبرى المسألة في المقام.

ولا شبهة في ان أصالة الظهور حجة كبرويا لاتفاق جميع الفقهاء والاصحاب في ذلك ولا خلاف فيه أي في حجية أصل الظهور.

وإنما الخلاف في صغريات هذه الكبرى ولهذا يقع الكلام في صغريات هذه الكبرى في عدة مقامات.


[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية، المحقق الاصفهاني، ج3، ص183.