آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

ذكرنا ان لكل لفظ صادر من متكلم عرفي دلالات ثلاث:

الدلالة الاولى: دلالة تصورية وهي انتقال الذهن من سماع اللفظ الى صورة اللفظ اولا والى صورة المعنى ثانيا وبالتبع وهذا الانتقال امر تكويني قهري ولا يمنع عن هذا الانتقال قرينة متصلة ولا يتوقف على أي مقدمة خارجية ما عدا عملية الوضع، هذا على المشهور بين الاصحاب من ان الدلالة الوضعية دلالة تصورية سواء صدر هذا اللفظ من متكلم في حال الشعور والالتفات او صدر بغير شعور والتفات.

والدلالة الثانية: دلالة تصديقية وهي دلالة اللفظ على ان المتكلم أراد تفهيم معناه وهي تتوقف زائدا على الوضع على عنصرين:

الاول: ان يكون المتكلم شاعرا ملتفتا ومختارا.

الثاني: ان لا ينصب قرينة متصلة على الخلاف.

فإذا صدر كلام من متكلم عرفي في حال شعور واختيار والتفات كان ظهور حاله في انه أراد تفهيم معنى هذا اللفظ وأراد استعمل هذا اللفظ في هذا المعنى.

الدلالة الثالثة: الدلالة التصديقية بلحاظ الارادة الجدية النهائية وهذه الدلالة تتوقف على عنصرين آخرين:

العنصر الاول: إحراز ان المتكلم في مقام بيان مراده الجدي.

العنصر الثاني: ان لا ينصب قرينة على الخلاف.

فإذا صدر كلام من متكلم عرفي واحرزنا انه في مقام بيان مراده الجدي ولم ينصب قرينة على الخلاف كان ظهور حاله انه أراد هذا المعنى بإرادة جدية ونهائية.

وهذه الدلالات الثلاث موجودة في كل كلام صادر من متكلم عرفي من الدلالة التصورية والتصديقية بلحاظ الإرادة التفهيمية والتصديقية بلحاظ الارادة الجدية بلا فرق بين ان يكون الكلام إخباريا او انشائيا.

الجهة الثالثة: في بيان الموضوع لحجية أصالة الظهور وتشخيصه وتحليله، وفيه آراء وأقوال.

ويقع الكلام في هذه الجهة في عدة نقاط:

النقطة الاولى: ان أصالة الظهور هل هي أصل برأسه او انها ترجع الى الاصول العدمية كأصالة عدم القرينة؟ مثلا أصالة العموم هل هي أصل برأسه او انه يرجع الى أصالة عدم المخصص؟

النقطة الثانية: على تقدير تسليم ان اصالة الظهور أصل برأسه فهل هي متوقفة على اصالة عدم القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة او انها لا تتوقف على هذه الاصالة؟

النقطة الثالثة: موضوع حجية أصالة الظهور هل هو الظهور التصديقي او الظهور الوضعي؟

أما النقطة الاولى فقد ذهب شيخنا الانصاري الى ان الاصول الوجودية ترجع الى الاصول العدمية وانها ليست أصولا برأسها واستقلالها، فأصالة الظهور ليس أصالة برأسها أي ليست اصلا مستقلا بل هي ترجع الى أصالة عدم القرينة وكذلك أصالة العموم ليست اصلا برأسها بل ترجع الى اصالة عدم المخصص وكذلك اصالة الاطلاق ترجع الى اصالة عدم المقيد وأصالة الحقيقة فإنها ترجع الى اصالة عدم القرينة[1] .

وقد أفاد في وجه ذلك أنه إذا صدر كلام من المولى وكان ظاهرا في ارادة معناه فالشك في ارادة ظهور هذا الكلام من المولى حيث انه ناشئ من الشك في وجود القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة فإن كانت هناك قرينة في الواقع ومقام الثبوت وفي المرتبة السابقة فهي مانعة عن إرادة هذا الظهور وان لم تكن قرينة في الواقع ومقام الثبوت فهذا الظاهر مراد للمولى فالشك في ارادة هذا الظهور ناشئ من الشك في وجود القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة فلا بد من الرجوع الى اصالة عدم وجود القرينة لا الى اصالة الظهور فإذا أجرينا أصالة عدم وجود القرينة ثبت الظهور فمرجع أصالة الظهور الى اصالة عدم وجود القرينة في الواقع ومقام الثبوت دون أصالة الظهور التي هي أصل وجودي

هكذا ذكره شيخنا الانصاري(قده).

وسوف يأتي نقد ما أفاده(قده).

وذهب صاحب الكفاية(قده)[2] الى ان الأصول الوجودية أصول برأسها واستقلالها وانها لا ترجع الى الاصول العدمية وقد أفاد في وجه ذلك ان السيرة العقلائية قد جرت على هذه الاصول الوجودية وعلى حجية هذه الاصول الوجودية وهي الممضاة شرعا والمفروض ان سيرة العقلاء قد جرت على اصالة الظهور والعموم والاطلاق والحقيقة وهي اصول وجودية وترتيب الآثار عليها وهذه الاصول ممضاة من قبل الشارع وهي حجة من قبل الشارع وهي لا ترجع الى الاصول العدمية.

واما الاصول العدمية كأصالة عدم القرينة وعدم المخصص في الواقع واصالة عدم المقيد في الواقع فلا دليل عليها، والنكتة في ذلك ان هذه الاصالة لو لم ترجع الى الاصول الوجودية فلا تكون من الاصول اللفظية فإن اصالة عدم القرينة ان لم ترجع الى اصالة عدم الظهور فلا تكون من الاصول اللفظية ولا دليل على حجيتها فإن كانت اصالة عدم القرينة اصلا تعبديا واصلا عمليا وليست من الاصول اللفظية فلا دليل على حجيتها وسوف نتكلم في ذلك تفصيلا.

واما السيد الاستاذ(قده)[3] فقد جعل في المسألة فرضين:

الفرض الاول: ان يكون الشك في مراد المتكلم من كلامه من دون انعقاد الظهور لكلام المولى، أي صدر كلام من المولى ولم ينعقد له ظهور ولكن يشك في مراده من هذا الكلام فعدم انعقاد الظهور من جهة احتمال وجود قرينة متصلة مانعة عن انعقاد هذا الظهور.

هذا هو الفرض الاول وهو ان يكون الشك في كلام المولى من جهة عدم انعقاد الظهور له من ناحية احتمال وجود القرينة المتصلة في الواقع المانعة عن انعقاد ظهوره.

الفرض الثاني: ان يكون الشك في ان ظهور الكلام هل هو مراد بإرادة جدية او لا؟ ومنشأ هذا الشك احتمال وجود القرينة في الواقع وفي المرتبة السابقة، فإذن الشك يكون في مراد المتكلم من ظهور كلامه أي صدر كلام من المولى وانعقد ظهوره ولكن المكلف يشك في ان الظهور مراد بإرادة جدية ونهائية ومنشأ هذا الشك الشك في وجود القرينة المنفصلة في الواقع وفي المرتبة السابقة.

أما في الفرض الاول فقد ذكر(قده) ان المرجع في هذا الفرض هو أصالة عدم القرينة لا اصالة الظهور إذ لا ظهور حتى يتمسك بها بل هي سالبة بانتفاء الموضوع فلا بد من الرجوع الى اصالة عدم وجود القرينة المتصلة ويثبت بهذه الاصالة موضوع الحجية وهو الظهور فإنه بأصالة عدم القرينة المتصلة تثبت موضوع الحجية وهو الظهور ولا بد من الرجوع الى هذه الاصالة اولا لإثبات ظهور هذا الكلام في العموم او في الاطلاق او في المعنى الحقيقي.

هكذا ذكره (قده) في هذا الفرض.

واما في الفرض الثاني يكون كلام المولى ظاهرا أي الظهور منعقد ولكن الشك في ان هذا الظهور مراد بإرادة جدية او ليس مراد كذلك من جهة الشك في وجود القرينة المنفصلة في الواقع وحيث ان الظهور في هذا الفرض قد انعقد وتحقق فلا بد من العمل بأصالة الظهور لأن بناء العقلاء قد جرى على العمل بالظهور وهذا البناء ممضى شرعا فهو حجة فالحجة هو الظهور والظهور هو الموضوع للحجية ومجرد احتمال وجود قرينة منفصلة في الواقع ومقام الثبوت لا أثر له وهو لا يمنع عن هذا الظهور ولا عن حجيته وأصالة عدم وجود هذه القرينة لا تجري في نفسها كما سوف يأتي بيانه، فحيث ان الظهور منعقد لكلام المولى فالمرجع فيه اصالة الظهور لأن سيرة العقلاء قد جرت على العمل بالظهور والمفروض ان هذه السيرة ممضاة شرعا.

فإذن ما ذكره شيخنا الانصاري(قده) من رجوع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية لا يرجع الى معنى محصل.

هذا كله في الاقوال في المسألة.


[1] فرائد الاصول، الشيخ الانصاري، ج1، ص135.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص286.
[3] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص128.