آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

ذكرنا ان ما أجيب به عن الدور من ناحية التخصيص لا معنى محصل له، فإن مخصصية السيرة للعمومات الناهية عن العمل بالظن في الكتاب والسنة لا يكفي فيها عدم ثبوت الردع عنها فإن عدم ثبوت الردع ينسجم مع الظن ومع الشك في الردع فاذا قيل ان الردع لم يثبت معناه انه يشك في الردع او يظن به وانه غير ثابت ولا يكفي في مخصصية السيرة عدم ثبوت الردع لأن اتصاف السيرة بالحجية منوط بإحراز امضائها جزما واحراز امضائها تابع للقطع بحجيتها والقطع بحجيتها مساوق للقطع بعدم الردع عنها، فإذن مخصصية السيرة تتوقف على عدم الردع عنها في الواقع، ولا يكفي عدم ثبوت الردع.

فهذا الجواب لا يرجع الى معنى محصل، هذا من جانب

ومن جانب آخر ذكر السيد الاستاذ (قده) ان الامر في المقام بالعكس تماما، فإن مخصصية السيرة للعمومات والإطلاقات الناهية عن العمل بالظن في الكتاب والسنة مخصصيتها تتوقف على عدم الردع عنها اقعا ولا يكفي عدم ثبوت الردع عنها بينما رادعية هذه العمومات عن السيرة لا تتوقف على عدم مخصصيتها لها واقعا بل يكفي في رادعية هذه العمومات والمطلقات الناهية عن العمل بالظن للسيرة عدم ثبوت مخصصيتها وقد أفاد(قده) في وجه ذلك ان ظهور العام في العموم اذا انعقد كما لو لم تكن هناك قرينة متصلة او ظهور المطلق في الاطلاق اذا انعقد كما اذا تمت مقدمات الحكمة ومنها عدم القرينة المتصلة فهذا الظهور حجة فيجوز التمسك بهذا الظهور للمطلق او للعام، والشك في وجد المخصص في الواقع لا يمنع عن التمسك بعمم العام واطلاق المطلق فإذا قال المولى ((أكرم كل عالم)) ولم ينصب قرينة متصلة فظهور العام في العموم قد انعقد وهو حجة فيجوز التمسك بعمومه وان شك في وجود المخصص في الواقع إذ الشك في وجود المخصص في الواقع لا يمنع من التمسك بعموم العام وكذا لو شك في وجود المقيد في الواقع فهو لا يمنع عن التمسك بإطلاق المطلق إذ ظهور العام في العموم حجة ولا يمكن رفع اليد عنه الا بالعلم بوجود المخصص وظهور المطلق في الاطلاق حجة ولا يجوز رفع اليد عنه الا بالعلم بوجود المقيد واما مع الشك في وجود المخصص او المقيد فلا موجب لرفع اليد عن ظهور العام في العموم او ظهور المطلق في الاطلاق، ومانحن فيه كذلك، فإن رادعية هذه الآيات الناهية عنا العمل بالظن بإطلاقها او عمومها لا تتوقف على عدم مخصصية السيرة واقعا بل يكفي في رادعية هذه المطلقات والعمومات الناهية عدم ثبوت مخصصيتها فالشك في كون هذه السيرة مخصصة لهذه العمومات او مقيدة للإطلاق هذه المطلقات لا يمنع عن التمسك بإطلاق هذه المطلقات ولا يمنع من التمسك بعموم هذه العمومات ورادعيتها عن هذه السيرة.

هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده)[1]

وما ذكره تام فيما اذ اكان المخصص لفظيا ولم يكن قطعيا، إذ للمخصص اللفظي غير القطعي مرحلتين: مرحلة الثبوت ومرحلة الاثبات، فتارة يكون خبر الثقة ثابت في الواقع ولكن لم يثبت في مقام الاثبات او ظهور اللفظ في معنى ثابت في الواقع ولكن لم يثبت في مقام الاثبات فمقام الاثبات هو مقام العلم ومقام الاحراز فتارة يكون المخصص ثابتا بوجوده الواقعي ولم يثبت بوجوده العلمي ففي مثل هذه الموارد يكون ما ذكره(قده) تام، فإذا جاء عام من قبل المولى او مطلق وتمت مقدمات الحكمة انعقد ظهور المطلق في الإطلاق وهذا الظهور حجة وانعقد ظهور العام في العموم وهو حجة ووجود المقيد او المخصص في الواقع لا أثر له وإذا شككنا في وجود مخصص لهذا العام او وجود مقيد فلا أثر لهذا الشك ولا يمنع عن التمسك بعموم العام واطلاق المطلق. ولكن الامر ليس كذلك فيما لو كان المخصص لبيا كما في المقام فإن المخصص في المقام لبي والمخصص اللبي قطعي كالسيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة او العمل بظواهر الالفاظ من الكتاب والسنة فهذ السيرة دليل لبي قطعي فليست له مرحلتان مرحلة الثبوت ومرحلة الاثبات إذ مرحلة ثبوتها عين مرحلة الاثبات ومرحلة اثباتها عين مرحلة الثبوت فلها مرحلة واحدة وهي مرحلة الثبوت والاثبات معا.

ففي مثل ذلك ما ذكره(قده) غير تام فإن رادعية هذه العمومات عن السيرة تتوقف على عدم مخصصية هذه السيرة لهذه العمومات الناهية في الواقع إذ ليس للسيرة مرحلة الثبوت ومرحلة الاثبات ولا يتصور الشك في السيرة لأنها عمل الناس في الخارج بالظواهر وهذا امر مشهود وقطعي لا نشك فيه، فيكون الدور باق على حاله، فإن رداعية هذه العمومات والمطلقات الناهية عن السيرة تتوقف على عدم مخصصيتها لها وعدم مخصصيتها لها واقعا يتوقف على رادعيتها فيلزم الدور وتوقف الشيء على نفسه أي توقف الرادعية على الرداعية وهو مستحيل .

فالنتيجة ان ما ذكره السيد الاستاذ تام فيما اذا كان للمخصص مرحلتان مرحلة الثبوت ومرحلة الاثبات.

واما إذا لم يكن للمخصص الا مرحلة واحدة فإن مرحلة ثبوته عين مرحلة الاثبات كما هو الحال في الأدلة اللبية وكذلك في الأدلة اللفظية إذا كانت قطعية فلا يكون ما ذكره(قده) تام.

والصحيح في الجواب عن اشكال الدور أن يقال:

أولاً: ما ذكرناه سابقا من ان هذه الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن بإطلاقها او عمومها لا تصلح ان تكون رادعة عن هذه السيرة، لأنها مرتكزة في اذهان الناس وجذورها ثابتة في اعماق نفوسهم ولهذا يكون عمل الناس على طبق هذه السيرة عفويا لا من باب التعقل والتفكر ولا يمكن الردع عن هذه السيرة وقلع جذورها عن الاذهان الا بالبيان الصريح المؤكد والمشدد والمكرر في كل مناسبة وفي كل مجلس حتى يقلع جذورها عن الاذهان والنفوس، إذ طالما تكون جذورها ثابتة في اعماق النفوس يكون العمل على طبقها عفوي ولا يمكن رفع اليد عنها، ومن هنا يعمل الناس بالسيرة في زمان وجود هذه الآيات والروايات الناهية بإطلاقها او عمومها ولا يلتفتون الى هذه الآيات والروايات الناهية.

فإذن هذه الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن بإطلاقها او عمومها لا تصلح ان تكون رادعة عن العمل بهذه السيرة.

وثانياً: مع الاغماض عن ذلك فهذه الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن ظهورها في الاطلاق والعموم هو من الظواهر، والدليل على حجية الظواهر هو سيرة العقلاء، فرادعية هذه الآيات الناهية عن العمل بالظن بإطلاقها او عمومها تتوقف على حجية هذه السيرة فإذا كانت رادعة عن هذه السيرة ومانعة عن حجيتها فهي مانعة عن حجية نفسها فيلزم من فرض حجية الآيات والروايات الناهية بعمومها وإطلاقها عدم حجيتها، وكل ما يلزم من فرض وجوده عدمه فوجوده مستحيل، فمن اجل ذلك لا يمكن ان تكون هذه الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن بعمومها او إطلاقها رادعة.

نعم لو كان هناك دليل خاص يدل على حجية هذه الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن بعمومها وإطلاقها فعندئذ لا يلزم هذا المحذور، لأن الدليل على حجية هذه الآيات والروايات في العموم والاطلاق هو السيرة العقلائية القطعية بل يكون الدليل على حجيتها دليل آخر خاص بها.

ولكنه مجرد افتراض ولا واقع موضوعي له.


[1] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص198.