آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مدلول السيرة وامضائها

ذكرنا ان الكلام في الجهة الثالثة تارة يقع في مدلول السيرة ومفادها سعة وضيقا وأخرى في مدلول الامضاء.

أما الكلام في الفرض الاول فلا شبهة في ان السيرة مجملة لأنها دليل لبي ولا إطلاق لها لأنها عبارة عن عمل المتشرعة او العقلاء بشيء والعمل مجمل ولا إطلاق له فلا يمكن التمسك بها في موارد الشك والمرجع في مورد الشك هو الاخذ بالقدر المتيقن ولا فرق من هذه الناحية بين سيرة المتشرعة وبين سيرة العقلاء فإن كلتا السيرتين مبنية على نكتة وتلك النكتة هي التي تحرك المتشرعة والعقلاء نحو العمل بها غاية الامر النكتة في سيرة المتشرعة تعبدية واما في سيرة العقلاء فهي ارتكازية ثابتة في اعماق النفوس ولها جذور ممتدة.

هذا في السيرة.

وأما في الامضاء فالإمضاء تارة يكون صادرا من المولى برواية او آية ففي موارد الشك يمكن التمسك بإطلاقه واما إذا كان الامضاء مستندا الى عدم صدور الردع من المولى وسكوته فهو مجمل ولا إطلاق له فلا يمكن التمسك به في موارد الشك.

والسيرة العقلائية الموجودة في زمن التشريع غالبا يكون امضائها بسكوت المولى وعدم صدور الردع منه عن هذه السيرة مثلا من جملة السير السيرة الجارية على ان أحياء الارض الموات سبب لعلاقة المحي بالأرض اما على مستوى الملك او على مستوى الحق فهذه السيرة مبنية على نكتة مرتكزة في الاذهان ولها جذور ممتدة ولا تختص بعصر دون عصر بل هذه النكتة الارتكازية موجودة في اذهان العقلاء بما هم عقلاء بلا فرق بين طائفة دون طائفة أخرى او زمن دون زمن آخر او قرن دون قرن آخر، وهذه النكتة في المقام هي ان كل فرد يملك آثار عمله وجهده وتعبه شريطة ان تكون تلك الاثار مادية فإن المحي يملك الحياة على الارض فإن الحياة على الارض وتوفير شروطها واتاحة الفرصة للانتفاع بها فعل المحي ونتيجة تعبه وجهده وعمله فهو مالك لهذ الشروط شروط الحياة على الارض ومالك للحياة.

وأما ملكه للأرض التي هي متعلقة للحياة فالمعروف والمشهور بين الاصحاب ان الارض تصبح ملكا للمحي ايضا فالمحي كما انه مالك للحياة على الارض مالك لنفس رقبة الارض ايضا.

ولكن ذكرنا في محله انه لا وجه لذلك فإن المحي إنما يملك الحياة باعتبار ان الحياة نتيجة جهده ونتيجة عمله وتعبه واما رقبة الارض فهي اجنبية عن المحي فلا مقتضي لأن يكون المحي مالكا للأرض فتبقى الارض على اباحتها الاصلية، أو انها ملك للإمام(ع) فالأرض أما تبقى على اباحتها الاصلية او انها بقيت على ملك الامام غية الامر انها متعلقة لملك المحي فمن اجل ذلك هذه الحياة الموجودة على الارض تحدث علاقة المحي بالأرض على مستوى الحق فقط طالما تكون هذه الحياة موجودة على الارض فإذا كانت موجودة على الارض فعلاقة المحي بالأرض على مستوى الحق واما إذا زالت هذه الحياة عن الارض واصبت الارض ميتة انقطعت علاقة المحي بالأرض فلا تكون للمحي علاقة بها حينئذ لا علاقة على مستوى الملك ولا على مستوى الحق، فإن علاقته بها انما هي على مستوى الحق طالما تكون ارض محية فإن حياتها ملك للمحي فالأرض متعلقة بهذه الحياة فطالما تكون موجودة فعلاقة المحي بالأرض تكون على مستوى الحق فقط فإذا زالت الحياة عن الارض واصبحت ميتة انقطعت علاقته بالأرض نهائيا فتصبح مباحا اصليا او ملك للإمام(ع) فيجوز لكل احد ان يتصرف فيها وليس للمحي أي حق في منع الآخرين عن التصرف فيها لأن نسبة الجميع الى الارض على حد سواء.

وبعبارة أخرى ان الاسلام لا يعترف بعلاقة المحي بالأرض على أحد المستويين لا بالملك ولا بالحق اذا كانت سيطرته على الارض بالقوة والاحتكار والحكم على الاخرين فإن سيطرته لو كانت كذلك فهي تسبب تضييع حقوق الاخرين وعدم اتاحة الفرصة لهم للانتفاع بها وهي تضر بالعدالة الاجتماعية التي اهتم الاسلام بها ويرى ضرورة وجودها بين طبقات الامة ولا يجوز تضييع حقوق الاخرين بالقوة فالإسلام إنما يعترف بالإحياء اذا لم يكن موجبا لتضييع حق الاخرين فإن نسبة جميع الناس الى الارض الميتة نسبة واحدة فلكل فرد حق الانتفاع بها وعليه توفير شروط الانتفاع لأنه ذات قيمة اقتصادية وكل فرد يملك نتيجة عمله وهي الحياة على هذه الارض.

هذا كله في الارض الميتة.

وأما الارض أذا كانت محياة طبيعيا ففي مثل ذلك كل فرد يستحق الانتفاع من الحياة على هذه الارض ولا يملك الحياة لأنها على هذه الارض ليست نتيجة عمله وجهده وتعبه بل هي طبيعية، فالفرد لا يكون مالكا للإرض ولا تكون متعلقة لحقه ولا يكون مالكا للحياة على الارض لأن الحياة ليست عمله وإنما يملك الانتفاع منها ولا يملك شيئا آخر.

ومن هنا يظهر جريان سيرة العقلاء على تملك الاشياء المنقولة بالحيازة فإن كل فرد يملك الاشياء المنقولة بالحيازة والسيطرة عليها وجعلها تحت حوزته كالأعشاب فإذا جمع الاعشاب في حوزته فهو مالك لها واذا اخرج المعادن من تحت الارض فهو مالك لها وأما ما هو موجود تحت الارض فهو مباح أصلي وليس مالكا له ولا متعلقا لحقه وانما يملك نتيجة عمله وهي حيازة المقدار الذي اخرجه من تحت الارض فهو في حيازته وتحت قدرته وتصرفه فهو مالك له.

وأما المعادن الموجودة تحت الارض فهي من المباحات الاصلية اما ملك للإمام(ع) ونسبة الجميع الى تلك المعادن على حد سواء وليس له ان يمنع الانتفاع وتوفير شروط الانتفاع من تلك المعادن.

هذا تمام كلامنا في السيرة العقلائية والسيرة المتشرعة، ومنه يظهر ان السيرة العقلائية بما انها مبنية على النكات المرتكزة في الاذهان الممتدة جذورها و لا يمكن تخصيصها بطائفة دون طائفة أخرى وبقرن دون قرن آخر فلا يتصور السيرة العقلائية المستحدثة في زمن الغية ولم تكن موجودة في عصر التشريع وإنما يتصور ذلك في السيرة المتشرعية دون سيرة العقلاء.

هذا تمام كلامنا في السيرة وبعد ذلك يقع الكلام في حجية ظواهر الالفاظ