آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/12/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: السيرة المتشرعية

ذكرنا ان سيرة المتشرعة على قسمين:

القسم الاول: السيرة المتشرعية في زمن التشريع.

القسم الثاني: السيرة المتشرعية المستحدثة والمتأخرة عن زمن التشريع.

أما القسم الاول فلا شبهة في حجيتها لأن معنى السيرة هو العمل بالأحكام الشرعية ولهذا فلا تتوقف حجيتها على امضاء من الشارع بنص او بفعل او بتقرير لأن المتشرع قد عمل بالحكم الشرعي.

لكن هذا القسم من السيرة لا بد ان تكون واصلة الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة.

ولكن مثلها غير موجودة في الفقه في تمام ابوابه وهو مجرد افتراض.

وأما القسم الثاني من السيرة وهي المستحدثة بعد عصر التشريع فحجيتها تتوقف على توفر امرين:

الأمر الاول: إثبات انها معاصرة لعصر التشريع.

الأمر الثاني: إثبات امضائها شرعا بنص او بتقرير او بفعل خارجي.

ولكن كلا الامرين لا يمكن اثباته.

أما الامر الاول فإثبات ان هذه السيرة المتأخرة عن زمن التشريع كانت في زمن التشريع بحاجة الى دليل وقد استدل على ذلك بوجوه:

الوجه الاول: أنه يمكن اثبات ان هذه السيرة ثابتة في زمن التشريع بنقل المتقدمين لهذه السيرة، فإنهم إذا اتفقوا على نقل هذه السيرة من الطبقة السابقة لهم وهكذا الى ان نصل الى زمن الأئمة(ع) فعندئذ نثبت ان هذه السيرة ثابتة في زمن الأئمة(ع) ووصلت الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة وهذا الطريق إما قطعي او انه ظني معتبر كما اذا فرضنا ان جميع الطبقات ثقة فحيث ان المتقدمين عصرهم قريب من عصر اصحاب الأئمة(ع) فهم ينقلون هذه السيرة من طبقة مباشرة لهم وهؤلاء ينقلون عن طبقة ثانية والثانية عن الثالثة وهكذا الى ان وصلت الى زمن الأئمة(ع) كالأخبار مع الواسطة، فهذه السيرة بهذا الطريق قد وصلت الينا من زمن التشريع يدا بيد وطبقة بعد طبقة.

ولكن هذا البيان غير تام.

أما أولاً: فقد ذكرنا غير مرة انه لا طريق لنا الى اثبات الاجماع ووصوله الينا من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد طبقة إذ لا فرق من هذه الناحية بين الاجماع القولي والاجماع العملي الذي هو السيرة المتشرعية لأنهما متلازمان وقد ذكرنا في غير مورد أن الاجماع المدعى بين المتأخرين لا يمكن إثباته بين المتقدمين لأنه بحاجة الى أحد طريقين:

الطريق الاول: أن يكون لكل من فقهاء المتقدمين كتاب استدلالي وقد استدل على حكم هذه المسألة بحكم الاجماع حتى نعلم انه اعتمد في هذا الحكم على الاجماع.

ولكن ليس الامر كذلك إما لأنه ليس لكل واحد من المتقدمين كتاب استدلالي او انه كان ولكن لم يصل الينا.

الطريق الثاني: ان هذا الاجماع بين المتأخرين وهم ينقلون هذا الاجماع بين المتقدمين اذا كان نقلهم عن المتقدمين بطرق صحيحة طبقة بعد طبقة ويدا بيد فعندئذ يحرز ثبوت هذا الاجماع بين المتقدمين.

ولكن ليس لنا طريق كذلك إذ المتأخرين قد نقلوا هذا الاجماع من المتقدمين مبني على الحدس والاجتهاد وعلى حسن الظن ولم يصل هذا الاجماع اليهم يدا بيد وطبقة بعد طبقة بحيث يكون كل الطبقات ثقة.

فإذن الموجود في كتب المتأخرين هو نقل الاجماع بين المتقدمين فهو إذن داخل في الاجماع المنقول والاجماع المنقول لا يكون حجة ولا اثر له.

فإذن الاجماع المدعى من المتأخرين لا يمكن اثباته بين المتقدمين فضلا عن اثباته في زمن الأئمة(ع) ومن اجل ذلك قلنا أنه لا يمكن الاعتماد على الاجماع لا في كلمات المتأخرين ولا في كلمات المتقدمين إذ لا فرق في الاجماع بين الاجماع القولي والاجماع العملي وسيرة المتشرعة هي الاجماع العملي فلا فرق بينهما من هذه الناحية، ولا طريق لنا الى اثبات هذه الاجماع في زمن الأئمة(ع) ووصوله الينا طبقة بعد طبقة ويدا بيد.

هذا مضافا الى ان المتقدمين في دعوى الاجماع مختلفين بل شخص واحد منهم يختلف في دعوى الاجماع كالشيخ عليه الرحمة يدعي الاجماع في كتابه على شيء وفي كتاب آخر يدعى الاجماع على خلاف ذلك الشيء ومن هنا يعلم ان هذا الاجماع غير واصل اليهم من زمن الأئمة(ع) لأنهم مختلفون في نقل الاجماع أو ان اجماع الشيخ مبني على قاعدة اللطف وهي غير ثابتة ولا واقع موضوعي لها، أو ان اجماع بعض المتقدمين مبني على تطبيق قاعدة أصالة البراءة او ما شاكل ذلك ومن الواضح ان مثل هذا الاجماع لا أثر له.

فإذن لا طريق لنا الى اثبات الاجماع التعبدي بين المتقدمين فإن الاجماع المدعى بينهم إما مبني على القواعد العامة كقاعدة اللطف وقاعدة البراءة وما شاكل ذلك او مبني على الحدس والاجتهاد او مبني على التبعية كأصحاب الشيخ عليه الرحمة فإنهم يتبعون الشيخ عليه الرحمة.

فإذن لا أثر لإجماع القدماء ولا يمكن اثبات الإجماع التعبدي بين القدماء ومع الاغماض عن ذلك وتسليم انه يمكن لنا احراز الاجماع التعبدي العملي بين القدماء ولكن مع ذلك لا يكون هذا الاجماع كاشفا عن ثبوته في زمن الأئمة(ع) ووصوله اليهم يدا بيد وطبقة بعد طبقة لاحتمال ان هذا الاجماع ناشئا من فتاوى الفقهاء لا انه وصل اليهم يدا بيد وطبقة بعد طبقة.

فالنتيجة أنه لا يمكن أثبات هذا الاجماع العملي وهو سيرة المتشرعة في زمن الأئمة(ع) وقد وصلت الى المتقدمين يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.

الوجه الثاني: أن السيرة المتشرعية اذا جرت عل شيء وتطابقت آرائهم على العمل بشيء عام البلوى بين المتشرعة كما اذا جرت سيرتهم على وجوب الجهر بالبسملة في كل صلاة او جرت سيرتهم على وجوب الاخفات في صلاة الظهر يوم الجمعة او وجوب الجهر بها فتطابق آراء المتشرعة في العمل بهذه المسألة يكشف ان جذور هذه المسألة ثابتة في عصر التشريع وانها وصلت اليهم يدا بيد وطبقة بعد طبقة كما اذا فرضنا اجماع المتشرعة على وجوب الاخفات في صلاة الظهر يوم الجمعة وتطابق آرائهم في العمل بها فهذا يكشف ان جذور المسألة ممتدة الى عصر التشريع وانها وصلت الينا من عصر التشريع يدا بيد وطبقة بعد طبقة وذلك لأن احتمال ان السيرة جارية على وجوب الجهر في صلاة الظهر يوم الجمعة ولكن تبدلت هذه السيرة بسيرة أخرى فجأة في آن واحد هذا الاحتمال احتمال ضعيف جدا بل غير معقول فإن تبدل سيرة بسيرة أخرى فجأة وفي آن واحد مستحيل وقوعا وغير ممكن، فبطبيعة الحال هذه السيرة ثابتة في عصر التشريع وقد وصلت الينا يدا بيد وطبقة بعد طبقة.

ولكن هذا الوجه ايضا غير تام.

اولاً: أن تبديل السيرة بسيرة أخرى فجأة وفي آن واحد وإن كان مستحيلا وقوعا وغير ممكن إلا انه لا يكشف عن استمرار هذه السيرة وثبوتها في زمن التشريع لعدم الملازمة بين الامرين لاحتمال ان هذه السيرة ناشئة عن فتاوى الفقهاء في العصور المتأخرة فإن هذا الاحتمال مانع عن العلم او الاطمئنان بثبوتها في عصر التشريع.

وثانياً: ان تبديل سيرة بسيرة أخرى فجأة في آن واحد وإن كان مستحيلا وقوعا وغير ممكن إلا أنه لا مانع من هذا التبديل تدريجا وفي فترة زمنية طويلة كما وقع نظيره كثيرا في ابواب الفقه فإن السيرة جارية على تنجس ماء البئر بالملاقاة ثم تبدلت بسيرة جارية بين المتأخرين عل عدم انفعال ماء البئر بالملاقاة طالما لم يتغير بأحد اوصاف النجس وكذلك جريان السيرة بنجاسة أهل الكتاب بين المتقدمين ولكن تبدلت هذ السيرة بين المتأخرين. فتبدل سيرة بسيرة أخرى تدريجا لا مانع منه، فلو فرضنا جريان السيرة في زمن الائمة(ع) على وجوب الجهر في صلاة الظهر من يوم الجمعة ولكن في عصر الغيبة وجد فقيه افتى بوجوب الجهر ثم انتشرت هذه الفتوى وتابعه عليها كثير من الفقهاء الى ان تبدلت السيرة الجارية على وجوب الجهر في صلاة الظهر يوم الجمعة بالسيرة الجارية على وجوب الإخفات فيها فلا مانع من هذا التبديل تدريجا ولا محذور فيه.

فإذن لا يمكن كشف أن جذور هذه السيرة ثابتة في عصر التشريع