آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصل عند الشك في حجية الظن

الوجه الرابع: التمسك باستصحاب عدم جعل الحجية عند الشك فيها.

ويمكن تقريب ذلك بأحد نحوين:

النحو الأول: أن يكون الشك في أصل جعل الحجية للأمارة أي نشك في أن الشارع جعل الحجية لها أو لا، ففي مثل ذلك لا مانع من استصحاب عدم جعل الحجية لها.

النحو الثاني: الشك في اتصاف الأمارة بالحجية، أي ان الأمارة الموجودة في الخارج نشك في اتصافها بالحجية، هل هذه الأمارة متصفة بالحجية حتى يصح اسناد مؤداها الى الشارع والاستناد اليها في مقام العمل او لا تكون متصفة بالحجية فلا مانع من استصحاب عدم اتصافها بالحجية بنحو الاستصحاب في الاعدام الأزلية، فإنه في زمان لم تكن الأمارة موجودة بمفاد كان التامة وبالوجود المحمولي، ثم أن الأمارة قد تحققت في الخارج وقد وجدت وشك في اتصافها بالحجية فلا مانع من استصحاب عدم اتصافها بالحجية وبهذا الاستصحاب مع ضمه الى الوجدان يتحقق الموضوع، فإن الأمارة موجودة بالوجدان ومع ضم الاستصحاب اليها يتحقق موضوع عدم جواز اسناد مؤداها الى الشارع وعدم جواز الاستناد اليه في مقام العمل فإن هذه أمارة لم تكن متصفة بالحجية والجزء الأول محرز بالوجدان والجزء الثاني محرز بالتعبد فيترتب عليه عدم جوزا اسناد مؤداها الى الشارع وعدم جواز الاستناد اليه في مقام العمل.

فالنتيجة أنه لا مانع من هذا الاستصحاب.

فهذا الاستصحاب تارة في مرحلة الجعل والشك في اصل حجية الأمارة وأخرى في مرحلة المجعول وهي فعلية الحجة بفعلية موضوعها ونشك أن الأمارة الموجودة في الخارج هل متصفة بها أو لا، ولا مانع من جريان الاستصحاب في كلا الموردين.

هذا وقد أورد على الاستصحاب بالنحو الأول المحقق النائيني بإشكالين:

الإشكال الأول: ان المعتبر في جريان الاستصحاب أركان ثلاثة والاستصحاب متقوم بهذه الاركان، الركن الأول اليقين بالحدوث، والركن الثاني الشك في بقاء الحادث، والركن الثالث ترتب أثر عملي على المستصحب، فمع توفر هذه الأركان الثلاثة جرى الاستصحاب ومع عدم توفر جميعها أو بعضها دون البعض الأخر فلا يمكن جريان الاستصحاب، وفي المقام الركن الأول وإن كان ثابتا وهو اليقين بالحدوث أي اليقين بعدم جعل الحجية للأمارة قبل مجيء الشريعة المقدسة، والركن الثاني أيضا موجود وهو الشك في بقاء هذا اليقين بعد مجيء الشرع المقدس، واما الركن الثالث فهو غير متوفر في المقام وهو ترتب أثر عملي على هذا الاستصحاب.

وقد أفاد في وجه ذلك أن الأثر المترتب على عدم الحجية هو عدم جواز اسناد المؤدى الى الشارع وعدم جواز الاستناد اليه في مقام العمل وهذا الأثر تارة يكون مترتبا على العلم بعدم حجية الأمارة واقعا، فإذا علم المكلف بعدم حجية أمارة واقعا فلا يجوز اسناد مؤداها الى الشارع وكذلك لا يجوز الاستناد اليها في مقام العمل، وأخرى مترتب على الشك في حجيتها وعدم العلم بها.

فإذن هذا الأثر مشترك بين هذين الفردين العلم بعدم حجية الأمارة واقعا والشك في حجيتها وهو عدم العلم بها ومترتب على الجامع بينهما، أي الجامع بين العلم بعدم حجية الأمارة واقعا وعدم العلم بحجيتها، والفرد الثاني محرز بالوجدان لأن عدم العلم بحجيتها والشك فيه أمر وجداني، فبطبيعة الحال يترتب عليه الأثر وهو عدم جواز اسناد مؤدى هذه الأمارة المشكوك حجيتها وعدم العلم به الى الشارع وعدم جواز الاستناد اليها في مقام العمل.

فإذن هذا الفرد محرز بالوجدان ويترتب عليه أثره كذلك، فإثبات الفرد الآخر بالتعبد الاستصحابي وهو العلم بعدم حجية الأمارة واقعا من جهة اثبات أثره لغو وتحصيل للحاصل لأن الأثر مترتب على الفرد الثاني المحرز بالوجدان وترتب الأثر عليه أيضا وجداني، فإثبات هذ الأثر بإثبات فرد آخر بالتعبد الاستصحابي من تحصيل الحاصل بل هو من أردء إنحاء تحصيل الحاصل، فإن إثبات ما هو محرز بالوجدان وإحرازه بالتعبد من أردء أنحاء تحصيل الحاصل، فمن أجل ذلك لا يجري هذا الاستصحاب.

الإشكال الثاني: أن هذا الأثر أي اسناد المؤدى الى الشارع والاستناد اليه في مقام العمل مترتب على الشك في الحجية والجهل بها لا على نفس الواقع باعتبار ان الأثر وهو عدم جواز اسناد المؤدى الى الشارع وعدم جواز الاستناد اليها في مقام العمل مترتب على الشك في الحجية والجهل بها وعدم العلم بها لا على الواقع على اساس ان التشريع عبارة عن أدخال ما لا يعلم أنه من الدين في الدين وليس التشريع عبارة عن أدخال ما ليس من الدين في الدين، فإذا لم يعلم بحجية الأمارة والشك فيها فلا يجوز اسناد مؤداها الى الشارع لأنه تشريع لأنه من أدخال ما لا يعلم أنه من الدين في الدين ولا يجوز الاستناد اليه في مقام العمل لأنه تشريع.

هكذا ذكره المحقق النائيني(قده)[1] .

وقد ناقش السيد الاستاذ(قده) في كلا الإشكالين[2] .

أما الإشكال الأول فلأن حكم العقل بعدم حجية الأمارة التي يشك في حجيتها إنما هو بعدم الحجية الفعلية أي أن العقل يحكم بعدم حجية الأمارة فعلا، فإذا شك المكلف في حجية أمارة فعلا وعدم حجيتها فالعقل يحكم بعدم حجيتها فعلا بمعنى عدم ترتب الآثار عليها وهي اسناد مؤداها الى الشارع والاستناد اليها في مقام العمل. وأما مورد الاستصحاب ومصبه إنما هو جعل الحجية في مرحلة الجعل فما هو مصب الاستصحاب هو الشك في جعل الحجية في مرحلة الجعل فالمستصحب عدم جعل الحجية لها.

فإذن ما هو ثابت بالوجدان غير ما هو ثابت بالاستصحاب، فما هو ثابت بالوجدان هو عدم ترتب الأثر على الشك في الحجية الفعلية وما هو ثابت بالاستصحاب عدم جعل الحجية للأمارة، فلا يلزم تحصيل الحاصل.

هذا بالنسبة الى الاشكال الأول.

وأما الإشكال الثاني فقد ذكر(قده) أولاً بالنقض بالروايات التي تنص على حرمة العمل بالقياس والنهي عن العمل به فما فائدة هذ الروايات بعد حكم العقل بعدم جواز العمل بالقياس وعدم جواز الاستناد اليه في مقام العمل وعدم جواز اسناد مضمونه ومدلوله ومؤداه الى الشارع؟ وكذا الروايات التي تنص على أصالة البراءة الشرعية فما فائدة هذه الروايات بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان؟

وأما حلاً فلأن حكم العقل مقيد بعدم وصول البيان من قبل الشارع نفيا أو إثباتا لأن حكم العقل إنما هو في طول حكم الشرع ومقيد بعدم وصول البيان من قبل الشرع نفيا أو إثباتا فإذا جاء البيان من قبل الشارع ينتفي حكم العقل بانتفاء موضوعه لأن موضوعه مقيد بعدم وصول البيان من قبل الشرع ومع وصول البيان من قبل الشرع ينتفي حكم العقل بانتفاء موضوعه، فإذا جاءت الروايات المانعة عن العمل بالقياس فهي وإن كانت موافقة لحكم العقل لكن ينتفي حكم العقل بانتفاء موضوعه إذ موضوعه مقيد بعدم وصول البيان من قبل الشارع، وكذلك حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فإذا جاءت روايات البراءة فهي بيان رافعة لموضوع حكم العقل فينتفي حكم العقل بانتفاء موضوعه لأن حكم العقل ليس في عرض حكم الشرع حتى يكون حكم الشرع لغوا بل هو في طوله.

وبعبارة أخرى وسوف يأتي بيانه أن حكم العقل - وإن كان حكمه بحسن الطاعة وقبح المعصية- معلق على عدم إذن المولى بترك الطاعة أو بارتكاب المعصية، فإذا إذن المولى بذلك انتفى حكم العقل بانتفاء موضوعه.

فإذن لا يكون هذا الاستصحاب في المقام لغوا لأن الاستصحاب في الفرد الاول وهو العلم بعدم حجية الأمارة واقعا رافع لموضوع حكم العقل في الفرد الثاني فينتفي حكم العقل في الفرد الثاني بانتفاء موضوعه فلا يكون هذا الاستصحاب لغوا.

وهنا وجوه أخرى لبطلان ما ذكره المحقق النائيني(قده) يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.


[1] أجود التقريرات، تقرير بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص87.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص117.