الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
الى هنا قد  تبين ان الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية محضة ولا شأن لها غير تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ ولهذا لا تنافي بين الاحكام الواقعية لا في مرحلة الجعل كما هو واضح ولا في مرحلة المبادئ لأن ليس لهذه الاحكام الطريقية مبادئ وملاكات مستقلة  والا لكانت حكما واقعيا لا حكما طريقيا بل هي ناشئة من نفس ملاكات الاحكام الواقعية فإن اهتمام الشارع بالحفاظ على الاحكام الواقعية حتى في موارد الجهل دعا المولى الى جعل الاحكام الظاهرية للحفاظ عليه بما لها من الملاكات والمبادئ ولا في مرحلة الامتثال، ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان بين الوجوب والحرمة تنافي في مرحلة الجعل فلا يمكن اجتماعهما في  شيء واحد وكذلك بين الاباحة والوجوب وبين الاباحة والحرمة فلا يمكن اجتماعهما في شيء واحد لو سلمنا ذلك فهذا إنما يكون فيما إذا كان كلا الحكمين من سنخ واحد بأي يكون كلا الحكمين حكما حقيقيا مولويا  ناشئا من الملاك في متعلقه فالوجوب إذا كان حقيقيا ناشئا من المصلحة في متعلقه والحرمة إذا كانت حقيقية مولوية ناشئة من مفسدة في متعلقها فعندئذ لا يمكن اجتماعهما في شيء واحد وما نحن فيه ليس كذلك فإن الاحكام الظاهرية اللزومية أحكام طريقية وليس بأحكام مولوية واقعية حيث أنها لم تنشأ عن مصالح ومبادئ وملاكات مستقلة في عرض ملاكات الاحكام الواقعية حتى تكون احكاما واقعية بل هي طريق الى الاحكام الواقعية ومنجزة لها عند الاصابة ومعذرة عند الخطأ.
فإذاً هذه الاحكام الظاهرية اللزومية في طول الاحكام الواقعية وليست بأحكام واقعية لأن الحكم الواقعي  هو الحكم الذي نشأ عن الملاك في متعلقه وأما الحكم الذي لم ينشأ من الملاك في متعلقه فهو ليس حكما واقعيا فهذه الاحكام الظاهرية أحكام طريقية وليست أحكاما حقيقة مولوية ناشئة من الملاكات المستقلة في عرض ملاكات الاحكام الواقعية حتى تكون مضادة لها، هذا مضافا الى ما ذكرناه من ان عمدة الدليل على حجية الامارات السيرة القطعية من العقلاء فقد جرت على العمل بأخبار الثقة والعمل بظواهر الالفاظ وهذه السيرة ممضاة من قبل الشارع وذكرنا في أنه يكفي في الامضاء عدم صدور الردع من الشارع فإذا لم يصدر منع عن العمل بهذه السيرة وردع عن العمل بها وسكت المولى فهذا يكفي في الامضاء فإن سكوت المولى كاشف عن الامضاء فإذا كان كاشفا عن الامضاء وبعد ذلك ينتزع العقل الحجية لها وهي المنجزية والمعذرية فليس الحجية مجعولة من قبل الشارع فإن هذه السيرة إنما هي ممضاة من قبل الشارع ويكفي في الامضاء عدم صدور الردع وسكوت المولى فإنه كاشف عن الامضاء فإذا كان كذلك وبعد الامضاء ينتزع العقل الحجية لها بمعنى المنجزية والمعذرية فإذاً ليس هنا الا المنجزية والمعذرية وليس هنا أي حكم شرعي مجعول في موارد الامارات فإن العقل ينتزع المنجزية والمعذرية غاية الامر أن المنجزية الحقيقية هو العلم الوجداني ولكن العقل بعد إمضاء الشارع السيرة القطعية من العقلاء يوسع دائرة المنجزية ويجعل المنجزية أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي والاصول العملية كالاستصحاب وكأصالة الاحتياط فجعل هذه الاصول العملية منجزة فالمنجز الحقيقي هو العلم الوجداني ولكن العقل يوسع دائرة المنجزية بعد إمضاء الشارع السيرة القطعية من العقلاء ويجعلها أعم من المنجزية الحقيقية والتعبدية كما في موارد الامارات الظنية والاصول العملية كالاستصحاب والاحتياط.
فإذاً ليس هنا أي حكم ظاهري حتى يكون منافيا للحكم الواقعي بل هو منجز ومعذر ومن الواضح أن الانسجام بين الطريق وذي الطريق موجود فلا تنافي بين الطريق وذي الطريق وبين المنجِّز والمنجَّز فالانسجام بينهما موجود فلا تنافي بينهما.
وإلى هنا قد تبين أنه لا تنافي بين الاحكام الظاهرية اللزومية الطريقية وبين الاحكام الواقعية لا في مرحلة الجعل ولا في مرحلة المبادئ ولا في مرحلة الامتثال وأما أن جعل هذه الاحكام قد يؤدي الى تفويت المصلحة الملزمة وقد يؤدي إلى القاء المكلف في المفسدة الملزمة ولكن يذلك يتدارك باستيفاء المصالح والاجتناب عن المفاسد وقد ذكرنا ذلك سابقا.
وقد يستشكل على ذلك بأن في موارد الاحكام الظاهرية اللزومية قد يكون هناك عرض مزاحم لعرض الواقع اللزومي المشتبه ومانع عن جعل المنجز له أي في الشبهات الحكمية التحريمية كما إذا فرضنا أن في الترخيص في فعل المباحات الواقعية المشتبه مصلحة تصلح ان تزاحم مفسدة الحرام الواقعي المشتبه في هذه الشبهات أي الشبهات التحريمية وحيث ان متعلق المصلحة غير متعلق المفسدة فإن المصلحة تعلقت بشيء والمفسدة قد تعلقت بشيء أخر فلا يلزم اجتماعهما في شيء واحد حتى يلزم اجتماع الضدين ويلزم من اجتماعهما في شيء واحد اجتماع الارادة والكراهة فيه واجتماع الحب والبغض فيه فإن هذا المحذور غير لازم لأن متعلق المصلحة غير متعلق المفسدة فلا تجتمع المصلحة مع المفسدة في شيء واحد حتى يلزم اجتماع الضدين ولا تزاحم بينهما في مرحلة الامتثال لأن التزاحم في مرحلة الامتثال انما هو ناشئ من عدم قدرة المكلف على امتثال كلا الواجبين فإن للمكلف قدرة واحدة فإن صرفها في أحدهما عجز عن امتثال الاخر وبالعكس وإما في المقام فهو متمكن  من امتثال كلا الملاكين في الواقع أي المصلحة القائمة بالمباحات الواقعية المشتبهة والاجتناب عن المفسدة القائمة بالمحرمات الواقعية المشتبهة فالمكلف متمكن من امتثال كلا الملاكين وإن لم يحرز في مقام الاثبات ولكن في مقام الثبوت هو متمكن من امتثال كلا الملاكين معا ولكنه لا يتمكن في مقام الاثبات من احراز ذلك.
فإذاً لا تنافي بينهما في مرحلة الامتثال وإنما التنافي بين الملاكين انما هو في مقام الحفظ فإن المصلحة القائمة بالمباحات الواقعية المشتبهة تقتضي الحفاظ عليها والمفسدة القائمة بالمحرمات الواقعية المشتبهة تقتضي الحفاظ عليها  فإذاً المزاحمة بينهما إنما هي في مقام الحفظ فلا يتمكن المكلف من حفظ كلا الملاكين معا في الشبهات التحريمية الحكمية التي يجب الاحتياط فيها فلا يتمكن من حفظ ملاك المباح وملاك الحرام معا في موارد الاشتباه ولكن حيث ان ملاك الحكم الالزامي أقوى من ملاك الحكم الترخيصي فلا بد من تقديمه عليه فمن اجل ذلك أوجب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية حفاظا على ملاك الحرام الواقعي دون ملاك المباح الواقعي المشتبه وسوف يأتي تفصيل ذلك.
هذا تمام كلامنا في القسم الاول من الاحكام الظاهرية اللزومية التي هي أحكام طريقية صرفة.
وأما القسم الثاني وهو الاحكام الظاهرية الترخيصية كالأمارات المتكفلة للأحكام الترخيصية  أو استصحاب عدم الوجوب او عدم الحرمة او اصالة البراءة او اصالة الطهارة ونحوهما فإن هذه الامارات والاصول العملية متكفلة للأحكام الترخيصية وهذه الاحكام الترخيصية في الحقيقة أحكام عذرية فقط أي عذر للمكلف في مخالفة الواقع فإذا علم المكلف بأصالة البراءة وكانت مخالفة للواقع فهو معذور ولا يعاقب وإذا عمل بالأمارة التي تدل على عدم وجوب شيء وكان ذلك الشيء في الواقع واجبا فهذه الامارة معذرة فالمكلف معذور ولا يستحق العقوبة على ترك الواجب وكذلك الحال في أصالة الطهارة فإذا جرت أصالة الطهارة عن شيء وكان في الواقع نجسا وارتكب النجس فلا يعاقب على ارتكابه فهو معذور من جهة اصالة الطهارة فالأحكام الترخيصية في الحقيقية أحكام عذرية للمكلف من ترك الواقع الواجب او ارتكاب الحرام الواقع وهذه الاحكام الظاهرية الترخيصية التي جعلها المولى إنما جعلها لمصلحة عامة وهي مصلحة التسهيل على  نوع المكلفين فإن هذه المصلحة أرفاق بهم وامتنان عليهم فإن هذه المصلحة النوعية تدعو المولى الى جعل هذه الاحكام الترخيصية وجعل هذه الاحكام التخريصية وإن ادى الى تفويت المصلحة الملزمة في مورد أو القاء العبد في المفسدة في مورد أخر الا ان المصلحة النوعية تتقدم على المصالح الشخصية فجعل هذه الاحكام الترخيصية إنما هو ناشئ من المصلحة النوعية الترخيصية وهي مقدمة على تفويت مصلحة شخصية في مورد او القاء العبد في مفسدة شخصية في مورد.
فإذاً لا مانع من جعل هذه الاحكام الظاهرية الترخيصية من جهة مصلحة نوعية وهي مصلحة التسهيل امتنانا عليهم وارفاقا بهم.
ولكن قد يقال كما قيل أن هذا الاشكال وإن كان غير لازم الا ان هنا إشكالا أخر وهو أن جعل الترخيص يستلزم اجتماع الضدين إذا كان الشيء في الواقع حراما أي اجتماع الاباحة مع الحرمة  او اذا كان الشيء في الواقع واجبا فيلزم اجتماع الاباحة مع الوجوب وهو لا يمكن.