الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
إلى هنا قد تبيّن أن ما ذكره السيد الاستاذ(قد) من الاشكال على الشيخ عليه الرحمة لا يمكن المساعدة عليه كما ان ما ذكره من الدليل قابل للمناقشة وأمّا ما ذكره شيخنا الانصاري(قد) من ان المصلحة السلوكية قائمة بسلوك الامارة لا بمؤداها فهو بالتحليل لا يرجع الى معنًى معقول ومحصلٍ لأن سلوك الامارة ليس له واقع موضوعي في الخارج حتى يكون مشتملا على مصلحة فإن سلوك الامارة إنما هو بالإتيان بالمؤدى فإن المكلف اذا أتى بمؤدى الامارة صدق عليه انه سلك الامارة وعمل بها وإذا لم يأتِ بالمؤدى فلا يصدق عليه عنوان سلوك الامارة والعمل بها فإذاً سلوك الامارة ليس له واقع موضوعي في الخارج وإنما هو شيء منتزع ولا واقع له حتى يكون مشتملا على مصلحة ملزمة فما ذكره الشيخ من ان المصلحة السلوكية قائمة بسلوك الامارة لا لا بالمؤدى فإذ قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة في يومها وكان في الواقع الواجب هو صلاة الظهر  فالمصلحة انما هي في سلوك هذه الامارة وهذه الامارة لم تحدث مصلحة في مؤداها وهو صلاة الجمعة فصلاة الجمعة خالية عن المصلحة ولا مصلحة فيها والمصلحة انما هي قائمة بسلوك هذه الامارة ومن الواضح ان سلوك الامارة لا يمكن تحققه الا بالإتيان بالمؤدى فإذا أتى المكلف بصلاة الجمعة فقد صدق عليه انه سلك هذه الامارة وعمل بها وأمّا إذا لم يأت بصلاة الجمعة فلم يعمل بهذه الامارة ولم يأت بها فإن ما له واقع في الخارج هو المخبِر والمخبَر به وأما الاخبار فهو نسبة بينهما فلا واقع موضوعي له في الخارج لكي يكون مشتملا على مصلحة ملزمة يتدارك بها المصلحة الفائتة الواقعية او الوقوع في المفسدة فما ذكره شيخنا الانصاري(قد) بالتحليل لا يرجع الى معنى محصل فإنه (قد) قد صرح بأن المؤدى خالٍ عن المصلحة فإن المصلحة انما هي في سلوك الامارة لا في المؤدى خلافا للأشاعرة والمعتزلة فإنهم يذهبون إلى أن الامارة تحدث مصلحة في المؤدى وشيخنا الانصاري لا يقول  بذلك ويرى ان ذلك تصويب وباطل ولهذا التزم بأن المصلحة انما هي في سلوك الامارة ولكن هذا بالتحليل لا يرجع الى معنى معقول.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان مراده عليه الرحمة أن المصلحة قائمة بالمؤدى بعنوان السلوك فإن عنوان السلوك عنوان للمؤدى فإن الأمارة قد تحدث مصلحة في المؤدى بعنوانه الاولي كما تقول به الاشاعرة والمعتزلة وقد تحدث فيه مصلحة بعنوان ثانوي وهو عنوان السلوك ولعلّ مراد الشيخ عليه الرحمة ذلك ولكن على هذا يلزم التصويب وانقلاب الواقع فإن في الواقع الواجب هو صلاة الظهر يوم الجمعة فإذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة وفرضنا ان هذه الامارة تحدث مصلحة في صلاة الجمعة أقوى من مصلحة صلاة الظهر فلا محالة توجب انقلاب الواجب الواقعي الاولي الى واجب ثانوي وهو صلاة  الجمعة فإذاً الواجب هو صلاة الجمعة واقعا دون صلاة الظهر ولكن هذا من جهة العلم الخارجي والا يمكن ان تكون كلتا الصلاتين واجبة ولا تنافي بينهما بأن يكون في يوم الجمعة الواجب كلتا الصلاتين صلاة الظهر وصلاة الجمعة ولكن حيث نعلم وجدانا ان الواجب يوم الجمعة صلاة واحدة إما صلاة الظهر او صلاة الجمعة واحتمال وجوب كلتا الصلاتين خلاف الضرورة لأن في كل يوم خمس صلوات واجبة لا أكثر من ذلك فمن اجل ذلك اذا كانت مصلحة صلاة الجمعة أقوى وأكبر من صلاة الظهر توجب انقلاب الواجب من الواجب التعييني الى الواجب التعييني الآخر فإن الواجب التعييني من الاول هو صلاة الظهر وبعد قيام البينة صار الواجب التعييني صلاة الجمعة فإذاً الواجب واقعا وحقيقة على المكلف في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة ولا فرق من هذه الناحية بين ان تكون الامارة تحدث مصلحة في المؤدى بعنوانه الاولي أي تحدث مصلحة في صلاة الجمعة بعنوانها الاولي او تحدث مصلحة في صلاة الجمعة بعنوانها الثانوي وهو عنوان السلوك لا فرق من هذه الناحية فعلى كلا التقديرين يلزم التصويب مع ان الشيخ عليه الرحمة لا يقول بذلك وانما يقول بالمصلحة السلوكية وهي لا ترجع الى معنى معقول في مقابل المصلحة القائمة بالمؤدى.
فما ذكره شيخنا الانصاري(قد) لا يمكن المساعدة عليه.
قد يقال كما قيل ان الامارة اذا قامت على اباحة شرب العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه وفرضنا ان هذه الامارة تحدث مصلحة في المؤدى فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد وهو العصير العنبي المغلي قبل ذهاب ثلثيه فإنه حرام ومشتمل على مفسدة ملزمة واذا كان مشتملا على مصلحة فعندئذ يلزم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد واجتماع الحب والبغض والارادة والكراهة في شيء واحد.
قد يقال كما قيل أنه لا مانع من اجتماع الحكمين المتضادين على شيء واحد بعنوانين مختلفين فإذا كان العنوان متعددا وإن كان المعنون واحدا فلا مانع من اجتماع الحكمين المتضادين في المعنون ولكن بعنوانين مختلفين.
والنكتة في ذلك ان الاحكام الشرعية امور اعتبارية لا واقع موضوعي لها في الخارج ولا يمكن تعلق الاحكام الشرعية بالأفعال الخارجية والا لكانت خارجية وهذا خلف فرض انها احكام اعتبارية لا واقع موضوعي لها في الخارج فإذاً متعلق الاحكام الشرعية المفاهيم والعناوين في عالم الذهن ولكن أخذ هذه العناوين والمفاهيم ملحوظة بنحو المعرفية والمشيرية الى الخارج فإذاً ما هو في الخارج ـــ وهو المعنون ـــ مطلوب بالعرض وما هو مطلوب بالذات هو العنوان الموجود في الذهن.
ولكن هذا البيان غير صحيح لأنه ذكرنا غير مرة ان المضادة بين الاحكام الشرعية غير متصورة فإن الاحكام الشرعية امور اعتبارية وامرها بيد الشارع رفعا ووضعا لأن الجعل فعل اختياري للشارع مباشرة ولا تتصور المضادة بين الامور الاعتبارية لأنها لا واقع موضوعي لها في الخارج الا في عالم الاعتبار والذهن والمضادة والمناقضة والمماثلة انما تتصور في الامور التكوينية الخارجية لا في الامور الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج والتنافي في الاحكام الشرعية وعدم امكان جمع الوجوب والحرمة في شيء واحد من جهة المبادئ فإن الحرمة تابعة للمفسدة في متعلقها والوجوب تابع للمصلحة في متعلقه والمفسدة والمصلحة لا تجتمعان في شيء واحد فالشيء الواحد لا يمكن  أن يكون مشتملا على مصلحة ومفسدة معا ولا على الارادة والكراهة والحب والبغض فاستحالة اجتماع الضدين انما هي في مرحلة المبادئ لا في مرحلة الجعل والا فلا مضادة بين الوجوب بما هو اعتبار وبين الحرمة بما هو اعتبار والمضادة بين المصلحة والمفسدة وبين الحب والبغض والارادة والكراهة.
فما ذكر من انه لا مانع من اجتماع الضدين في شيء واحد اذا كانا بعنوانين غير تام