الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
ذكرنا أن شيخنا الانصاري(قد) قد التزم في باب الامارات الظنية بالمصلحة السلوكية وأن معنى حجية الامارات مبني على هذه المصلحة وقد أورد على هذا المسلك السيد الاستاذ(قد) بتقريب ان هذا المسلك يستلزم التسبيب وانقلاب الواقع من التعيين الى التخيير لأن سلوك الامارة اذا كان مشتملا على مصلحة ملزمة يتدارك بها المصلحة الفائتة الواقعية او الوقوع في المفسدة فعندئذ بطبيعة الحال لا يكون الواجب هو الواقع معينا وبحده الخاص فالمكلف حينئذ مخير بين استيفاء مصلحة الواقع في الاتيان به وبين سلوك الامارة واستيفاء المصلحة السلوكية التي يتدارك بها مصلحة الواقع فإذاً الواجب عليه احد الامرين ومعنى ذلك ان الواجب هو الجامع بين سلوك الامارة وبين الواقع لأن استيفاء مصلحة الواقع كما يمكن من خلال الاتيان بالواقع يمكن استيفائها بسلوك الامارة وقد ذكرنا في مبحث الواجب التخييري أن مرجع الواجب التخييري الى وجوب الجامع والمكلف مخير بين فرديه او افراده وليس مرجع الواجب التخييري الى جعل وجوبين مشروطين او جعل وجوبات مشروطة بل جعل وجوب واحد متعلق بالجامع ويكون المكلف مخيرا بين فرديه او افراده وفي المقام بما ان المكلف متمكن من استيفاء مصلحة الواقع بالإتيان به كما يتمكن من استيفاء مصلحة الواقع بسلوك الامارة المخالفة للواقع فإذاً بطبيعة الحال يكون الواجب هو الجامع بين الواقع وبين سلوك الامارة.
وعلى هذا فيكون المكلف على قسمين:
أحدهما: مَن قامت الامارة على عنده على خلاف الواقع وهو مكلف بالجامع بين سلوك الامارة وبين الواقع.
وثانيهما: مَن كان عالما بالواقع او جاهلا به ولكن لم تقم عنده امارة على خلاف الواقع فهو مكلف بالواقع تعيينا.
فالأول مكلف بالجامع بين سلوك الامارة وبين الواقع واما الثاني فحيث لم تقم عنده أمارة على خلاف الواقع سواء أ كان عالما بالواقع أم كان جاهلا به فعلى كلا التقديرين فهو مكلف بالواقع تعييناً ولازم ذلك ان لا يكون الحكم الواقعي مشتركا بينهما فأحدهما محكوم بالجامع وتكليفه الجامع بين الواقع وسلوك الامارة المخالفة للواقع والاخر تكليفه الواقع تعيينا فلا يكون الحكم الواقعي مشتركا بينهما.
وقد استدل(قد) على بطلان ذلك بأمرين:
الامر الاول: بالإجماع القطعي من الاصحاب على بطلان التسبيب سواء أ كان تسبيب الاشاعرة او التسبيب المنسوب الى المعتزلة او التسبيب الذي أبداه شيخنا الانصاري(قد) وهو المصلحة السلوكية فالتسبيب بكافة اشكاله باطل بالإجماع.
الامر الثاني: الروايات الكثيرة المتواترة التي تنص على ان الاحكام الواقعية مشتركة بين العالم بها والجاهل فلا يمكن ان لا يكون الحكم الواقعي مشتركا بين المكلفين فالأحكام الواقعية مشتركة بين العالم والجاهل.
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قد)[1].
ولنا تعليق على ما ذكره السيد الاستاذ(قد) وتعليق على ما ذكره شيخنا الانصاري(قد).
أمّا الاول فهنا تعليقان التعليق على اصل اشكال السيد الاستاذ(قد) على الشيخ والتعليق الثاني على ما اورده عليه من الدليل.
أما التعليق الاول فلا شبهة في ان أمارية الامارة الظنية متقومة باحتمال أصابته للواقع واحتمال عدم أصابته للواقع فالأمارة الظنية متقومة ذاتا وحقيقة بهذين الاحتمالين احتمال اصابتها للواقع واحتمال عدم اصابتها للواقع سواء أ كان الاحتمالان متساويين ام كان احدهما أكبر من الآخر فهذان الاحتمالان مقومان لأمارية الامارة وبمثابة الجنس والفصل للنوع وبانتفائهما تنتفي الامارة فإن الامارة متقومة ذاتا وحقيقة بهذين الاحتمالين وعلى ذلك لا بد من فرض وجود الواقع في المرتبة السابقة معيناً حتى يحتمل اصابة الامارة له او عدم اصابتها له وعلى هذا فالامارة على القول بالمصلحة السلوكية توجب انقلاب الواقع من الوجوب التعييني الى الوجوب التخييري المتعلق بالجامع  كما اذا فرضنا ان في الواقع الدعاء عند رؤية الهلال واجب تعيينا وقامت الامارة على عدم وجوبه فهذه الامارة بمقتضى اشتمال سلوكها على مصلحة ملزمة توجب انقلاب الواقع أي توجب انقلاب الوجوب التعييني الى الوجوب التخييري المتعلق بالجامع فلازم ذلك انتفاء الواقع واذا انتفى الواقع انتفت الامارة ايضا فإن الامارة متقومة باحتمال اصابتها للواقع تعيينا وعدم اصابتها له فاذا انتفى الواقع انتفت الامارة ايضا لأنه هذين الاحتمالين من المقومات الذاتية للأمارة وبمثابة الجنس والفصل للنوع وبانتفائهما تنتفي الامارة فلا امارة.
فإذاً يلزم من فرض وجود الامارة عدم وجودها ومن فرض قيامها عدم قيامها وكلما يلزم من فرض وجوده عدم وجوده فوجوده مستحيل فإذا فرضنا ان في يوم الجمعة الواجب هو صلاة الظهر والامارة قائمة على وجوب صلاة الجمعة في يومها وهذه الامارة لم تحدث مصلحة في صلاة الجمعة أي ان صلاة الجمعة تبقى على عدم وجوبها والمصلحة إنما هي في سلوك الامارة لا في مؤداها فمؤدى الامارة أي صلاة الجمعة لا مصلحة فيه  فلا تكون واجبة واقعا والامارة لم تحدث مصلحة فيها والمصلحة انما هي في سلوك الامارة وهذه الامارة توجب انقلاب الواقع أي توجب انقلاب الوجوب التعييني المتعلق بصلاة الظهر الى الوجوب التخييري المتعلق بالجامع وهو الجامع بين صلاة الظهر وبين سلوك هذه الامارة المخالفة للواقع فإذاً ينتفي الواقع فاذا انتفى الواقع التعييني تنتفي الامارة ايضا فإن الامارة متقومة بالاحتمالين احتمال اصابتها للواقع واحتمال عدم اصابتها له وبانتفاء الواقع ينتفي هذان الاحتمالان وبانتفائهما تنتفي الامارة لأنهما من المقومات الذاتية للأمارة وبمثابة الجنس والفصل لها فعندئذ يلزم من انقلاب الامارة للواقع ومن الوجوب التعييني الى الوجوب التخييري المتعلق بالجامع يلزم منه عدم وجود الامارة وعدم قيامها فيلزم من فرض وجودها عدم وجودها ومن فرض قيامها عدم قيامها وكلما يلزم من فرض وجود الشيء عدمه فوجوده مستحيل.
فإذاً ما ذكره السيد الاستاذ (قد) من ان المصلحة السلوكية في الامارة توجب انقلاب الواقع من الوجوب التعييني الى الوجوب التخييري يستلزم هذا المحذور أي يستلزم انتفاء الامارة نهائيا.
ولكن هذا المحذور انما يلزم اذا كانت المصلحة السلوكية في عرض المصلحة الواقعية فاذا كانت المصلحة السلوكية في عرض المصلحة الواقعية يلزم انقلاب الوجوب التعييني الى الوجوب التخييري المتعلق بالجامع واما اذا قلنا ان المصلحة السلوكية في طول مصلحة الواقع وكلتا المصلحتين للواقع غاية الامر اذا لم يتمكن المكلف من استيفاء مصلحة الواقع يستوفي المصلحة السلوكية فإنه اذا استوفى المصلحة السلوكية فقد استوفى المصلحة الواقعية لأنها في طول تلك المصلحة لا في عرضها  فعندئذ لا يلزم محذور الانقلاب فعندئذ كلتا المصلحتين ترجع الى مصلحة الواقع غاية الامر أحداهما في طول الاخرى فالمصلحة الواقعية متقدمة رتبة والمصلحة السلوكية في طولها وهي انما لتدارك تلك المصلحة الواقعية فعندئذ لا يلزم هذا المحذور.
ولعل مراد شيخنا الانصاري هو ذلك.


[1]  مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور العواظ، ج2، ص97.