الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
ذكرنا ان صاحب الكفاية (قد) قد أجاب عن إشكال الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي لأن الاحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات كالمصالح والمفاسد والإرادة والكراهة معلقة على عدم قيام الامارات والاصول العملية على خلافها، ومعنى ذلك ان قيام الامارات والاصول العملية مانع عن فعلية الاحكام الواقعية لأن عدم المانع شرط فإذاً قيام الامارات وكذلك الاصول العملية مانع عن فعليتها.
هذا الذي أفاده(قده) ـــ مضافا الى أنه غير تام ـــ يرد عليه: أن لازم ذلك اختصاص  الاحكام الواقعية بالعالم بها وأما الجاهل والشاك فيها فلا تكون تلك الاحكام فعلية في حقه وذلك لأن الجهل والشك مانع عن فعليتها باعتبار ان فعلية هذه الاحكام مشروطة بعدم الجهل والشك فيها فإذاً الجهل والشك يكون مانعا عن فعليتها فبطبيعة الحال يكون العلم شرطا لفعلية الاحكام الواقعية فلازم ما أفاده(قد) أن فعلية الاحكام الواقعية مشروطة بالعلم بها.
فإذاً الاحكام الواقعية الفعلية مختصة بالعالم بها ولم تثبت للجاهل والشاك فيها وهذا وإن كان ممكنا ثبوتا بلحاظ مرتبتين كما ذكرناه غير مرة من انه لا مانع من أخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول  ولا يلزم منه أي محذور لا الدور ولا تقدم الشيء على نفسه الا انه في مقام الاثبات بحاجة الى دليل وطالما لم يكن دليل على هذا التقييد فلا يمكن الالتزام به في مقام الاثبات.
ولكن المشهور قد بنوا على استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ومنهم صاحب الكفاية(قد) هذا مضافا الى انه لا شبهة في أن الاحكام الواقعية فعلية في موارد الامارات والاصول العملية لأن الامارات على تقدير مطابقتها للواقع منجزة للواقع وعلى تقدير المخالفة معذرة وكذلك الاصول العملية على تقدير المطابقة منجزة وعلى تقدير عدم المطابقة معذرة ومن الواضح ان الحكم الواقعي الفعلي قابل للتنجيز والتعذير وأما الحكم الواقعي إذا لم يكن فعليا بأن يكون في مرتبة الانشاء فهو غير قابل للتنجيز وغير قابل للتعذير فإن موافقة الحكم الانشائي لا تكون موضوعا للمثوبة ومخالفته لا تكون موضوعا للعقوبة فإن موضوع المثوبة والعقوبة موافقة الحكم الواقعي الفعلي ومخالفته.
فإذاً لا شبهة في أن الاحكام الواقعية فعلية في موارد الامارات والاصول العملية لأنها على تقدير المطابقة منجزة وموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها وعلى تقدير عدم المطابقة معذرة أي لا عقوبة عليها.
فما ذكره(قده) من ان الاحكام الواقعية ليست فعلية في موارد قيام الامارات والاصول العملية لا يرجع الى معنى معقول.
وأيضا يرد على ما ذكره(قد) أن لازم هذا التقييد وهذا الاشتراط أي اشتراط فعلية الاحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات في الواقع بعدم قيام الامارات والاصول العملية على خلافها أن لازم ذلك هو التسبيب أي انقلاب الواقع من الحكم الواقعي الفعلي الى الحكم الواقعي الانشائي فإن الامارات توجب انقلاب الواقع من الحكم الواقعي الفعلي الى الحكم الواقعي الانشائي وأمّا مؤديات الامارات حينئذ فهي احكام واقعية وليست احكاما ظاهرية لأن الامارات بناءً على ان حجيتها من باب السببية والموضوعية كما تقول بها المصوّبة بناءً على هذا فالأمارات تُحدِث مصلحة في مؤدياتها أقوى من مصلحة الواقع فلأجل ذلك توجب الانقلاب في الواقع وتؤدي الى ان مؤدياتها هي الاحكام الواقعية الفعلية وأما الاحكام الواقعية الاولية فهي في مرتبة الانشاء فهي تنقلب من مرتبة الفعلية الى مرتبة الانشاء واما الاحكام الواقعية الثانوية فهي الفعلية وهي عبارة عن مؤديات الامارات والاصول العملية وهذا هو التسبيب المعتزلي وسوف يأتي الكلام فيه.
وبعبارة أخرى أن لازم تقييد الاحكام الواقعية الفعلية بعدم قيام الامارات والاصول العملية على خلافها أمران:
الامر الاول: التسبيب فإن هذه الامارات توجب انقلاب الواقع باعتبار انها تحدث مصلحة في المؤدى أقوى من مصلحة الواقع فإذاً ينقلب الواقع الى المؤدى والواقع يبقى على مرتبة الانشاء والحكم الفعلي الواقعي هو مؤدى الامارة.
الامر الثاني: أن فعلية الحكم إنما  هي بعلم المكلف به فإنه إذا توفر تمام شروط فعلية الحكم فطالما لم يعلم به المكلف لم يكن فعليا فعلم المكلف بمثابة الجزء الاخير من العلة التامة لفعلية التكليف.
ولكن كلا الامرين غير صحيح.
أما الامر الاول فسوف يأتي أن التسبيب بتمام أقسامه باطل وغير  صحيح سواء أ كان التسبيب الاشعري او التسبيب المعتزّلي او التسبيب الامامي فإن التسبيب بتمام اقاسمه باطل وغير صحيح حتى التسبيب الامامي الذي يقول به شيخنا الانصاري(قده) فهو ايضا غير صحيح وباطل.
وأما الامر الثاني فإنه لا مانع ثبوتا من أخذ العلم بالحكم  في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول الا انه في مقام الاثبات بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك في مقام الاثبات، فالمرجع إذاً هو إطلاق الآيات والروايات ومقتضى إطلاقات الآيات والروايات هو ان الاحكام الواقعية الفعلية مشتركة بين العالم بها والجاهل فلا تكون مختصة بالعالم فما ذكره(قد) من ان الاحكام الواقعية الفعلية مختصة بالعالم ولم تثبت للجاهل والشاك فلا يمكن المساعدة عليه بل لا يرجع الى معنى صحيح.
بقي هنا امران:
الامر الاول: ما ذكره(قد) من أن الحكم الظاهري الترخيصي ناشئ من المصلحة في متعلقه هذا الذي افاده(قده) لا ينسجم مع كون  الحكم الترخيصي حكما ظاهريا بل هو حكم واقعي فإن الفرق بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري أن الحكم الواقعي ناشئ من الملاك في متعلقه فكل حكم ناشئ من الملاك في متعلقه فهو حكم واقعي لما ذكرناه غير مرة من ان حقيقة الحكم وروحه ملاكه واما الحكم بما هو اعتبار من المولى فلا أثر له، واما الحكم الظاهري فلم ينشأ من ملاك في متعلقه بل هو حكم طريقي شأنه تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير لدى الخطأ فاذا كان الحكم الترخيصي ناشئا من الملاك في متعلقه فلازم ذلك انه حكم واقعي وليس  بحكم ظاهري فما ذكره (قد) من  جعل ذلك حكما ظاهريا لا يمكن المساعدة عليه.
الامر الثاني: ذكر(قده) في غير مورد أن الحكم الواقعي فعلي في موارد الامارات والاصول العملية من بعض الجهات دون بعضها الاخر وقد ذكر ذلك في غير مورد أن الحكم الواقعي فعلي في موارد الامارات والاصول العملية من جهة دون جهة أخرى.
ومن الواضح ان هذا لا يرجع الى معنى معقول لأن فعلية الحكم انما هي بفعلية موضوعه في الخارج بتمام قيوده وشروطه فإن الموضوع اذ تحقق في الخارج بتمام قيوده وشروطه فالحكم  فعلي من تمام الجهات واما اذا لم يتحقق الموضوع في الخارج بتمام قيوده وشروطه ولو من جهة بعض قيوده فالحكم ليس بفعلي من تمام الجهات فلا يتصور ثالث بأن يكون الحكم فعليا من جهة وغير فعلي من جهة اخرى.
وذكر السيد الاستاذ (قده) ان كلمات المحقق الخراساني(قده) في المقام مشوشة  فإنه قد يعبر ان الحكم الواقعي فعلي من جهة وغير فعلي من جهة اخرى وقد يعبر بان الحكم الواقعي إنشائي وقد يعبر بأن الحكم الواقعي شأني أي اقتضائي فهذه تعابير مختلفة مشوشة مع انه فرق بين الحكم الانشائي والحكم الشأني فإن الحكم الشأني هو الحكم الاقتضائي في المرتبة السابقة على مرتبة الانشاء وهو مرتبة المصالح والمفاسد فمن اجل ذلك تكون كلماته وتعبيراته مشوشة.
ويمكن ان يكون مراده(قد) من جميع هذه التعبير أمرا واحدا وهو ان الاحكام الواقعية الفعلية بما  لها من المبادئ والملاكات مشروطة بعدم قيام الامارات والاصول العملية على خلافها ولكن قد يعبر عن ذلك بأنها فعلية من جهة وغير فعلية من جهة أخرى وقد يعبر بأنها شأنية وقد يعبر بأنها إنشائية والمقصود هو الجامع والتعبيرات مختلفة.
ومن هنا ذكر(قد) ان جميع شروط فعلية الحكم الواقعي متوفرة غير علم المكلف فلو علم به المكلف لتنجز الحكم فإن جميع شروط فعلية الحكم متوفرة غير علم المكلف به فمع علم المكلف به فقد تنجز فالعلم شرط لفعلية التكليف وتنجيزه.
إلى هنا قد تبين أن ما ذكره صاحب الكفاية (قد) لا يرجع الى معنى محصل.