الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
ذكرنا أن ما ذكره المحقق صاحب الكفاية(قد) يرجع الى وجهين[1]:
الاول: أن حجية الظن في باب الامتثال معلولة لقاعدة عدم وجوب دفع العقاب المحتمل.
الثاني: وعدم حجيته في هذا الباب معلول لقاعدة وجوب دفع العقاب المحتمل.
ولكن كلا الوجهين لا يرجع الى معنى محصل لأن كلا الوجهين مبني على ان حجية الظن في مرتبة متأخرة عن هذه القاعدة والامر بالعكس تماما فإنه إذا كان هناك دليل على حجية الظن في مقام الامتثال فهو وارد على هذه القاعدة ورافع لها بارتفاع موضوعها وجدانا فإن موضوع هذه القاعدة احتمال العقاب واذا دل الدليل على حجية الظن فهو رافع للعقاب قطعا وإن كان الظن مخالفا للواقع.
فإذاً حجية الظن في مرتبة متقدمة على هذه القاعدة وأما اذا لم يكن هناك دليل على حجية الظن فيصل الدور الى هذه القاعدة قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل أي  هل ان دفع العقاب المحتمل واجب او غير واجب؟
فما ذكره المحقق صاحب الكفاية(قد) لا يرجع الى معنى محصل ولا يمكن اتمامه وهذا نظير حجية الظن في باب إثبات الاحكام الشرعية فإنه اذ دل دليل على حجية الظن في ثبوت حكم شرعي من الوجوب او الحرمة فهو وارد على قاعدة التأمين ورافع لها بارتفاع موضوعها  وجدانا وهو عدم البيان لأن الظن بعد الحجية بيان وجدانا ورافع لموضوع هذه القاعدة فتكون هذه القاعدة في طول دليل حجية الظن وكذلك قاعدة وجوب دفع العقاب المحتمل في طول دليل حجية الظن فما ذكره المحقق صاحب الكفاية(قد) غير تام بل لا يرجع الى معنى معقول.
وأما الكلام في المقام الثاني فقد ذكر في هذا المقام وجهان:
الوجه الاول: أن جعل الحجية للظن بمكان من الامكان بقطع النظر عما قيل من ان جعل الحجية له يستلزم محالا كاجتماع النقيضين او الضدين او تحليل حرام او ما شاكل ذلك.
الوجه الثاني: أن المحاذير التي قيل بان جعل الحجية يستلزمها هل لها اساس واقعي او لا؟ يقع الكلام في هذا المقام في هذين الامرين:
أما الامر الاول فقد ذكر شيخنا الانصاري(قد)[2] أنه لا شبهة في امكان جعل الحجية للظن وقد استدل على ذلك بأمرين:
الامر الاول: الوجدان فإن كل أحد اذا راجع وجدانه لا يرى ما يدل على استحالة جعل الحجية للظن فاستحالة جعل الحجية للظن بحاجة الى دليل وطالما لم يكن هناك دليل فلا شبهة في امكان هذا الجعل والوجدان بذلك حاكم.
الامر الثاني: أن عدم الوجدان وإن لم يدل على عدم الوجود وهذا واضح إلا انه يكفي في امكان جعل الحجية احتمال امكانها فإنه يكفي في امكان جعل الحجية للظن احتمال إمكانها وذلك للسيرة القطعية العقلائية الجارية على اصالة الامكان وهي قاعدة عقلائية عامة في كل شيء اذا شك  في امكانه واستحالته فيبني العقلاء على امكانه فلا يعتنى باحتمال الاستحالة طالما لم يكن هناك دليل على الاستحالة.
فإذاً كل شيء شك في انه ممكن او مستحيل فالسيرة العقلائية جارية على امكانه وهذه السيرة ممضاة شرعا.
هكذا ذكره شيخنا الانصاري(قد).
وقد اورد عليه المحقق صاحب الكفاية بوجوه[3]:
الوجه الاول: أن بناء العقلاء على امكان شيء اذا لم تثبت استحالته غير ثابت حتى يكون حجة.
الوجه الثاني: لو سلم ان هذا البناء ثابت الا انه لما لم يكن مرتكزا في الاذهان وثابتا في اعماق النفوس فحجيته بحاجة الى صدور دليل من الشارع على الامضاء إذ ان بناء العقلاء في نفسه لا يكون حجة طالما لم يمض من قبل الشارع وحيث ان هذا البناء غير مرتكز في الاذهان فحجيته بحاجة الى دليل على الامضاء ولا دليل على الامضاء ولا يكفي في امضائه مجرد عدم صدور الردع من الشارع فإن عدم الردع انما يكون كاشفا عن الامضاء اذا كان بناء العقلاء امرا مرتكزا في الاذهان وثابتا في اعمقا النفوس ففي مثل ذلك اذا لم يرد ردع من قبل الشارع عن هذا البناء فهوة كاشف عن الامضاء كالسيرة الجارية على حجية اخبار الثقة او ظواهر الالفاظ وما  شاكل ذلك واما المقام فهو ليس كذلك.
الوجه الثالث: أنا لا نحتاج الى بناء العقلاء فإن الادلة التي استدل بها على حجية الظن كالآيات والروايات والسيرة العقلائية فهي كافية في اثبات امكان جعل الحجية للظن فإن أدل دليل على امكان الشيء وقوعه في الخارج إذ لو لم يمكن لم يقع في الخارج فوقوعه كاشف عن امكان وجوده في الخارج.
هكذا اورده صاحب الكفاية(قد) على ما ذكره شيخنا الانصاري(قد)
وقد اورد على ما ذكره صاحب الكفاية(قد) من الاشكالات السيد الاستاذ(قد)[4] وحاصل ما ذكره ان المراد من اصالة الامكان في كلام الشيخ عليه الرحمة أصالة الظهور ولا شبهة في حجية اصالة الظهور بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا أي ان السيرة القطعية من العقلاء جارية على حجية اصالة الظهور وامكان التمسك بهذه الاصالة حتى في موارد الشك واحتمال ان مدلول كلام المولى مستحيل ثبوته في الواقع ومقام الثبوت حتى في هذه الموارد موارد الشك نتمسك بأصالة الظهور باعتبار ان الظهور موجود في مقام الاثبات وحجيته ثابتة ببناء العقلاء الممضى شرعا حتى اذا شك في استحالة ثبوت مضمون هذا الدليل في الواقع إذ هذا الاحتمال لا  يكن مانعا عن التمسك بأصالة الظهور لأنها حجة حتى مع هذا الاحتمال كما اذا فرضنا أن المولى امر بإكرام كل عالم وقال أكرم كل عالم فلا شبهة في ظهور هذا الكلام في وجوب أكرام كل عالم ولا شبهة في حجيته بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا كما انه لا  شبهة في جواز التمسك بهذه الاصالة عند الشك في التخصيص او التقييد وكذلك لا  شبهة في جواز التمسك بها فيما احتمل  ان مضمون هذا الكلام لعله مستحيل ثبوته في الواقع لسبب او أخر مع هذا الاحتمال ايضا لا شبهة في جواز التمسك بهذه الاصالة لأنها حجة ومثل هذا الاحتمال لا يكون مانعا عن حجية هذه الاصالة وجواز التمسك بها.
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قد).
ولكن للمناقشة فيه مجالا.
فإن كون مراد الشيخ عليه الرحمة من اصالة الامكان اصالة الظهور بحاجة الى قرينة والا فظاهر كلام الشيخ ان مراده من اصالة الامكان عند الشك والاستحالة والامكان انما هو في مقام الثبوت اذا شككنا في استحالة اصل جعل الحجية للظن أي ان اصل جعل الحجية للظن في مقام الثبوت هل هو ممكن او انه مستحيل في مقام الثبوت؟ فالشيخ عليه الرحمة بنى على امكانه كما هو الحال في سائر الاشياء فكل شيء شك في امكان ثبوته ووجوده واستحالة وجوده في الخارج فالعقلاء بنوا على امكانه وكذلك جعل الحجية للظن وما ذكره السيد الاستاذ(قد) راجع الى مقام الاثبات اذ مع انعقاد ظهور للكلام لا شبهة في حجية هذا الظهور بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا وجواز التمسك بهذه السيرة من دون شبهة عند احتمال التخصيص او التقييد في مقام الاثبات كما لا شبهة في جواز التمسك بها عند احتمال استحالة ثبوت مضمون هذا الكلام في مقام الثبوت فإن هذا الاحتمال لا يمنع عن حجية هذه الاصالة ولهذا لا مانع من التمسك بها عند هذا الاحتمال في مقام الاثبات والظاهر  ان مراد الشيخ عليه الرحمة من اصالة الامكان اصالة الامكان في مقام الثبوت وكلامه ناظر الى ان اصل جعل الحجية للظن هل هو ممكن او انه مستحيل؟ هذا هو محل كلامه فما ذكره السيد الاستاذ(قد) من الاشكال على الشيخ عليه الرحمة غير وارد.


[1] كفاية الاصول، المحقق الخرساني، ص275.
[2] فرائد الاصول، الشيخ الانصاري، ج1، ص106.
[3] كفاية الاصول، المحقق الخرساني، ص 276.
[4] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص90.