الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فروع
الوجه الرابع: أن تحالف المدعيين في باب التداعي لا يقتضي أكثر من انفساخ العقد ظاهرا لأن المحق انما هو احد المتبايعين ولا يكون كلاهما محقا كما انه لا يكون كلاهما غير محق فلا محالة يكون احدهما محقا دون الاخر فاذا فرضنا في المثال السابق ان المشتري محق في دعواه فإن المشتري يدعي ان المبيع هو كتاب الجواهر والبائع يدعي ان المبيع هو كتاب البحار كما ان المشتري يدعي ان الثمن ألف تومان والبائع يدعي ان الثمن ألف دينار وفرضنا ان المشتري هو المحق دون البائع والمشتري يريد تسليم الثمن للبائع ولكن البائع امتنع عن تسليم المبيع واذا امتنع عن تسليم المبيع ثبت خيار تخلف الشرط الضمني للمشتري فإن المتبايعين حين البيع يشترط كل منهما على الاخر ضمنا وارتكازا اذا امتنع كل منهما عن تسليم العوض ثبت الخيار  للأخر فالبائع يشترط على المشتري في ضمن العقد ارتكازا ان المشتري اذا امتنع عن تسليم الثمن ثبت الخيار وكذلك المشتري يشترط على البائع ثبوت الخيار له اذا امتنع البائع عن تسليم المبيع وفي المقام البائع امتنع عن تسليم المبيع فإذا امتنع عن تسليم المبيع ثبت الخيار  للمشتري واذا ثبت الخيار للمشتري فهو يفسخ العقد الواقع بينهما واقعا.
فإذاً التحالف بينهما وإن كان لا يقتضي أكثر من انفساخ العقد ظاهرا الا انه يستلزم ثبوت  الخيار للمحق من جهة تخلف الشرط الضمني الارتكازي فاذا ثبت له الخيار فله فسخ العقد الواقع بينهما واقعا.
هذا هو حاصل هذا الوجه.
ولكن للمناقشة فيه مجالا.
فإن هذه القاعدة وإن كانت ثابتة ولا شبهة فيها فإن كل من البائع والمشتري اذا امتنع عن تسليم العوض ثبت خيار تخلف الشرط لكل منهما على الاخر أي ان المشتري في ضمن شرائه من البائع يشترط عليه ضمنا وارتكازا ثبوت الخيار له اذا امتنع البائع عن تسليم المبيع وكذلك البائع إنما يبيع ماله من المشتري ويشترط ضمنا وارتكازا ثبوت الخيار له اذا امتنع المشتري عن  تسليم الثمن لا شبهة في ثبوت هذه القاعدة الارتكازية في باب المعاملات الا ان المقام ليس من مصاديقها فإن المشتري وإن كان محقا ولكن البائع امتنع عن تسليم كتاب الجواهر لا من جهة اعتقاد انه مبيع بل من جهة اعتقاد انه ليس بمبيع والمبيع انما هو كتاب البحار لا كتاب الجواهر فامتناع البائع عن تسليم كتاب الجواهر ليس من امتناعه عن تسليم المبيع حتى يثبت خيار تخلف الشرط الضمني الارتكازي في البيع فمن اجل ذلك لا تنطبق هذه القاعدة على المقام.
والصحيح هو ما ذكرناه من ان التحالف اذا وقع بين المدعيين وبعد سقوط كلا الحلفين بالتعارض يحكم الحاكم بالانفساخ واقعا لأن للحاكم ولاية في المسألة فيحكم بولايته بانفساخ العقد واقعا وانتهاء الخصومة بين المتخاصمين وقلع مادة النزاع بينهما واقعا ولا يمكن ان يكون  حكم الحاكم بإنهاء الخصومة بينهما ظاهريا فإن لازم ذلك الترخيص في المخالفة القطعية العملية فإن المشتري يعلم بان ذمته مشغولة إما بألف تومان او بألف دينار وكذلك البائع يعلم ان المبيع اما كتاب البحار في الواقع او كتاب الجواهر وهذا العلم الاجمالي منجز فلا يجوز تصرف البائع في كليهما معا لأنه يعلم بان احدهما ملك للمشتري كما لا يجوز لثالث ان يجمع بينهما فإنه يعلم بعدم انتقال احدهما اليه لأن احدهما ملك للمشتري لا البائع فإذا اشترى كليهما أي كتاب الجواهر وكتاب البحار معا من البائع يعلم تفصيلا ان احدهما لم ينتقل اليه لأنه ملك الغير ولاجل ترتب هذه الامور على الانفساخ الظاهري فلا يمكن ان يكون حكم الحاكم بالانفساخ ظاهريا وحكم الحاكم بإنهاء الخصومة بين المتخاصمين ظاهريا فلا محالة يكون واقعيا.
الفرع الرابع من الفروع التي ذكرها شيخنا الانصاري(قد)[1]: إذا وضع احد درهمين عند شخص ووضع الاخر درهما عنده فتلف احد الدرهمين ولا يدري ان التالف من صاحب الدرهمين او انه من صاحب الدرهم الواحدة فالتالف مردد بينهما إما من جهة جهل الودعي بالحالة او من جهة اختلاط درهم واحد مع الدرهمين وعدم الميز بينها، فإذاً التالف مردد بينه كونه من صاحب الدرهم او من مال صاحب الدرهمين فهل يمكن تعيين أنه من صاحب الدرهم الواحدة او من صاحب الدرهمين وحل هذه المشكلة؟
والجواب ان هاهنا طريقين لحل هذه المشكلة:
الطريق الاول: أن احد الدرهمين الباقيين ملك لصاحب الدرهمين على كل حال واما الدرهم الاخر فهو مردد بين كونه لصاحب الدرهمين او لصاحب الدرهم الواحدة فيقوم بالتنصيف بينهما بأن يجعل هذه الدرهم نصفين نصف لصاحب الدرهمين ونصف لصاحب الدرهم الواحدة وقد استدل على ذلك برواية السكوني[2] فقد وردت في هذه المسألة وتدل على التنصيف فإذا فقد احد الدراهم وبقي درهم فأحدجهما ملك لصاحب الدرهمين قطعا والاخر مردد ببين كونه من صاحب الدرهمين او من صاحب الدرهم الواحدة فرواية السكوني تدل على تنصيف هذا الدرهم بينهما .
ورواية السكوني وإن كانت تامة من ناحية الدلالة الا انها ضعيفة من ناحية السند فإن في سندها النوفلي وهو ممن لم يثبت توثيقه غير وروده في أسناد كامل الزيارة وقد ذكرنا غير مرة انه لا يجدي في توثيقه.
فإذاً الرواية ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها، فلا يمكن حل المشكلة بذلك.
الطريق الثاني: ما نسب الى الشهيد الاول(قد) من جعل الدرهمين أثلاثا فثلث كل درهم لصاحب الدرهم الواحدة وثلثاه لصاحب الدرهمين فالنتيجة انه يعطى لصاحب الدرهمين درهما وثلث الدرهم ويعطى لصاحب الدرهم الواحدة ثلثا درهم.
وقد أستدل على ذلك بان هذا هو مقتضى الشركة بين صاحب الدرهمين وصاحب الدرهم الواحدة فالتثليث هكذا نسب الى الشهيد الاول(قد).
وقد اورد على القول الاول بأن هذا التنصيف تنصيف ظاهري لا واقعي فإن في الواقع تمام هذا الدرهم أما ملك لصاحب الدرهمين او ملك لصاحب الدرهم الواحدة فلا يمكن ان يكون نصفه لصاحب الدرهمين ونصفه الاخر لصاحب الدرهم الواحدة فهذا التقسيم خلاف الواقع وجدانا فإذا قسم  بينهما فلا يجوز لثالث ان يجمع بين النصفين لأنه يعلم اجمالا بأن احد النصفين لم ينتقل اليه لأنه ملك الغير ولا يجوز تصرفه في كلا النصفين[3].
وقد أجاب عن ذلك السيد الاستاذ(قد) تارة بان حكم الشارع بالتنصيف صلح قهري  بينهما وللشارع ذلك من باب الولاية فإن حكم الشارع بتنصيف الدرهم بينهما صلح قهري بينهما من باب الولاية فعندئذ كلا منهما يملك النصف واقعا، وقد استدل على ذلك برواية السكوني وانها تدل على ان حكم الشارع بالتنصيف صلح قهري  بينهما كما ان لهما (صاحب الدرهمين وصاحب الدرهم الواحدة) أن يتصالحا بذلك لا مانع منه وأخرى بـأن هذا التنصيف مبني على قاعدة العدل والانصاف وهذه القاعدة قاعدة عقلائية أمضاها الشارع[4].
والصحيح في المقام ان يقال ان كلا القولين غير صحيح، اما القول الاول وهو التنصيف فلا دليل عليه غير رواية السكوني وقد قلنا انها غير تامة السند، ومن هنا يظهر ان ما ذكره السيد الاستاذ(قد) من ان حكم الشارع بالتنصيف صلح قهري ولاية مبني على تمامية رواية السكوني والمفروض انها غير تامة السند فإذاً ما ذكره السيد الاستاذ من الصلح القهري لا دليل عليه الا رواية السكوني ولا يمكن الاستدلال بها، واما قاعدة والانصاف فهي غير ثابتة مطلقا ففي كل مورد ثبوتها بحاجة الى دليل ولا دليل في المقام على هذه القاعدة بشكل عام وأما رواية السكوني على تقدير تسليمها فلا تكون دليلا على هذه القاعدة بل هي دليل على الصلح القهري.
فالنتيجة أن ما ذكره السيد الاستاذ(قد) من ان قاعدة العدل والانصاف قاعدة عقلائية ثابتة بإمضاء الشارع لها ليس الامر كذلك كما عرفت.
واما ما نسب الى الشهيد الاول(قد) من التثليث فهو مبني على الاشتراك بنحو المشاع بان تكون الدراهم الثلاث مشترك بين صاحب الدرهمين وصاحب الدرهم الواحدة بنحو الاشاعة وهذا لا يمكن فإن الشركة بنحو المشاع اما من البداية كما اذا اشترى دارا او ارضا او محلة او بستانا او غيرها بنحو الشركة المشاعة فعندئذ يكون كل من الشريكين شريك في كل جزء من اجزاء العين أو يكون بنحو المزج كما اذا مزج لبنه بلبن اخر او مائع بماء اخر او خله بخل اخر فإنه يوجب الشركة بينهما بان يكون كل منهما شريكا في هذا المائع بكل جزء من اجزائه.
فإذاً الشركة إما عقدية او مزجية وشيء منهما لا ينطبق على المقام فإن الشركة العقدية غير موجودة في المقام واما الشركة فلا تتصور بين الدراهم الثلاثة فإن كل درهم بحده الفردي ملكا  لمالكه وليس مشتركا بينه وبين غيره.
فالنتيجة ان كلا القولين غير صحيح.
والصحيح في المقام هو القرعة فلا بد من الرجوع اليها لتعيين الدرهم فإن أحد الدرهمين الباقيين ملك لصاحب الدرهمين والدرهم الثاني مردد بين كونه ملكا لصاحب الدرهمين او ملكا لصاحب الدرهم الواحدة ولا طريق لتعيين ذلك فلا مناص من الرجوع الى القرعة في تعيين ذلك وروايات القرعة روايات معتبرة فلا بأس بالرجوع اليها في المقام.
هذا تمام كلامنا في  مبحث القطع.


[1] فرائد الاصول، الشيخ الانصاري، ج1، ص80.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص452، كتاب الصلح، باب12، ح1، ط آل البيت.
[3] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص61.
[4] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص62.