الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فروع
الفرع الثاني ما اذا اختلف الشخصان بعد اتفاقهما على ان المال ينتقل عن ملك المالك الى ملك غيره ولكن ادعى احدهما انتقاله بالبيع والاخر يدعي ان انتقاله بالهبة، فصاحب المال يدعي ان انتقاله بالبيع وأما الاخر فهو يدعي ان انتقاله بالهبة فعندئذ إن أقام كل منهما بينة على ذلك فتقع المعارضة بين البينتين فتسقطان معا واما إن أقام احدهما بينة على مدعاه فيؤخذ بقوله دون قول الاخر واما اذا لم تكن لهما بينة فعندئذ يصل الدور الى الحلف فإن حلف احدهما يؤخذ بقوله دون الاخر وأما إن حالف كلاهما معا فعندئذ يحكم بانتقال المال من المالك الثاني الى المالك الاول ظاهرا وهذا الحكم الظاهري مخالف للعلم التفصيلي بانتقال المال من ملك المالك الاول الى ملك الثاني فمن اجل ذلك في هذا الفرع توهم ردع القاطع عن العمل بقطعه والمنع عن العمل به.
وقد أجاب عن ذلك الاسيد الاستاذ(قد) بأن الهبة على نحوين تارة مدعي الهبة يدعي الجائزة و أخرى يدعي الهبة اللازمة، اما الهبة اذا كانت جائزة فمجرد دعوى البيع وانكار الهبة يعد رجوع فإن لازم انكار الهبة الرجوع والمفروض ان المالك يدعي البيع وانكر الهبة وانكار الهبة يعد رجوع فلا اثر لدعوى الهبة فإن المالك وإن اوهب فقد رجع عنها بإنكاره فإن  لازم انكاره الرجوع كأنكار الوكالة إذ لازمها الرجوع عن الوكالة واما الهبة إن كانت لازمة فعندئذ هنا دعويين، دعوى البيع ودعوى الهبة اللازمة فإن كانت لأحدهما بينة دون الاخر يؤخذ بقوله ويطرح قول الاخر وإن كانت لكليهما بينة فتقع المعارضة بين البينتين فتسقطان معا فحالهما حال عدم وجود البينة لكل منهما فيصل الدور الى الحلف فإن حلف احدهما ونكل الاخر يؤخذ بقول الحالف وإن حلف كليهما معا انفسخ العقد ورجع المال الى ملك مالكه فليس هنا مخالفة للعلم التفصيلي ولا للعلم الاجمالي فإن التخالف اذا كان لكليهما معا بأن يحلف مدعي البيع ومدعي الهبة فاذا حلف كلاهما معا انفسخ العقد سواء أ كان العقد هبة ام كان بيعا ويرجع المال الى ملك مالكه الاول فليس هنا أي مخالفة للعلم التفصيلي ولا للعلم الاجمالي[1].
أما ما ذكره السيد الاستاذ(قد) بالنسبة الى الهبة الجائزة فهو تام لأن انكار مدعي البيع الهبة لازمه الرجوع أي انفساخ الهبة فإن للواهب ان يرجع في الهبة اذا كانت الهبة جائزة فإنكار الهبة لازمه الرجوع كإنكار الوكالة وما شاكلها، وأما الهبة اذ كانت لازمة فالمسألة د\اخلة في باب التداعي على ما ذكره(قد) في المقام أي في هذه المسألة في باب القطع فإن كل منهما يدعي شيئا فمدعي البيع يدعي بيعا ومدعي الهبة يدعي هبة فإن أقام احدهما بينة دون الاخر فالقول قوله واما اذا لم يكن لأي منهما بينة أو كان لكليهما بينة فعندئذ تقع المعارضة وتسقطان من جهة المعارضة فيصل الدور الى الحلف فإن حلف أحدهما ونكل الاخر فالقول قول الحالف وإن حلف كليهما انفسخ العقد.
هكذا ذكره(قد) في هذا الباب
ولكن عدل عن ذلك في تكملة المنهاج في باب القضاء والشهادة[2] وذكر هناك ان المسألة داخلة في باب المدعي والمنكر ولم تكن  داخلة في باب التداعي فإن مدعي البيع في الحقيقة يدعي اشتغال ذمة الاخر بالثمن وله حق إلزامه بالوفاء به فإن لم يف به فله حق استرجاع العين.
فإذاً المالك يدعي حقين على الاخر اشتغال ذمته بالثمن وله حق إلزامه بالوفاء به فإن لم يف به فله حق استرجاع العين.
واما المدعي للهبة فهو منكر لاشتغال ذمته بالثمن ومنكر لحقه استرجاع العين فهو في الحقيقة منكر فضابط مسألة المدعي والمنكر منطبق على المقام فإن مدعي البيع يدعي في الحقيقة اشتغال ذمة مدعي الهبة بالثمن وله حق الزامه بالوفاء به فإن لم يف به فله حق استرجاع العين منه واما مدعي الهبة فهو منكر لذلك أي منكر لاشتغال ذمته بالثمن فيدعي الهبة وليس للأخر حق استرجاع العين فقاعدة المدعي والمنكر تنطبق على المقام لا قاعدة التداعي فإن معنى التداعي ان كل منهما يدعي شيئا على الاخر كما ان كل منهما ينكر ما يدعي الاخر لذا فكل منهما مدعي ومنكر معا وهذا هو باب التداعي فإن كل منهما يدعي شيئا على الاخر وينكر ما يدعي الاخر ثبوته عليه ومن هنا لا تنطبق قاعدة التداعي على المقام ومن هنا فالصحيح ما ذكره السيد الاستاذ(قد) في تكملة المنهاج لا في المقام.
نعم اذا قلنا بان المجعول في العقد اللازم الملكية المطلقة والملكية الدائمة وفي العقد الجائز الملكية المقيدة الى زمان الفسخ والى زمان الرجوع مثلا في الهبة الجائزة المجعول الملكية المقيدة الى زمان الرجوع وفي العقد الجائز الملكية المقيدة الى زمان الفسخ وفي الهبة اللازمة المجعول والمنشأ الملكية المطلقة والدائمة فعلى هذا اذا ادعى المالك البيع الخياري وادعى صاحبه الهبة اللازمة فإن دعوى المالك ترجع الى دعوى الملكية المقيدة واشتغال ذمة مدعي الهبة بالثمن واما مدعي الهبة فيدعي الملكية المطلقة الدائمة على المالك فإذاً يدعي كل منهما ثبوت شيء على الاخر وينكر ما يدعيه الاخر عليه فإن المالك يدعي اشتغال ذمة مدعي الهبة بالثمن وينكر الملكية المطلقة الدائمة واما مدعي الهبة فهو يدعي ثبوت الملكية المطلقة الدائمة على المالك وينكر اشتغال ذمته بالثمن فتدخل المسألة في باب التداعي وقاعدة باب التداعي منطبقة عليها.
ولكن ذلك غير صحيح فإن هذا التصور لا دليل عليه في مقام الاثبات فإنه إن أريد بالملكية المجعولة الملكية المجعولة من المتعاملين كالبائع والمشتري مثلا فلا شبهة في ان المجعول هو الملكية غير المقيدة فالبائع انشأ ملكية المبيع ولا يكون مقيدا بشيء والمشتري انشأ ملكية البائع للثمن بدون تقييد سواء أ كان البيع خياريا ام كان لازما فإن المنشأ من كل من المتعاملين مطلق وغير مقيد بشيء وإن أريد بذلك الملكية الشرعية أي أدلة الامضاء فأيضا يرد عليه انه لا شبهة في ان أدلة الامضاء مطلقة فإنها بإطلاقها تشمل العقود الخيارية والعقود اللازمة على منوال واحد ولا تقييد في شيء من أدلة الامضاء.
فالنتيجة ان هذا التصور وإن كان ممكنا ثبوتا إلا انه لا يمكن اتمامه اثباتا ولا دليل عليه.


[1] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد سرور الواعظ، ج2، ص64.
[2] تكملة منهاج الصالحين للسيد الخوئي، ص17، مسألة65.