الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الامتثال الاجمالي
ذكر السيد الأستاذ(قد)[1] أن مراد المحقق النائيني(قد) من ان الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي أن في موارد الامتثال التفصيلي انبعاث المكلف عن شخص الامر وأما في موارد الامتثال الاجمالي انبعاث  المكلف من احتمال الامر واحتمال الامر متأخر عن شخص الامر فمن اجل ذلك يكون الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي ومتأخر عنه رتبة باعتبار أن الانبعاث عنه عن احتمال الامر بينما يكون الانبعاث في موارد الامتثال التفصيلي عن شخص الامر.
ثم ذكر أن هذا البيان غير تام.
أما أولا: فلأن الامر بشخصه لا يكون محركا للمكلف فيمكن أن يكون الامر موجودا في الواقع ولا يكون محركا وباعثا للمكلف، فالمحرك انما هو الامر بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي أي إذا علم المكلف بالأمر فهذا هو الذي يكون محركا وباعثا له وحينئذ في موارد الامتثال التفصيلي يكون المحرك هو العلم بالأمر في الواقع وفي موارد الامتثال الاجمالي هو احتمال وجوده في الواقع فيكون الاحتمال في عرض العلم ولا يكون متأخرا عن العلم كما ان متعلق الاحتمال وجود الامر في الواقع غاية الامر وجوده المشكوك كذلك في موارد الامتثال التفصيلي متعلق العلم هو وجود الامر، فيكون الاحتمال في عرض العلم ولا يكون الامتثال الاجمالي حينئذ في طول الامتثال التفصيلي بل هو في عرضه فلا تقدم ولا تأخر بينهما فعندئذ لا وجه لعدم جواز الامتثال الاجمالي الا مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي بل يجوز الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي كما إذا فرضنا أن المكلف متمكن من تشخيص أن الصلاة واجبة عليه قصرا أو تماما اجتهادا أو تقليدا  ولكن مع ذلك يجوز له الاحتياط ويجع بين الصلاتين معا فلا يجب عليه تشخيص الوجوب في الواقع أما وجوب الصلاة قصرا أو وجوب الصلاة تماما.
فإذاً يكون الامتثال الاجمالي في عرض الامتثال التفصيلي.
وبكلمة أخرى أن الامتثال الاجمالي والتفصيلي كلاهما منشأه تنجز التكليف غاية الامر تنجز التكليف يكون بالعلم وأخرى يكون بالاحتمال، ففي موارد الامتثال التفصيلي يكون التنجز مستندا الى العلم وفي موارد الامتثال الاجمالي يكون مستندا الى الاحتمال أي احتمال التكليف منجز طالما لم يكن أصل مؤمن على خلافه كما في المقام أي في موارد العلم الاجمالي ليس هنا أصل مؤمن على خلاف هذا الاحتمال أي احتمال وجوب صلاة القصر واحتمال وجوب الصلاة تماما أو احتمال وجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة او احتمال وجوب صلاة الجمعة في هذا اليوم فإن هذا الاحتمال منجز طالما لم يكن اصل مؤمن على خلافه كما هو المفروض في موارد العلم الاجمالي.
فإذاً الباعث للمكلف هو تنجز التكليف ولكن تنجز التكليف في موارد الامتثال التفصيلي مستند الى العلم وفي موارد الامتثال الاجمالي مستند الى الاحتمال، فالاحتمال يكون منجزا كالعلم طالما لم يكن أصل مؤمن ومن الواضح أن تنجيز الاحتمال للتكليف في الواقع لا يتوقف على عدم تنجيزه بالعلم بل يتوقف على ان لا يكون أصل مؤمن على خلافه فإن الاصل المؤمن إذا كان على خلاف الاحتمال مانع عن تنجيزه وأما إذا لم يكن هناك اصل مؤمن فاحتمال التكليف منجز وموجب للاحتياط كما في موارد العلم الاجمالي والشبهات قبل الفحص وما شاكل ذلك، وعلى هذا فلا يكون الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي بل هو في عرضه فما ذكره المحقق النائيني(قد) غير تام.
وثانيا: قد تقدم أن العلم الاجمالي تعلق بالتكليف المتعلق بالفرد بحده الفردي وهو معلوم في الواقع وعند الله فإن في الواقع التكليف تعلق بالفرد بحده الفردي ومعلوم في علم الله تعالى ولكن المكلف جاهل فإن الوجوب المجعول في الشريعة المقدسة يوم الجمعة تعلق بإحدى الصلاتين قطعا بعنوانها الخاص وباسمها المخصوص في الواقع وفي علم الله ولكن المكلف جاهل فلا يتمكن من تشخيص الوجوب أنه متعلق بصلاة الجمعة بحدها الخاص أو بصلاة الظهر كذلك وكذلك في سائر الموارد كما إذا علم المكلف في الشبهات الموضوعية بنجاسة أحد الاناءين فبطبيعة الحال منشأ هذا العلم هو العلم الاجمالي بملاقاة أحد الاناءين للنجاسة أو وقوع قطرة من النجس في أحدهما ولكن المكلف لا يدري أنه وقعت في الاناء الشرقي أو في الاناء الغربي أو في الاناء الاسود او في الاناء الابيض ولكن في الواقع وعلم الله معلوم والمكلف جاهل بذلك.
فإذاً التكليف في موارد العلم الاجمالي تعلق بالفرد بحده الفردي والعلم تعلق بهذا التكليف فالتنجز مستند الى العلم لا أنه مستند الى الاحتمال.
نعم بناء على ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قد) ومنهم السيد الاستاذ(قد)[2] من ان متعلق العلم الاجمالي التكليف المتعلق بالجامع الانتزاعي مع انه لا شبهة في أن التكليف المتعلق بالجامع الانتزاعي مفهوم التكليف لا واقعه والا فواقع التكليف متعلق بالفرد بحده الفردي ولكن  الجامع منتزع من قبل العقل من جهة أن العلم لا يمكن ان يتعلق بالواقع بحده الواقعي فالعلم انما يتعلق بالمفهوم وحيث ان المكلف مردد بين ان يكون متعلق التكليف هذا الفرد او ذاك فالعقل يخترع الجامع الانتزاعي الذي هو متعلق العلم والتكليف المتعلق به مفهوم التكليف ولا أثر له ولا قيمة له واختراع هذ الجامع للإشارة الى الواقع بإشارة ترددية الى أحد الفردين في الخارج وهو متعلق التكليف واقعا.
فإذاً بناءً على ما هو الصحيح من ان التكليف في موارد العلم الاجمالي متعلق بالفرد بحده الفردي والعلم تعلق بهذا التكليف المتعلق بالفرد بحده الفردي لكن بواسطة الجامع الانتزاعي المشير الى ذلك فيكون تنجزه مستند الى العلم لا الى الاحتمال.
فإذاُ لا فرق بين موارد الامتثال التفصيلي وبين موارد الامتثال الاجمالي فإن تنجز التكليف في كلا الموردين مستند الى العلم غاية الامر أنه في موارد الامتثال التفصيلي مستند الى العلم التفصيلي واما في مورد الامتثال الاجمالي فهو مستند الى العلم الاجمالي، العلم تعلق بالمفهوم المجمل المشير الى الواقع المردد بين فردين، فهذا العلم هو المنجز فلا إشكال من أصله.
إلى هنا قد تبين أن ما ذكره المحقق النائيني من ان الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي لا يمكن المساعدة عليه.
ومن ناحية أخرى إذا شككنا في ان ما ذكره المحقق النائيني وهو أن الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي أو لا ولم نحرز انه في طوله فهل المرجع قاعدة الاشتغال او المرجع قاعدة البراءة؟
ذكر المحقق النائيني(قد)[3] ان المرجع هو قاعدة الاشتغال لأن المكلف إذا شك في أن الامتثال الاجمالي هل هو في طول الامتثال التفصيلي أو لا؟ فمرجع هذا الشك الى الشك في التعيين والتخيير فهو شاك في ان الامتثال التفصيلي واجب عليه معينا أو هو مخير بينه وبين الامتثال الاجمالي  وفي دوران الامر بين التعيين والتخيير المرجع هو أصالة التعيين أي قاعدة الاشتغال، هكذا ذكره لمحقق النائيني(قد).
ولكن لا بد من النظر فيه:
أولا: أن المكلف إذا شك أن الامتثال الاجمالي هل هو في طول الامتثال التفصيلي أولا ؟ فمرجع هذا الشك الى الشك في التعيين والتخيير أو لا يكون مرجع هذا الشك الى الشك بين التعيين التخيير؟ وعلى تقدير تسليم ان مرجع هذا الشك الى الشك في التعيين والتخيير فهل المرجع في هذا الشك أصالة التعيين دون التخيير أو لا؟
أما الكلام في الاول فإن كان الشك في ان الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي مرجعه الى ان الامتثال الاجمالي هل يكون مقربا وحسنا مع تمكن المكلف من الامتثال التفصيلي أو لا يكون مقربا وحسنا؟ وقد تقدم ان الحسن والقرب من مقومات العبادة وان عبادية العبادة متقومة بالحسن والقرب الفعلي وشككنا ان الامتثال الاجمالي مع تمكن المكلف من الامتثال التفصيلي هل يكون مقربا وحسنا او لا؟ فإن كان الشك في ذلك فيكون من قبيل الشك في المحصل أي هل يكون الامتثال الاجمالي محصلا للغرض او لا يكون محصلا؟ والشك في المحصل مورد قاعدة الاشتغال دون قاعدة البراءة.
وأما اذا كان الشك في ان الامتثال الاجمالي هل هو في طول الامتثال التفصيلي هو من قبيل الشك في ان انبعاث المكلف عن احتمال الامر هل هو طول انبعاثه عن شخص الامر او لا؟ فمرجع هذا الشك الى التعيين والتخيير أي هل يجب على المكلف الامتثال التفصيلي تعيينا او انه مخير بينهما؟ للشك في ان انبعاثه عن احتمال التكليف هل هو في طول انبعاثه عن العلم بالتكليف او هو في عرضه؟ فإن كان في طوله فالمرجع هو التعيين وإن كان في عرضه فهو مخير بين الامتثال الاجمالي والامتثال التفصيلي؟
ولكن ذكرنا في محله أن في دوران الامر بين التعيين والتخيير المرجع هو أصالة البراءة أي التخيير دون التعيين فإن التعيين كلفة زائدة وبحاجة الى دليل ومقتضى أصالة البراءة دفع هذه الكلفة.
فالنتيجة هي التخيير لا التعيين كما ذكره المحقق النائيني(قد).
هذا كله فيما اذا كان الشك في التعيين  او التخيير شرعيا.


[1]  مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ، ج2، ص81.
[2]  محاضرات في أصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للشيخ الفياض، ج2، ص5.
[3]  أجود التقريرات، بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص44.