الموضوع: وجوب الموافقة القطعية العملية

ملخص ما ذكره المحقق العراقي(قد) أن أدلة الأصول العملية المؤمنة لا تجري في جميع أطراف العلم الاجمالي لاستلزامه المخالفة القطعية العملية ولا في بعضها المعين دون بعضها الأخر لأنه ترجيح من غير مرجح ولا لبعضها غير المعين فإنه إن أريد به مفهوم البعض غير المعين فلا وعاء له الا وعاء الذهن ولا واقع له في الخارج حتى يكون من أطراف العلم الاجمالي وإن أريد الواحد المصداقي فهو غير معقول لأنه من الفرد المردد والفرد المردد غير معقول وجوده في الخارج، نعم لا بأس بالإطلاق الأحوالي وهو شمول دليل الاصل العملي المؤمن بإطلاقه الأحوالي لكل من طرفي العلم الاجمالي مشروطا بترك الطرف الآخر ولا مانع من ذلك ونتيجة هذا هو الجمع بين الترخيصين المشروطين إذا كان المكلف تاركا لهما معا كما إذا فرضنا أن المكلف علم اجمالا بأن أحد الاناءين خمر أما الاناء الشرقي أو الاناء الغربي فإذا ترك الاناء الشرقي وترك الاناء الغربي تحقق كلا الترخيصين المشروطين معا من جهة تحقق شرطهما ولكن الجمع بين الترخيصين لا يستلزم الترخيص في الجمع بين الطرفين.

هكذا ذكره (قد) .

وللمناقشة فيه مجال.

أما اولا: فقد ذكرنا أنه لا إطلاق لأدلة الاصول العملية المؤمنة لأطراف العلم الاجمالي فلا تشمل أطراف العلم الاجمالي بل هي مختصة بالشبهات البدوية فلا تعم الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي وحينئذ لا إطلاق لها كي تشمل أطراف العلم الاجمالي مشروطا بترك الطرف الآخر.

وثانيا: مع الاغماض عن ذلك وتسليم أن لدليل الاصل العملي المؤمن إطلاق وبإطلاقه يشمل كل من طرفي العلم الاجمالي مشروطا بترك الآخر ولكن ذكر جماعة منهم السيد الاستاذ(قد) استحالة شمول دليل الاصل العملي بإطلاقه كل من طرفي العلم الاجمالي مشروطا بترك الطرف الاخر، وقد اُستدل على ذلك بوجوه:

الوجه الاول: ما ذكره السيد الاستاذ(قد) وهو العمدة في المقام، وحاصل ما ذكره أن العقل يحكم بقبح المخالفة القطعية العملية في الخارج ولا شبهة في ذلك وكذلك يحكم بقبح الترخيص القطعي في مخالفة الواقع وإن لم يؤد الى المخالفة القطعية العملية في الخارج فإن الترخيص القطعي في مخالفة الواقع قبيح عقلا وإن لم يؤد الى المخالفة القطعية العملية في الخارج أي وإن لم يؤد الى المعصية بل يستحيل أن يؤدي الى المعصية والى المخالفة القطعية العملية في الخارج.

هكذا ذكره السيد الاستاذ(قد).

وللمناقشة فيه مجال.

أولا: لأن حكم العقل بقبح المخالفة القطعية العملية وبقبح المعصية ليس جزافا وبلا ملاك إذ لا يمكن صدوره من العقل، بل حكم العقل بقبح المخالفة القطعية العملية إنما هي بملاك تفويت حق المولى الثابت في المرتبة السابقة وهو حق الطاعة وحكم العقل بقبح المعصية واستحقاق الإدانة والعقوبة عليها بملاك أنها تفويت لحق المولى الثابت للمولى ذاتا في المرتبة السابقة وهو حق الطاعة فملاك حكم العقل بقبح المعصية وبقبح المخالفة القطعية العملية إنما هو من جهة انها تفويت لحق المولى الثابت ذاتا له وهو حق طاعته لأنه ظلم بل هو من اظهر مصاديق الظلم واما الترخيص القطعي بمخالفة الواقع فليس تفويتا لحق المولى وليس معصية له ولا هتكا للمولى ولا تعد على حق المولى، فالترخيص القطعي في مخالفة الواقع من دون أن يؤدي الى المخالفة القطعية العملية والى المعصية بل يستحيل أن يؤدي الى المخالفة القطعية العملية والى المعصية ليس فيه تفويت لحق المولى، فإذا علم المكلف بأن احد الاناءين خمر أما الاناء الشرقي أو الاناء الغربي وفرضنا أن دليل الاصل المؤمن يشمل بإطلاقه كل من الاناءين مشروطا بترك الاخر ويدل على الترخيص في الاناء الشرقي مشروطا بترك الاناء الغربي ويدل على الترخيص في الاناء الغربي مشروطا بترك الاناء الشرقي، فإذا ترك المكلف استعمال كلا الاناءين وترك شرب كلا الاناءين فكلا الترخيصين فعلي من جهة فعلية شرطهما فالترخيص في ترك استعمال الاناء الشرقي فعلي من جهة تحقق شرطه وهو ترك الاناء الغربي والترخيص في ترك استعمل الاناء الغربي فعلي من جهة تحقق شرطه وهو ترك الاناء الغربي والترخيص في ترك استعمل الاناء الغربي فعلي من جهة فعلية شرطه وهو ترك استعمال الاناء الشرقي، فالجمع بين الترخيصين المشروطين ترخيص قطعي في مخالفة الواقع أي ترخيص قطعي في شرب الخمر، ولكنه لم يؤد الى شرب الخمر واقعا ولم يؤد الى المخالفة القطعية العملية بل يستحيل أن يؤد الى المخالفة القطعية العملية لأن المكلف إذا ارتكب الاناء الشرقي انتفى شرط الترخيص في الاناء الشرقي وإذا ارتكب الاناء الغربي انتفى شرط الترخيص في الاناء الشرقي بانتفاء شرطه، وعليه فإذا ارتكب أحدهما انتفى الترخيص في الاخر بانتفاء شرطه فمن أجل ذلك لا تمكن المخالفة القطعية العملية ولا يمكن القطع بالمعصية فالترخيص القطعي في الجمع بين الترخيصين المشروطين إذا ترك المكلف كلا الاناءين وإن استلزم الترخيص القطعي في مخالفة الواقع إلا أنه يستحيل أن يؤد الى المخالفة القطعية العملية والى المعصية والى تفويت حق المولى فمن أجل ذلك لا يحكم العقل بقبحه لعدم الملاك لحكم العقل في المقام فإن حكم العقل بقبح شيء لا يمكن أن يكون جزافا وبلا ملاك وبلا مبرر ولا ملاك في المقام ولا مبرر فإن الترخيص القطعي في مخالفة الواقع إذا استحال أن يؤد الى المخالفة القطعية العملية والى المعصية فلا يكون تفويتا لحق المولى الثابت ذاتا للمولى في المرتبة السابقة فإذا لم يؤد الى تفويت حقه فلا ملاك لحكم العقل بالقبح ومن أجل ذلك لا يحكم العقل بالقبح.

فما ذكره السيد الاستاذ(قد) لا يمكن المساعدة عليه فإنه لا يقاس حكم العقل بقبح المخالفة القطعية العملية وحكم العقل بان الترخيص القطعي في مخالفة الواقع قبيح، فإن الاول موجب لتفويت حق المولى وهو حق الطاعة والثاني لا يوجب ذلك بل هو مجرد ترخيص في مخالفة الواقع لم يؤد الى المخالفة القطعية العملية في الخارج ولم يؤد الى المعصية والى تفويت حق المولى في الخارج فلا يحكم العقل بقبحه.

وثانيا: انه يمكن جعل الترخيص لكل من طرفي العلم الاجمالي مشروطا بترك الطرف الاخر إذا كان فيه ملاك أقوى من ملاك الحكم اللزومي فجعل الترخيص لكل من طرفي العلم الاجمالي مشروطا بترك الطرف الاخر ممكن ثبوتا إذا كان هناك ملاك أقوى من ملاك الحكم اللزومي إذا لا تنافي بين هذا الترخيص وبين الحكم اللزومي في الواقع في مرتبة الجعل فإن الحكم الواقعي اللزومي بما هو اعتبار لا واقع موضوعي له في الخارج الا في عالم الذهن وكذا الترخيص بما هو اعتبار لا واقع موضوعي له في الخارج الا في عالم الاعتبار والذهن وذكرنا غير مرة أن التضاد والتناقض لا يتصور بين الامور الاعتبارية، فلا مضادة بين الترخيص وبين الحكم اللزومي في مقام الاعتبار والجعل ولا في مرحلة المبادي لأن الحكم الواقعي اللزومي تابع للملاك في متعلقه واما الحكم الترخيصي الظاهري فهو تابع للملاك المترتب على نفسه لا على متعلقه ولا تنافي بينهما في مرحلة الامتثال فإن الحكم الظاهري إذا وصل الى المكلف فلا يكون الحكم الواقعي منجزا وإذا وصل اليه الحكم الواقعي فلا موضوع للحكم الظاهري.

واما الاستدلال بسائر الوجوه فسيأتي الكلام فيها في مبحث البراءة والاشتغال ولا حاجة الى التعرض لها.