الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب الموافقة القطعية العملية
ذكرنا أن المحقق النائيني(قد) وكذلك غيره قد فصّل بين وجوب الموافقة القطعية العملية وبين حرمة المخالفة القطعية العملية وأن العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية العملية ومقتضٍ بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية العملية، فله(قد) في المقام دعويان:
الدعوى الاولى: أن تنجيز العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية العملية يكون بنحو العلة التامة فلا يمكن فرض وجود المانع عنه لأنه خلف فرض كونه علة تامة.
الدعوى الثانية: أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية يكون بنحو الاقتضاء لا بنحو العلة التامة.
أما الدعوى الاولى فقد أستدل عليها أنه لا شبهة في أن المخالفة القطعية العملية قبيحة عقلا وهتك لحرمة المولى وتعدٍ عليه وتفويت لحقه وهو حق الطاعة ومن الواضح أن كل ذلك من أظهر مصاديق الظلم فلا شبهة في استحقاق العقوبة على ذلك بحكم العقل الفطري فمن أجل ذلك لا يمكن المخالفة القطعية العملية لأن العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية.
وأما الدعوى الثانية فقد ذكر(قد) أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية يكون بنحو الاقتضاء لا بنحو العلة التامة إذا لا مانع من جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف العلم الاجمالي ولا يلزم منه المخالفة القطعية العملية حتى يكون قبيحا بل يلزم المخالفة  الاحتمالية ولا محذور فيها كما في الشبهات البدوية، فإن الشارع جعل الحكم الظاهري الترخيصي في الشبهات البدوية مع أن احتمال المخالفة فيها موجود فاحتمال المخالفة لا يضر ولا يمنع  عن جعل الشارع الحكم الظاهري الترخيصي.
هكذا ذكره(قد)[1].
وللمناقشة فيه مجال.
فإن إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف العلم الاجمالي متفرع على كون تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء فإذا كان تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء في المرتبة السابقة فيترتب عليه إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطرافه.
فإذاً إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف العلم الاجمالي متفرع على كون تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء في المرتبة السابقة فلو كان تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء متوقفا على إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض الأطراف لزم الدور، فالمسألة دورية فإن إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف العلم الاجمالي يتوقف على كون تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء في المرتبة السابقة والمفروض أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء يتوقف على إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض الأطراف فيلزم الدور فلا يمكن الاستدلال على ذلك، فما ذكره المحقق النائيني من الاستدلال على أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية يكون بنحو الاقتضاء بجعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطرافه هذا الاستدلال دوري.
ودعوى أن إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف العلم الاجمالي كاشف عن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء لا أنه سبب عنه ودليل عليه بل هو كاشف عن أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية يكون بنحو الاقتضاء في المرتبة السابقة بدليل آخر وإمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض الأطراف كاشف عن ذلك فلا دور في المقام.
مدفوعة فإن إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض أطراف لا يكون كاشفا لأنه متفرع على إثبات كون تنجيز العم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء فإن إمكان جعل الحكم الظاهري في بعض أطرافه متفرع على إثبات كون تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء في المرتبة السابقة لأنه معلول له فكيف يكون كاشفا عنه ومتفرع عليه ومحذور الدور لا زم على ما ذكره(قد).
ودعوى أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو الاقتضاء أمر وجداني وفطري وارتكازي وثابت في اعماق النفس.
مدفوعة لأنه لو كان أمرا ارتكازيا فطريا وجدانيا لم يقع الخلاف فيه مع أنه وقع الخلاف فيه بين الاصوليين في أن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية هل هو بنحو الاقتضاء أو بنحو العلة التامة، وهذا كاشف عن أنه ليس أمرا فطريا بل هو أمر نظري.
فالنتيجة أن هذا الاستدلال غريب من مثل المحقق النائيني(قد) إذا مرجع هذا الاستدلال على إثبات شيء من جهة إثبات لازمه وكيف يمكن الاستدلال على وجود شيء من خلال الاستدلال على وجود لازمه وما نحن فيه كذلك، فإن إمكان جعل الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي متفرع على كون تنجيز العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء ومن لوازمه ومتفرع عليه فكيف يمكن الاستدلال به على كون تنجيز العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء.
وأيضا استدل(قد) بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية العملية بنفس هذا الاستدلال وذكر أن العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية مستدلا على ذلك بعدم إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام أطرافه وهو استدلال دوري، فإن عدم إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام أطرافه يتوقف على كون تنجيز العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية العملية بنحو العلة التامة في المرتبة السابقة فلو كان تنجيز العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية العملية بنحو العلة التامة متوقفا على إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام أطراف العلم الاجمالي لزم نفس الدور الذي تقدم الكلام فيه.
فالنتيجة أنه على كلا الدعويين اللتين ذكرهما المحقق النائيني(قد) يلزم الدور، ولا يمكن صدور مثل ذلك عن مثل المحقق النائيني(قد).


[1] أجود التقريرات، تقرير بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص50.