الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الدليل العقلي الموجب للقطع بالحكم الشرعي
ثانيا : ان مراد الاخباريين من ان القطع الحاصل من الادلة العقلية لا يكون حجة ليس هو تخصيص الاحكام الشرعية بالعالم بها، بل مرادهم ان الاحكام الشرعية المجعولة مشتركة بين العلم والجاهل ثبوتا واثباتا، غاية الامر ان القطع الحاصل بهذه الاحكام من الكتاب والسنة حجة واما القطع الحاصل من الادلة العقلية فليس بحجة .
ان ارادوا ذلك -كما هو الظاهر منهم اذ قد ذكر المحدث الاسترابادي[1] ان العلوم اذا كانت حسية او قريبة من الحس فلا يقع فيها الخطأ لا في مادتها ولا في صورتها كالرياضيات والهندسة وما شاكل ذلك، واذا وقع الخطأ فيها فهو نادر، واما العلوم النظرية ومادتها نظرية كالعلوم العقلية فيقع فيها الاشتباه والخطأ كثيرا وهذا ما يمنع من حصول اليقين بالأحكام الشرعية منها، لأن المنطق انما هو عاصم عن الخطأ في الصورة فقط، اذ انه متمثل بالشكل الاول وهو بديهي صورة اذ ان كلية الكبرى وايجاب الصغرى وكون الحد الوسط محمول في الصغرى وموضوع في الكبرى امر محسوس ولهذا لا يقع فيه الخطأ، ولكن المنطق لا يكون عاصما عن الخطأ في المادة وليس هنا قاعدة تمنع عن الخطأ في المادة، فكثرة وقوع الخطأ في العلوم العقلية مانعة من حصول اليقين بالأحكام الشرعية من هذه العلوم - فيرد عليهم :
اولا : بالنقض بسائر العلوم النظرية كعلم الاصول والفقه وما شاكلهما، اذ هي علوم نظرية يقع الخطأ فيها بين الاصوليين والفقهاء نظريا وتطبيقيا ولا فرق من هذه الناحية بين هذه العلوم والعلوم العقلية لأن مادة كل منهما نظرية، فلو كان مثل هذا الخطأ والاشتباه مانعا عن تحصيل اليقين بالأحكام الشرعية في المسائل العقلية لكان مانعا في المسائل الفقهية والاصولية ايضا، اذ لا فرق بينهما في ان المادة في جميع هذه العلوم،كما ان لا قاعدة هنا تمنع من حصول الخطأ في هذه العلوم، والمنطق مانع عن الخطأ في الصورة فقط .
فما ذكره الاخباريون من انه لا مانع من حصول اليقين بالأحكام الشرعية من الادلة الشرعية كالكتاب والسنة غير صحيح، فانه لا فرق بين الكتاب والسنة وبين الادلة العقلية من هذه الناحية، فما يقع منهم من جواب عن هذا النقض يكون هو جوابنا عما ذكره المحدث الاسترابادي من الاشكال .
وثانيا : بالحل، فان الفقيه اذا قام بالاستنباط والاجتهاد فلا بد من توفير المقدمات من تكوين الكبرى الكلية في الاصول ومن الواضح ان توفير مثل هذه الكبرى بحاجة الى توفير عناصرها وشروطها، ولا بد من تنقيح الصغرى وعناصرها، فاذا كون الكبرى ونقح الصغرى كذلك تنطبق الكبرى على الصغرى، فاذا كانت الكبرى او الصغرى ظنية فبطبيعة الحال تكون النتيجة المتحصلة من تطبيق الكبرى على الصغرى ايضا ظنية، كما هو الحال في المسائل الاصولية والفقهية، واما اذا كانت الكبرى والصغرى قطعية فيكون انطباق الكبرى على الصغرى قطعي ولا محالة تكون النتيجة قطعية، ولا فرق في ذلك بين الادلة الشرعية النظرية وبين الادلة العقلية النظرية ومن الواضح ان حصول القطع من الدليل العقلي او الدليل الشرعي في مورد لا يتأثر بعدم حصول القطع في موارد اخرى فان حصول القطع بهذا المورد من جهة تكوين الكبرى بتمام عناصرها وشروطها قطعية وتنقيح الصغرى كذلك، فلذلك تكون النتيجة قطعية وحصول القطع بهذا الدليل لا يتأثر بعدم حصول القطع في المسائل الاخرى ومن الادلة الاخرى، باعتبار ان صغرى هذه المسألة لا ترتبط بصغرى تلك المسائل وكبراها لا ترتبط بكبرى تلك المسائل .
وبعبارة اخرى ان منشأ الخطأ والاشتباه في عملية الاستنباط احد امور:
الاول : عدم القدرة الفكرية الذاتية للمجتهد .
الثاني : عدم القدرة الفكرية العلمية .
الثالث : الغفلة عما له دخل في الاستنباط اما في الصغرى او في الكبرى .
الرابع : عدم استيعاب كل ما له دخل في الاستنباط .
وعلى هذا، فالمجتهد في مسألة اذا كانت هذه الشروط متوفرة فيه بان يكون ذا مقدرة فكرية ذاتية وعلمية وان لا يكون غافلا ويكون ملتفتا الى كل ما له دخل في عملية الاستنباط صغرى وكبرى ويستوعب تمام ما له دخل في التحقيق والفحص عن الادلة، فعندئذ يحصل له القطع بالحكم الشرعي ومن الواضح ان هذا القطع لا يتأثر بعدم حصول القطع له او لشخص اخر في مسألة اخرى او في دليل اخر اذ ان منشأ عدم حصول القطع في المسألة الاخرى فقدان احد هذه الامور .
فمنشأ الخطأ لا يرتبط بما هو الصواب، فان من لم يخطأ فهذه الشروط متوفرة فيه وقد يحصل له القطع .
وغالبا مورد حصول الخطأ والاشتباه هو المسائل المعقدة في الفقه والاصول وفي الادلة العقلية، فمن قبيل المسائل الفقهية اشتراط اجازة الاب في تزويج البنت الباكر، فان المسألة مورد الخلاف والروايات مختلفة فيها ولذا وقع الخلاف بين الفقهاء من جهة اختلاف الروايات فبعضهم ذهب الى امكان الجمع الدلالي العرفي بين هذه الروايات فأفتى باعتبار اذن الاب في تزويج بنته كاعتبار اذنها في ذلك، وبعضهم يرى المعارضة بينها وعدم امكان الجمع الدلالي العرفي فاحتاط فيها او يقول بعدم اعتبار اذن الاب اما مطلقا او في صورة عدم الدخول، ومن المسائل الاصولية مسألة جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فإنها من المسائل المعقدة ومورد للاختلاف والاشتباه وكذلك مسألة الترتب .


[1] الفوائد المدنية والشواهد المكية، المحدث محمد أمين الاسترآبادي، ص256.