الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي الصفتي
كان كلامنا في قيام الامارات بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الصفتي فعلى التفسير الاول ذكرنا انه لا يمكن قيامها بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الصفتي، واما على التفسير المشهور من ان القطع الصفتي عبارة عن اضافة العلم الى المعلوم بالذات بإضافة اشراقية مقومة للمعلوم بالذات فهل يمكن قيام الامارات بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الصفتي ؟
لا بد فيه من التفصيل، فبناء على ان دليل حجية الامارات دليل لفظي ومفاده التنزيل فلا بد من التفصيل بين ما اذا كان القطع الصفتي جزء الموضوع وما اذا كان تمام الموضوع للحكم، فان كان القطع الصفتي جزء الموضوع وجزؤه الاخر هو الواقع، ففي مثل ذلك اذا قلنا ان دليل الحجية دليل لفظي ومفاده التنزيل، فدليل الحجية يدل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبالالتزام على تنزيل الظن بالمؤدى منزلة القطع بالواقع والالتزام بالدلالة الالتزامية للتحفظ على كلام المولى من اللغوية، فالدلالة المطابقية تثبت جزء من الموضوع والدلالة الالتزامية تثبت الجزء الاخر .
وعلى هذا فلا مانع من قيام الامارات بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الصفتي .
لكنه مجرد فرض في فرض :
اولا : ان الدليل على حجية الامارات ليس دليلا لفظيا .
ثانيا : وعلى تقدير تسليم انه لفظي لكن ليس مفاده التنزيل .
واما اذا كان القطع الصفتي تمام الموضوع، والواقع ليس قيدا للموضوع ولا جزؤه فلا يمكن شمول دليل الحجية للأمارة، اذا ان دليل الحجية لو سلم انه دليل لفظي ومفاده التنزيل لا يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع اذ ان الواقع لا اثر له وقد تقدم ان التنزيل متقوم باركان ثلاثة المنزل والمنزل عليه والاثر الشرعي المترتب على المنزل عليه، فان دليل التنزيل ناظر اليه ويدل على اسرائه الى المنزل فاذا لم يكن للواقع اثر شرعي فينتفي التنزيل بانتفاء احد اركانه فلا يمكن التمسك بدليل حجية الامارات لقيامها مقام القطع الموضوعي الصفتي .
واما دلالة الامارات على تنزيل صفة الظن منزلة صفة القطع فهذا ليس مدلولا لدليل الامارات اذ ان دليل حجية الامارات ظاهر في تنزيل المؤدى منزلة الواقع غاية الامر نلتزم بالدلالة الالتزامية للتحفظ على كلام المولى من اللغوية .
الى هنا قد تبين ان الامارات بدليل  حجيتها لا تقوم مقام القطع الموضوعي لا الطريقي ولا الصفتي سواء ا كان دليل الحجية لفظيا ومفاده التنزيل او مفاده جعل الطريقية والكاشفية او مفاده جعل المنجزية والمعذرية فعلى جميع المباني في حجية الامارات لا تقوم الامارات بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الطريقي فضلا عن الصفتي .
وانما تقوم مقام القطع الطريقي المحض .
وهنا ينبغي التنبيه على امور :
الاول : قد ظهر مما تقدم ان الامارات بدليل حجيتها لا تقوم مقام القطع الموضوعي مطلقا .
الثاني : هل يكون تنزيل الظن بالمؤدى منزلة القطع بالواقع لو قلنا بالتنزيل وان الدليل على حجية الامارات دليل لفظي ومفاده التنزيل فهل ان هذا التنزيل في طول تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع او انه في عرضه ؟
وهذا يختلف باختلاف لسان دليل الحجية، فان لسان دليل الحجية ان كان تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة  وتنزيل الظن بالمؤدى منزلة القطع بالواقع بالالتزام، فلا شبهة في ان التنزيل الثاني في طول التنزيل الاول لأن الدلالة الالتزامية في طول المطابقية ومتفرعة عليها وتابعة لها حدوثا وبقاء، وهذا لا ينافي ما ذكرناه سابقا من ان  التنزيل الثاني مقدم رتبة على التنزيل الاول فان ما ذكرناه سابقا انما هو بحسب مقام الثبوت أي ان التنزيل الثاني متكفل للحكم الواقعي والتنزيل الاول متكفل للحكم الظاهري والحكم الواقعي متقدم رتبة على الحكم الظاهري، اذ الظاهري مجعول في حالة الشك في الحكم الواقعي، واما ما ذكرناه الآن فهو في مقام الاثبات اذ لا شبهة في ان في مقام الاثبات التنزيل الثاني بما انه مدلول الالتزامي في طول التنزيل الاول لأن الدلالة الالتزامية متفرعة عن الدلالة المطابقية .
وان كان لسان دليل الحجية تنزيل الامارة منزلة القطع بالواقع فعندئذ يكون التنزيل الثاني في عرض التنزيل الاول، فإن دليل الحجية متكفل لكلا التنزيلين في عرض واحد، فان تنزيل الامارة منزلة القطع بالواقع ينحل الى تنزيلين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل الظن بالمؤدى منزلة القطع الواقع  فلا يكون التنزيل الثاني في طول التنزيل الاول لأنه ليس مدلولا التزاميا له بل كلاهما مدلول لدليل واحد في مقام الاثبات وهذا الدليل الواحد ينحل الى تنزيلين يدل على الجامع بينهما والجامع ينحل الى فردين وكلا الفردين في عرض واحد فلا موجب للطولية، كما هو الحال اذا كان مفاد دليل الحجية جعل الطريقية والكاشفية اذ ان مؤدى الامارات يقوم مقام الواقع وطريقيتها تقوم مقام طريقية القطع في مرتبة واحدة ولا طولية بينهما، وتظهر الثمرة بين الفرضين انه في الفرض  الاول اذا سقطت الدلالة المطابقية سقطت دلالة الالتزام لتفرعها عليها وتبعيتها لها حدوثا وبقاء، واما في الفرض الثاني  وهو ان دليل واحد متكفل لكلا التنزيلين في عرض واحد فلا موجب لسقوط التنزيل الثاني بسقوط التنزيل الاول
هذا كله فيما اذا كان مفاد الدليل الواحد انحلاليا أي ينحل الى تنزيلين  مستقلين في عرض واحد .
واما اذا كان مفاده مركبا من تنزيلين فعندئذ بطبيعة الحال بسقوط أي واحد من الجزئين يسقط الجزء الاخر لأن اجزاء المركب ارتباطية ثبوتا وسقوطا .
الثالث : لو قلنا بان دليل الحجية دليل لفظي ومفاده التنزيل فعندئذ دليل الحجية انما يدل على حجية الامارات اذا كان الاثر الشرعي مترتبا على مؤدياتها في الواقع حتى يدل على اسرائه الى المنزل والا لم تتم اركان التنزيل لأن الامارات منزل والمنزل عليه الواقع ودليل الحجية يدل على اسراء الحكم من الواقع الى الامارات ظاهرا، فدليل الحجية انما يشمل الامارات ويدل على حجيتها اذا كان الاثر الشرعي مترتبا عليها في الواقع، واما اذا لم يكن الاثر الشرعي مترتبا عليها بان لا يكون  للواقع اثر شرعي فلا تكون هذه الامارات مشمولة لدليل الحجية لأن التنزيل ينتفي بانتفاء احد اركانه .
وعلى هذا فالأمارات القائمة على احكام النساء كالحيض والنفاس والاستحاضة لا تكون حجة للمجتهد لأن هذه الاحكام احكام النساء ومختصة بهن ولا تعم المجتهد لأن الوقع لا اثر له بالنسبة الى المجتهد والاثر بالنسبة الى النساء فقط، فلا يجوز للمجتهد الافتاء بها لأن الافتاء منوط بالعلم بالأحكام الشرعية اما بالعلم  الوجداني او بالعلم التعبدي الحاصل من الامارة، والمفروض ان المجتهد غير عالم اما وجدانا فهو واضح واما تعبدا فلعدم حجية الامارات بالنسبة اليه حتى يكون له علم تعبدي بالأحكام الشرعية، هذا كله فيما اذا كان الدليل على حجية الامارات دليلا لفظيا ومفاده التنزيل .