الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
كان الكلام في مناقشة  رأي مدرسة المحقق النائيني (قده) التي تبنت عدم المنع من  قيام الامارات بدليل حجيتها مقام القطع الموضوعي الطريقي معللة ذلك بعدم لزوم محذور الجمع بين اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي للأمارة .
وقد قلنا ان هذا الرأي قابل للمناقشة ثبوتا واثباتا، اما ثبوتا فلأن المجعول في باب الامارات اذا كان هو الطريقية والكاشفية وجعل الامارات علما تعبدا كفى ذلك في قيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي بدون الحاجة الى أي مؤنة زائدة لا ثبوتا ولا اثباتا وهذا مبني على احد امور ثلاثة، وتقدم الكلام على الامرين الاول والثاني .
الامر الثالث : ان ظاهر دليل القطع الموضوعي كما اذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة فتصدق بدينار فان موضوع وجوب التصدق هو القطع بوجوب الصلاة، ان القطع مأخوذ في موضوع وجوب الصلاة بنحو الطريقية فانه طريق الى وجوب الصلاة وموضوع الى وجوب التصدق ومن الواضح ان الظاهر من هذا القطع المأخوذ في موضوع وجوب التصدق انه بعنوانه موضوع للحكم كما هو الحال في سائر العناوين المأخوذة في موضوع الحكم في لسان الدليل بلا فرق بين ان تكون تلك العنوانين من العناوين الوجدانية او العناوين الواقعية كالبلوغ والعقل والقدرة وما شاكل ذلك، وان كل عنوان مأخوذ في موضوع الحكم في لسان الدليل ظاهر انه بعنوانه موضوع، واما حمله على انه معرف لموضوع بعنوان اخر فهو بحاجة الى قرينة والا فالظاهر والمتفاهم العرفي من كل دليل قد اخذ في موضوعه في لسان الدليل عنوان فهو ظاهر انه بنفسه موضوع للحكم، وبما ان القطع بوجوب الصلاة مأخوذ في موضوع وجوب التصدق فهو ظاهر في انه بنفسه موضوع لوجوب التصدق .
فإذن الموضوع هو الطريقية المضافة الى القطع لا طبيعي الطريقية، وعلى هذا فطريقية الأمارات المجعولة بدليل حجيتها ليست مصداقا لهذه الطريقية، اذ الطريقية المضافة الى القطع طريقية حقيقة تامة ووجدانية وهي لا تنطبق في الخارج الا على افرادها ومن الواضح ان طريقية الامارات ليست من افرادها ومصاديقها فان كل عنوان انما ينطبق في الخارج على افراده ولا ينطبق على افراد مفهوم اخر، فطريقية الامارة بما انها طريقية ناقصة وتعبدية فهي تنطبق في الخارج على افرادها واما طريقية القطع بما انها تامة ووجدانية فهي تنطبق على افرادها في الخارج، فطريقية الامارات الثابتة بدليل حجيتها على مسلك المحقق النائيني ليست مصداقا لطريقية القطع فلا تكون الامارات بدليل حجيتها واردة على دليل القطع الموضوعي .
واما حكومتها على دليل القطع الموضوعي فهي بحاجة الى عناية زائدة، وهي ان يكون الدليل الحاكم ناظرا الى دليل المحكوم، والنظر انما يتحقق فيما اذا كان مفاد دليل الحجية التنزيل وحينئذ يكون دليل حجية الامارة حاكم على دليل القطع الموضوعي الطريقي اذ ان مفاد دليل الحجية حينئذ تنزيل طريقية الامارة منزلة طريقية القطع واسراء حكمها اليها، والمفروض ان مدرسة المحقق النائيني لا تقول بالتنزيل وانما تقول ان مفاد دليل الحجية جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي، ومن الواضح ان مجرد جعل الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي لا يكفي في الحكومة بل هي بحاجة الى عناية زائدة وهي تنزيل طريقية الامارة منزلة طريقية القطع في اسراء حكمه اليها فإذن هذا الامر ايضا غير تام .
فتبين ان هذه الامور الثلاثة غير تامة .
اما الامر الاول : فلأن ظاهر دليل القطع الموضوعي ان القطع بعنوانه موضوع للحكم، وحمله على انه معرف للموضوع والموضوع هو منجزيته عند الاصابة ومعذريته عند الخطأ بحاجة الى عناية زائدة ثبوتا واثباتا، اما ثبوتا فانه بحاجة الى الغاء عنوان القطع وان المراد منه المنجزية والمعذرية، واما اثباتا فان هذا الالغاء بحاجة الى قرينة تدل عليه ولا قرينة في المقام لا في دليل القطع الموضوعي على ذلك ولا من الخارج، فلا يمكن حمل القطع المأخوذ في الموضوع في لسان الدليل على المنجزية والمعذرية .
ومن هنا يظهر حال الامر الثاني، فان في الامر الثاني ان القطع بوجوب الصلاة مثلا المأخوذ في موضوع وجوب التصدق ظاهر في ان الموضوع طريقية القطع المضافة اليه واما حمل ذلك على ان الموضوع طبيعي الطريقية بقطع النظر عن اضافتها الى القطع فهي بحاجة الى دليل والا فظاهر الدليل ان طريقية القطع بوجوب الصلاة مأخوذة في موضوع وجوب التصدق وهي حصة خاصة من الطريقية  وهي الطريقية المضافة الى القطع، فالموضوع الطريقية المضافة الى القطع لا طبيعي الطريقية، وعلى هذا فهذه الطريقية الخاصة لا تنطبق على طريقية الامارات لأن طريقية الامارات طريقية ناقصة وتعبدية والطريقية المضافة الى القطع طريقية تامة ووجدانية وحقيقية ومن الواضح ان كل عنوان وكل مفهوم انما ينطبق على افراده في الخارج ولا يمكن انطباق عنوان او مفهوم على افراد عنوان اخر او مصاديق مفهوم اخر.
واما الامر الثالث، فقد ذكرنا ان القطع المأخوذ في موضوع وجوب التصدق ظاهر في انه بعنوانه موضوع لوجوب التصدق ومن الواضح ان هذا العنوان لا ينطبق على الامارة لأنها ليست مصداقا للقطع فالقطع بعنوانه لا ينطبق الا على افراده في الخارج، فلا معنى للورود أي لا يمكن ان تكون الامارات بدليل حجيتها واردة على دليل القطع الموضوعي الطريقي واما الحكومة فقد تقدم انها بحاجة الى عناية زائدة وهي عناية النظر بان يكون دليل حجية الامارة ناظرا الى دليل القطع الموضوعي الطريقي ولا يمكن هذا النظر الا ان يكون مفاد دليل الحجية تنزيل طريقية الامارة منزلة طريقية القطع والمفروض ان مدرسة المحقق النائيني لا تقول بالتنزيل بل ان مفاد دليل الحجية عندها جعل الطريقية والكاشفية للأمارات وانها علم تعبدي، ومن الواضح ان مجرد ذلك لا يكفي في الحكومة .
وعلى هذا فلا يمكن الجمع بين الحكومة وجعل الطريقية في دليل حجة الامارات بان يكون دليل حجية الامارات يشمل جعل الطريقية وتنزيلها منزلة طريقية القطع معا، اذ لا يمكن الجمع بين الامرين في دليل واحد لأن تنزيل طريقية الامارات منزلة طريقية القطع في طول جعل الطريقية ومتأخر عن جعلها، فمفاد دليل الحجية ان كان تنزيل  طريقية الامارة منزلة طريقية القطع فمعناه ان جعل الطريقية امر مفروغ عنه للامارة ولو كان مفاد دليل حجية الامارة جعل الطريقية فلا تنزيل فيه .
فإذن لا يمكن الجمع بين الامرين في دليل واحد فلا يمن ان يكون دليل حجية الامارات شاملا لكلا الامرين معا .
فما ذكرته مدرسة المحقق النائيني من ان الامارات بدليل حجيتها واردة على القطع الطريقي المحض وحاكمة على القطع الموضوعي الطريقي لا يمكن المساعدة عليه .