الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
توضيحا لما تقدم ان التنزيل اذا فسرناه بإسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل فلا يصح تنزيل شيء منزلة اخر اذا لم يكن الاخر موضوعا مستقلا للحكم الشرعي وللأثر الشرعي، فإن احد اركان التنزيل ترتب الاثر الشرعي على المنزل عليه واسرائه الى المنزل بمعنى جعل الحكم للمنزل المماثل للحكم المنزل عليه فلا يصح التنزيل الا اذا كان المنزل عليه موضوعا مستقلا فمن اجل ذلك لا يصح تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع اذ جزء الموضوع ليس موضوعا للحكم مستقلا الا اذا كان الجزء الاخر محرزا اما بالوجدان او بالتعبد في عرض هذا التنزيل .
واما اذا فسرنا التنزيل ان دليل التنزيل كسائر الادلة الشرعية فهو كاشف عن سعة الحكم بسعة موضوعه او عن ضيق الحكم بضيق موضوعه فلا يتوقف صحته على ان يكون المنكشف موضوعا مستقلا للأثر الشرعي، بل يكفي في صحة دليل التنزيل وشموله لأدلة الحجية كون المكشوف دخيلا في فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج بتمام قيوده ومنها هذا القيد، وعلى هذا فلا مانع من تنزيل الشيء منزلة جزء الموضوع اذ ان جزء الموضوع يكون دخيلا في فعلية الحكم بفعلية الموضوع بتمام اجزائه ومنها هذا الجزء وهذا المقدار يكفي في صحة التنزيل كما هو  الحال في سائر الادلة، فان الدليل الدال على اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج فان من الواضح ان وجوب الحج لا يترتب على الاستطاعة فقط غاية الامر ان الاستطاعة دخيلة في فعلية وجوب الحج بفعلية موضوعه بتمام شروطه وقيوده ومنها الاستطاعة وهذا المقدار يكفي في كون هذا الدليل مشمولا لدليل الحجية ولا يتوقف شمول دليل الحجية لهذا الدليل على كون مدلول هذا الدليل والمنكشف في هذا الدليل موضوعا مستقلا للحكم، فعندئذ لا مانع من تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع سواء أ كان هناك تنزيل في عرضه ام لم يكن ولا يتوقف احد التنزيلين على التنزيل الاخر اذ ان هذا التنزيل يدل على تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع والتنزيل الثاني يدل على تنزيل شيء اخر منزلة الجزء الاخر وبذلك يتم الموضوع فاذا تم الموضوع وصار فعليا صار الحكم فعليا بفعلية الموضوع بكلا جزئيه هذا هو الفرق بين كون التنزيل عبارة عن اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل أي جعل الحكم للمنزل المماثل للحكم المنزل عليه وبين كون دليل التنزيل كاشفا عن الواقع ضيقا وسعة كالطواف في البيت صلاة وكلا ربا بين الوالد والولد ما شاكل ذلك .
وللمحقق العراقي (قده) في المقام كلاما وحاصله : ان ما ذكره صاحب الكفاية في تعليقته على الرسائل صحيح الا ان ما ذكره من عدم صحة تنزيل شيء منزلة اخر اذا كان جزءا لمركب الا ان يكون الجزء الاخر محرزا بالوجدان او بالتعبد في عرض التنزيل الاول غير تام وان ما ذكره من انه لا يمكن احراز الموضوع بكلا جزئيه بالتنزيلين الطوليين بل لا بد ان يكون التنزيلان عرضيين وبمثابة تنزيل واحد لأثبات موضوع واحد بكلا جزئيه ايضا غير تام .
وذكر (قده) في وجه ذلك ان التنزيل وان كان معناه اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل أي جعل حكم مماثل لحكم المنزل عليه للمنزل الا انه لا فرق في صحة التنزيل بين ان يكون الحكم المترتب على المنزل عليه حكما مطلقا او حكما معلقا كما ان الحكم اذا كان مترتبا على المنزل عليه حكما مطلقا ويكون المنزل عليه تمام الموضوع يصح التنزيل كذلك اذا كان الحكم المترتب على المنزل عليه حكما معلقا، فصحة التنزيل لا تتوقف على ان يكون الحكم المترتب على المنزل عليه حكما مطلقا بل يصح التنزيل فيما اذا كان الحكم المترتب على المنزل عليه حكما معلقا، وعلى هذا فلا مانع من تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع فان الحكم المترتب على جزء الموضوع وان لم يكن حكما مطلقا ولكن الحكم المترتب على جزء الموضوع يكون حكما معلقا فان الحكم المترتب على جزء الموضوع معلق على انضمام الجزء الاخر اليه فاذا انضم اليه الجزء الاخر صار الحكم مطلقا وفعليا، وحيث ان الحكم المترتب على الجزء حكما معلقا فهو مصحح للتنزيل، فإذن تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي هو جزء الموضوع  انما هو بلحاظ الحكم المعلق المترتب على الجزء وهو يكفي في صحة هذا التنزيل، فصحة هذا التنزيل لا تتوقف على احراز الجزء الاخر لا وجدانا ولا تعبدا في عرض هذا التنزيل بل هذا التنزيل صحيح سواء أ كان الجزء الاخر محرزا بالوجدان ام بالتعبد ام لا فإن هذا التنزيل تتوقف صحته على ان يكون المنزل ذا اثر وذا حكم بلا فرق بين ان يكون ذلك الحكم حكما مطلقا او حكما معلقا، والمفروض ان الحكم المترتب على الجزء هو الحكم المعلق وهو مصحح للتنزيل .
فإذن لا تتوقف صحة تنزيل المؤدى منزلة الواقع على تنزيل الظن بالمؤدى التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي سواء أ كان التنزيل الثاني في عرضه ام لم يكن فصحة كل من التنزيلين لا تتوقف على صحة الاخر اذ ان اركان النزيل موجودة في كل منهما .
هكذا ذكره (قده)
قد يقال كما قيل ان ما ذكره (قده) يستلزم اخذ الظن بالحكم في موضوع نفسه وهو مستحيل .
وبيان ذلك : ان تنزيل المؤدى  منزلة الواقع الذي هو جزء الموضوع بلحاظ حكمه التعليقي  والحكم التعليقي يسري من الواقع الى المؤدى بمعنى ان الشارع جعل الحكم التعليقي للمؤدى المماثل للحكم التعليقي للواقع، فالمؤدى محكوم بالحكم التعليقي والفرض ان المؤدى التنزيلي المحكوم بالحكم التعليقي متعلق للظن في التنزيل الثاني فان التنزيل الثاني هو تنزيل الظن بالمؤدى التنزيلي المحكوم بالحكم التعليقي منزلة القطع بالواقع الحقيقي والمفروض ان هذا الظن موضوع لنفس الحكم التعليقي الثابت للجزء الثاني، فهذا الظن الذي هو متعلق بالحكم التعليقي - لأن الظن تعلق بالمؤدى التنزيلي المحكوم بالحكم التعليقي والمفروض ان هذا الظن بنفسه موضوع للحكم التعليقي- اخذ في موضوع نفس هذا الحكم التعليقي وهو مستحيل .
والجواب عن ذلك :
اولا : ان هنا فردين من الحكم التعليقي، احد الفردين مترتب على الجزء الاول وهو الواقع والفرد الثاني مترتب على القطع بالواقع، ومتعلق الظن هو الحكم التعليقي الاول وهذا الظن الذي تعلق بالحكم التعليقي الاول هو موضوع للحكم التعليقي الثاني فلا يلزم محذور اخذ الظن بالحكم في موضوع شخص هذا الحكم الذي يلزم منه محذور الدور او توقف الشيء على نفسه او تقدم الشيء على نفسه، واما اذا كان احد الفردين من الحكم التعليقي متعلق للظن والاخر موضوعه الظن فالظن تعلق بفرد من الحكم التعليقي وموضوع لفرد اخر وهذا لا محذور فيه .
وثانيا : قد ذكرنا غير مرة انه لا مانع من اخذ الظن بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول، اذ المحذور انما يلزم اذا كان الظن بالحكم مأخوذا في موضوع نفسه في مرتبة واحدة اما الظن بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفس هذا الحكم في مرتبة المجعول فلا محذور فيه وكذلك لا مانع من اخذ القطع بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول .
فإذن هذا القيل غير صحيح ولا يمكن الالتزام به .
واما ما افاده المحقق العراقي فللمناقشة فيه مجال واسع .
اما اولا: فقد تقدم آنفا ان حقيقة التنزيل هي الكشف، فإن سائر الادلة الشرعية كدليل المخصص والمقيد وغيرهما من القرائن كاشفة عن الواقع بلحاظ الارادة الجدية والكاشف عن الواقع بطبيعة الحال يكون متأخرا عن المكشوف باعتبار انه كاشف عن جعل الاحكام الشرعية في الشريعة المقدسة فدليل التخصيص يكشف ان الحكم من الاول خاص وكذلك دليل التقييد وكذلك دليل التنزيل غاية الامر الاختلاف بينهما في مقام الاثبات في لسان الدليل، ولسان دليل التنزيل لسان الحكومة، فما ذكره (قده) من ان التنزيل عبارة عن اسراء الحكم من المنزل عليه الى المنزل أي جعل الحكم المماثل لحكم المنزل عليه للمنزل فان الاسراء لا يعقل في الامر الاعتباري .
وثانيا : مع الاغماض عن ذلك فما ذكره (قده) من ان جزء الموضوع موضوع للحكم التعليقي، إن اراد من الحكم التعليقي الحكم الانحلالي أي ان الحكم المتعلق بالموضوع المركب ينحل الى حكمين بلحاظ جزئيه فالحكم المتعلق بالموضوع المركب من جزئين ينحل الى حكمين بلحاظ انحلال المركب الى جزئين فيكون كل جزء موضوع للحكم .
فيرد عليه : ان الحكم المتعلق في المقام بالمركب حكم واحد وهو غير قابل للانحلال وموضوعه واحد غاية الامر انه مركب من جزئين، فإن الامر الاعتباري غير قابل للانحلال، لأن الانحلال انما يتصور فيما اذا كان عنوان المركب المأخوذ في لسان الدليل عنوان معرف ومرآة لما هو الموضوع للحكم وما نحن فيه ليس كذلك، فإن المركب بنفسه موضوع لحكم واحد غير قابل للانحلال لا انه عنوان معرف للموضوع بان يكون الموضوع في الحقيقة جزء منه .
وإن اراد من الانحلال انحلال الحكم الى حكمين ضمنين اذ ان الحكم المتعلق بالمركب من جزئين ينحل الى حكمين ضمنين حكم ضمني متعلق بجزء وحكم ضمني متعلق بجزء اخر .
فيرد عليه : ان الحكم الضمني ليس حكما شرعيا وانما هو بتحليل من العقل والحكم المجعول من الشارع انما هو حكم واحد متعلق بالمركب .
فإذن لا معنى للحكم التعليقي .