الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي
ذكرنا ان ما ذكره صاحب الكفاية(قده) من ان دليل حجية الامارة يدل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبالالتزام على تنزيل الظن بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي، وبهاذين التنزيلين يتم الموضوع بكلا جزئيه فيترتب عليه الاثر، وذكر ان منشأ هذه الدلالة العرف لا دلالة الاقتضاء .
هذا ما ذكره في تعليقته على الرسائل، ثم اشكل على هذه المحاولة في الكفاية وانها لا تعالج المشكلة، اذ ان الموضوع اذا كان مركبا فإن كان محرزا بكلا جزئيه وجدانا فلا كلام فيه وان كان احدهما محرزا وجدانا والاخر محرزا تعبدا فأيضا لا اشكال فيه  ولكن اذا كان كلا الجزئين محرزا بالتعبد فلابد ان يكون الدليل الدال على احراز احد الجزئين تعبدا يتوقف على ثبوت الجزء الاخر تعبدا في عرضه، أي يكون الدليلان احدهما في عرض الاخر وكل واحد من الدليلين يدل على ثبوت جزء الموضوع، واما في المقام فالدلالة الالتزامية ليست في عرض الدلالة المطابقية بل هي في طولها، فدلالة دليل حجية الامارة مطابقة وهي دلالته على تنزيل المؤدى منزلة الواقع تتوقف على الدلالة الالتزامية وهي الدلالة على تنزيل الظن منزلة القطع، والمفروض ان الادلة الالتزامية متوقفة على الدلالة المطابقية فيلزم الدور عندئذ، هكذا ذكره في الكفاية (قده) .
ولنا تعليق على ما ذكره في الرسائل وتعليق على ما ذكره في الكفاية .
اما التعليق على الاول، فإن منشأ الدلالة الالتزامية اما العرف او دلالة الاقتضاء ولا ثالث في البين، فإنه قد يظهر من كلامه في تعليقته على الرسائل ان منشأ هذه الدلالة هو دلالة الاقتضاء، ولكن صرح في بعض الموارد ان منشأها العرف، وعلى كل تقدير اما ان يكون منشؤها العرف او يكون دلالة الاقتضاء (العقل) .
اما الاول، فإن العرف لا يحكم بالملازمة بين المدلول المطابقي وبين المدلول الالتزامي اذا لم تكن بينهما ملازمة ذاتا او عادة، واذا لم تكن بينهما ملازمة ذاتا او عادة لم يحكم العقل بالدلالة الالتزامية كحكمه بالملازمة بين العلة والمعلول اذ ان الملازمة ذاتية بينهما او الملازمة بين المعلولين لعلة ثالثة او الملازمة بين وجود الضد وعدم الضد الاخر اذا كانا من الضدين اللذين لا ثالث لهما وهكذا، فإن الدليل اذا دل بالمطابقة على وجود المعلول يدل بالالتزام على وجود العلة او اذا دل بالمطابقة على احد المعلولين لعلة ثالثة يدل بالالتزام على وجود المعلول الاخر وهكذا، واما في المقام فلا ملازمة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، فإن المدلول المطابقي هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبينه وبين تنزيل الظن منزلة القطع لا توجد ملازمة فإن المدلول المطابقي ليس علة للمدلول الالتزامي ولا كليهما معلولان لعلة ثالثة وليس هما من المتضادين اللذين لا ثالث لهما، فالملازمة بينهما ذاتا غير موجودة حتى يحكم العرف بالدلالة الالتزامية فإنه انما يحكم بالدلالة الالتزامية اذا كانت الملازمة بين المدلول المطابقي والالتزامي موجودة وبنحو اللزوم البين بالمعنى الاخص، واما الملازمة العادية فهي ايضا غير موجودة، لأنها انما تكون بين شيئين في الخارج متقارنين بحيث اذا تصور احدهما يتصور الذهن الاخر او اذا سمع احدهما ينتقل الذهن الى الاخر .
فالنتيجة ان الدلالة الالتزامية العرفية غير موجودة لعدم ثبوت الملازمة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي لا ذاتا ولا عادة .
واما اذا كان منشؤها دلالة الاقتضاء أي حكم العقل فإن العقل يحكم باللزوم في الدلالة الالتزامية حفاظا على كلام المولى من اللغوية، وهذا غير تام في المقام ايضا اذ انه انما يتصور فيما اذا كان الدليل بمدلوله المطابقي في مرحلة التشريع لغوا اذا لم نلتزم بالدلالة الالتزامية له، وهذه الكبرى لا تنطبق على المقام، لأن دليل حجية الامارة لا يختص بالأمارات في موارد القطع الموضوعي الطريقي اذ هو مطلق وبإطلاقه يشمل الامارات في موارد القطع الموضوعي الطريقي ويشمل الامارات في موارد القطع الطريقي المحض، وما ذكره(قده) من دلالة الاقتضاء انما يتم اذا كان دليل حجية الامارة مختص بالامارات في موارد القطع الموضوعي الطريقي، وحينئذ اذا دل دليل الحجية على تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبهذا التنزيل يثبت جزء الموضوع ومن الواضح ان الاثر الشرعي لا يترتب على ثبوت جزء الموضوع فلا بد لترتب الاثر الشرعي من ثبوت الجزء الاخر  وعليه فلا بد من الالتزام بالدلالة الالتزامية والا لكانت الدلالة المطابقية لغوا لإثبات الجزء الاخر من الموضوع، فاذا ثبت الجزء الاخر من الموضوع بالدلالة الالتزامية يتم الموضوع بكلا جزئيه ويترتب عليه الاثر .
ولكن هذا مجرد افتراض، اذ لا شبهة في ان دليل الحجية كما يعم الامارات في موارد القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية يعم الامارات في موارد القطع الطريقي المحض بل شمول دليل الحجية للأمارات في موارد القطع الطريقي المحض هو الغالب الكثير واما القطع المأخوذ في موضوع الحكم بنحو الطريقية فهو نادر في المسائل الفقهية، ولا مانع من تقييد اطلاق دليل الحجية بغير الامارات في موارد القطع الموضوعي أي بالأمارات في موارد القطع الطريقي وهو امر متعارف، فإنه لا مانع من تقييد المطلق بالأفراد التي يترتب عليها الاثر، ومانحن فيه كذلك .
فإذن لا يمكن الالتزام بهذه الدلالة الالتزامية اذ لا منشأ لها لا العرف ولا دلالة الاقتضاء
هذا ما ذكره في تعليقته على الرسائل ونقده .
واما ما ذكره في الكفاية، فالتعليق عليه :
اولا : بالنقض بالدليلين اللذين يدل كل واحد منهما على جزء الموضوع في عرض الاخر، فمحذور لزوم الدور بين الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية يجري في المقام ايضا، اذ دلالة كل واحد من الدليلين تتوقف على دلالة الدليل الاخر والا لكانت دلالته على ثبوت جزء الموضوع لغوا.
وثانيا : بالحل، فإنه لا مانع من ان يدل دليل الحجية على ثبوت الموضوع المركب من جزئين غاية الامر يدل على ثبوت احدهما بالدلالة المطابقية وعلى ثبوت الاخر بالدلالة الالتزامية، فإن المدلول الالتزامي ليس في طول المدلول المطابقي في مقام الثبوت اذ هما في مقام الثبوت في عرض واحد غاية الامر ان الكاشف عن احدهما الدلالة المطابقية والكاشف عن الاخر الدلالة الالتزامية، ولا دور بين الكاشفين لأن الدلالة المطابقية تكشف عن ثبوت جزء من الموضوع المركب من الواقع والقطع به والدلالة الالتزامية تكشف عن ثبوت الجزء الاخر فكل من الجزئين في مقام الثبوت في عرض واحد فلا طولية بينهما .
فإذن لا فرق بين ان يكون الكاشف عن كلا جزئي الموضوع احدهما الدلالة المطابقية والاخر الدلالة الالتزامية وبين ان يكون الكاشف عن احدهما الدليل المستقل والكاشف عن الاخر الدليل المستقل الاخر .