الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي الطريقي    
المحاولة الثانية : ان دليل حجية الامارة  يدل بالمطابقة على تنزيل الظن منزلة القطع في  اثبات الواقع وتنجيزه، ويدل بالالتزام على تنزيل الظن منزلة القطع في اثبات الحكم الشرعي، فلا يلزم اجتماع اللحاظ الالي والاستقلالي في دليل واحد وفي شيء واحد فإن دليل حجية الامارة يدل بالمطابقة على ان الظن والقطع ملحوظ آليا، ويدل بالالتزام على ان الظن والقطع ملحوظ استقلالا ولا مانع من ذلك ولا يلزم محذور الجمع بين اللحاظ الاستقلالي واللحاظ الآلي في شيء واحد بل هنا دليلان غاية الامر احدهما بمدلوله الالتزامي والاخر بمدلوله المطابقي .
هكذا ذكر في هذه المحاولة، وانما الكلام في ان دليل الحجية الظاهر في تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي المحض هل يدل بالالتزام على ذلك او لا يدل ؟ فإن الدلالة الالتزامية منوطة باللزوم الابين بالمعنى الاخص بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي وهذ اللزوم غير موجود في المقام، فإذن ليس هنا دلالة التزامية لدليل حجية الامارة  فهذه المحاولة ساقطة .
ومع الاغماض عن ذلك، وتسليم الدلالة الالتزامية الا ان هنا اشكالا اخر  وحاصله:
ان المدلول التصديقي لدليل حجية الامارة في موارد قيامها مقام القطع الطريقي مدلول اخباري لأن الامارات تحكي عن الواقع وتخبر عنه، واما المدلول التصديقي لدليل حجية الامارات في موارد قيمها مقام القطع الموضوعي فهو مدلول انشائي، فإنه يدل على انشاء الحكم وجعله ومن الواضح ان الجمع بين المدلول الانشائي والمدلول الاخباري في دليل واحد غير ممكن فلا يمكن ان يكون دليلا واحدا متكفلا للإنشاء والاخبار معا، فلا يمكن ان يكون دليل حجية الامارات  يدل على قيامها مقام القطع الطريقي المحض والقطع الموضوعي الطريقي معا .
وقد اجيب عن ذلك : بأن المدلول المطابقي لحجية الامارات تنزيل طريقية الظن منزلة طريقية القطع، ولهذا المدلول لازمان :
الاول : ان الظن كالقطع منجز للواقع عند الاصابة ومعذر عند الخطأ.
الثاني : ان ما يترتب على طريقية القطع من الحكم والاثر الشرعي فهو مترتب على طريقية الظن .
ولا مانع من ان يكون للمدلول المطابقي مداليل التزامية متعددة بل هو واقع كثيرا .
ولكن هذا الجواب غير تام :-
اولا : ان المدلول المطابقي لدليل حجية الامارات تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي المحض في اثبات الواقع وتنجيزه اذ ان ادلة الامارات ظاهرة في قيام الامارات مقام القطع الطريقي المحض وليس مدلولها المطابقي تنزيل طريقية الظن منزلة طريقية القطع.
ثانيا : ان ما ذكر ليس بلازمين للمدلول المطابقي، أي لو سلمنا ان المدلول المطابقي لدليل حجية الظن تنزيل طريقية الظن منزلة طريقية القطع، الا انه ليس لازم ذلك تنزيل الظن منزلة القطع في اثبات الواقع تنجيزا وتعذيرا وما يترتب على طريقية القطع من الاثر الشرعي فهو مترتب على طريقية الظن ليس هذا من المدلول الالتزامي لهذا المدلول المطابقي، فإن المعتبر في الدلالة الالتزامية الملازمة البينة بالمعنى الاخص بحيث يلزم  من تصور الملزوم تصور الازم بلا توقف على واسطة .
فإذن هذه المحاولة ساقطة .
المحاولة الثالثة : انه يمكن الجمع بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبين تنزيل طريقية الظن منزلة طريقية القطع في ترتيب اثارها عليها ولا يلزم محذور الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالي، فإن المولى اذا نزل مؤدى الظن بمنزلة الواقع المقطوع فبطبيعة الحال يكون نظره الى المؤدى والواقع استقلاليا وبالأصالة وهذا لا يتطلب ان يكون نظره الى الظن والقطع آليا بحيث يكون الظن والقطع مغفول عنه، وفي نفس الوقت يمكن ان يكون الظن والقطع موردا للتوجه والنظر لكن بالتبع، والمراد من اللحاظ الاستقلالي ان يكون كل منهما موردا للتوجه والنظر، فلا مانع من تنزيل الظن منزلة الواقع الذي هو مؤدى القطع أي لا مانع من ان يكون الظن والقطع موردا للتوجه والالتفات غاية الامر بالتبع  فلا يلزم محذور الجمع بين اللحاظ الالي والاستقلالي في شيء واحد، فإن الشارع اذا نزل مؤدى الظن منزلة الواقع الذي هو مؤدى القطع يكون المؤدى والواقع موردا لتوجه الشارع اليهما مستقلا وبالأصالة وفي نفس الوقت الظن والقطع موردا لتوجهه غاية الامر بالتبع لا بالأصالة، واذا نزل طريقية الظن منزلة طريقية القطع في اثبات اثارها الشرعية عليها فأيضا يكون نظره وتوجهه الى الظن والقطع بالاستقلال والاصالة ولكن توجهه الى المؤدى والواقع بالتبع، فإذن لا يلزم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي في شيء واحد .
وعلى هذا فإن كان لدليل الحجية اطلاق كما لو كان دليلا لفظيا فلا مانع من ان يشمل كلا التنزيلين معا ولا يلزم محذور الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي غاية الامر ان دليل الحجية ليس دليلا لفظيا وله اطلاق بل هو دليلا لبيا وهو السيرة من العقلاء وهي لا تدل الا على قيام الامارات مقام القطع الطريقي المحض .
لكن هذه المحاولة وان كانت صحيحة بهذا المقدار ولكنها مجرد افتراض والا فبطبيعة الحال اذا كان الشخص في مقام تنزيل المؤدى منزلة الواقع فلا ينظر الى الظن والقطع الا آليا وكذا لو كان في مقام تنزيل طريقية الظن منزلة طريقية القطع فإنه لا ينظر الى الواقع والمؤدى الا آليا اذ طبع المطلب يقتضي ذلك .
المحاولة الرابعة : ان محذور الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في دليل حجية الامارات اذا كان شاملا لكلا التنزيلين، انما يلزم اذا كان الظن والقطع المأخوذين في هذا التنزيل هو الظن والقطع بالحمل الشائع أي الظن والقطع الحقيقي والخارجي، واما اذا قلنا ان المأخوذ في الموضوع هو عنوان الظن والقطع ومفهومهما بالحمل الاولي فلا يلزم هذا المحذور،كما هو الحال في جميع القيود المأخوذة في لسان الدليل في مرحلة الجعل كالاستطاعة والقدرة والعقل وما شاكل ذلك، فإن المأخوذ في الموضوع هو عنوان الاستطاعة ومفهومها بالحمل الاولي في مرحلة الجعل، اذ جعل الاحكام الشرعية انما هو بنحو القضية الحقيقة للموضوع المقدر وجوده في الخارج أي المفروض وجوده في الخارج أي كان موجودا او لم يكن، ولا يمكن ان يكون الموضوع في القضايا الحقيقة واقع القيد بالحمل الشائع والا لزم ان تكون هذه القضايا قضايا خارجية، ولا يمكن ان يكون جعل الاحكام على نحو القضايا الخارجية أي للموضوعات الموجودة في الخارج، وما نحن فيه ايضا كذلك، فإن قضية تنزيل الظن منزلة القطع انما هو في مرحلة الجعل وبنحو القضية الحقيقة، فإذن الموضوع هو عنوان الظن وعنوان القطع بالحمل الاولي، فإذن في هذه المرحلة لا يتصف مفهوم الظن ومفهوم القطع بالطريقية فتنزيل الظن منزلة القطع في مرحلة الجعل لا يتصور فيه الطريقية واللحاظ الآلي اذ ان مفهوم القطع ومفهوم الظن ليس طريقا، نعم تطبيق هذه القضية على الخارج في مرحلة الجعل لا يكون الا على تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي او على تنزيل الظن منزلة القطع الموضوعي الطريقي ولا يمكن تطبيقها على كلتا القضيتين الخارجيتين في آن واحد أي قضية تنزيل الظن منزلة القطع الموضوعي الطريقي وقضية تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي لأنه يستلزم الجمع بين اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي .
وهذه المحاولة في نفسها وان كانت ممكنة الا  انه لا يمكن وقوعها من المولى الحكيم فإن جعل الحكم انما يمكن اذا كان تطبيقه وامتثاله في الخارج ممكنا واما اذا لم يمكن تطبيق الحكم في الخارج فلا يمكن جعله، لأن جعله لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل، وكذلك الحال في قضية التنزيل فإنها في مرحلة الجعل ممكنة ولكن لا يمكن جعلها لأن تطبيقها  في الخارج لا يمكن الا بشكل ينطبق على تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي المحض فقط دون تنزيله منزلة القطع الموضوعي الطريقي .