الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
بقي هنا شيء وهو ان الظن بالحكم اذا كان مأخوذا في موضوع نفسه في مرتبة اخرى كما اذا كان الظن بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذا في موضوع نفسه في مرتبة المجعول وهي مرتبة فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج، وهذا بمكان من الامكان ثبوتا ولا يلزم فيه أي محذور لا الدور ولا الخلف ولا توقف الشيء على نفسه، فإن الظن يتوقف على الحكم في مرتبة الجعل والحكم في هذه المرتبة لا يتوقف على الظن والحكم انما يتوقف على الظن في مرتبة الفعلية، فما يتوقف عليه الظن غير ما يتوقف على الظن، نعم في مقام الاثبات بحاجة الى دليل كما ذكرنا في القطع ايضا .
واما اذا كان الظن بالحكم مأخوذا في موضوع ضده، فإذا كان الظن معتبرا فهو  غير معقول كما اذا فرضنا انه ورد في الدليل اذا قطعت بوجوب الصلاة حرمت عليك الصلاة او اذا ظننت بحرمة شرب الخمر وجب عليك شربها، فهذا غير معقول لأن اجتماع الوجوب بما هو اعتبار والحرمة بما هي اعتبار في شيء واحد وان كان لا محذور فيه من جهة ان الامور الاعتبارية لا وجود لها في الخارج وانما وجودها في عالم الاعتبار من قبل المعتبر فلا تتصور المضادة والمماثلة بين الامور الاعتبارية، الا ان الاستحالة تكون في مرحلتين فإن الوجوب يكشف عن وجود مصلحة ملزمة واصلة الى المكلف ومنجزة والحرمة تكشف عن وجود مفسدة ملزمة واصلة الى المكلف ومنجزة ومن الواضح انه يستحيل اجتماع المصلحة الملزمة المنجزة مع المفسدة الملزمة المنجزة في شيء واحد، فلا يعقل ان يكون شيء واحد مشتملا على مصلحة ملزمة منجزة وعلى مفسدة ملزمة منجزة أي ان يكون محبوبا وفي نفس الوقت يكون مبغوضا وان يكون متعلقا لإرادة المولى وفي نفس الوقت متعلقا لكراهته، وايضا غير معقول في مرحلة الامتثال فإن المكلف لا يتمكن من امتثال كلا الحكمين معا أي امتثال الوجوب والحرمة معا اذ الوجوب يدعو المكلف الى الاتيان بمتعلقه والحرمة تدعو المكلف الى الابتعاد عن متعلقها، وعليه يستحيل اجتماعهما في شيء واحد في مرحلة الامتثال ومن الواضح ان كل حكم لا يمكن امتثاله يستحيل جعله من قبل المولى اذ جعل الحكم انما هو بداعي امتثاله فاذا استحال امتثاله استحال جعله لأنه لغو ولا يمكن صدور اللغو من المولى الحكيم .
هذا كله في ما اذا كان الظن معتبرا ويثبت متعلقه تعبدا .
واما اذا كان الظن غير معتبر فهل الامر كذلك ايضا او لا؟
والجواب : ان الامر ليس كذلك، فإن الظن اذا كان غير معتبر فلا يثبت متعلقه فيكون متعلقه غير واصل الى المكلف لا وجدانا كما هو المفروض ولا تعبدا باعتبار ان الظن لا يكون حجة فاذا لم يكن حجة فلا يثبت متعلقه تعبدا، فيكون متعلقه غير واصل الى المكلف، فاذا فرضنا ان متعلقه حرمة شرب الخمر تكون الحرمة غير واصلة الى المكلف وغير ثابتة بثبوت تعبدي وغير منجزة من جهة ان الظن غير معتبر ولا يكون حجة، والواصل الى المكلف هو الحكم المترتب على الظن وهو الوجوب لأن موضوعه واصل الى المكلف وهو الظن اعم من ان يكون معتبرا او غير معتبر، فالظن موجود في افق نفسه وجدانا فالحكم المجعول للظن وهو واصل الى المكلف ومنجز  فالحكم المتعلق للظن غير واصل الى المكلف وغير منجز لأن الظن لا يكون حجة حتى يثبت متعلقه، واما الحكم المجعول على الظن بان يكون الظن موضوعا له فهو واصل الى المكلف لثبوت موضوعه وهو الظن وجدانا وعندئذ لا محذور لا في مرحلة المبادئ ولا في مرحلة الامتثال، اما في مرحلة المبادئ فلأن الوجوب بما هو غير واصل الى المكلف وغير منجز من جهة ان الظن به لا يكون حجة فلا يكشف عن وجود مصلحة واصلة الى المكلف ومنجزة واما الحرمة المجعولة على الظن أي ان موضوعها الظن فبما انها واصلة الى المكلف ومنجزة فهي تكشف عن وجود مفسدة ملزمة واصلة الى المكلف ومنجزة ومن الواضح ان المصلحة غير الواصلة وغير المنجزة لا تصلح لمزاحمة المفسدة الملزمة المنجزة فلا تزاحم بينهما ولا تضاد، فعندئذ لا مانع من اخذ الظن بالحكم في موضوع ضده اذا كان الظن غير معتبر، واما في مرحلة الامتثال فالواجب هو امتثال الحكم المجعول على الظن فإنه منجز وواصل الى المكلف واما الحكم المتعلق به الظن فهو غير واصل الى المكلف وغير منجز من جهة ان الظن به لا يكون حجة .
هذا كله فيما اذا كان الظن تمام الموضوع للحكم .
واما اذا كان الظن غير المعتبر جزء الموضوع للحكم بأن يكون جزؤه الاخر هو الحكم الواقعي فالموضوع مركب من الظن والوجوب او من الظن والحرمة، فالحكم المجعول على هذا الموضوع المركب هو حرمة الصلاة او وجوب شرب الخمر، ففي هذا الفرض كلا الحكمين غير ثابت لا الحكم الذي يكون متعلقا للظن الذي هو جزء الموضوع فإنه غير ثابت وغير واصل من جهة ان الظن لا يكون حجة حتى يثبت متعلقه  فالموضوع بكلا جزئيه غير محرز وغير ثابت فاحد جزئيه ثابت وهو الظن واما جزؤه الاخر وهو الحكم الواقعي فهو غير محرز وغير واصل الى المكلف، فاذا لم يحرز الموضوع لم يحرز حكمه ايضا فاذا لم يصل الموضوع الى المكلف لم يصل حكمه ايضا، فالحكم المجعول على هذا الموضوع المركب غير الواصل غير واصل ايضا، وعليه فكلا الحكمين غير واصل الى المكلف اما الحكم المتعلق به الظن فمن جهة ان الظن لا يكون حجة حتى يثبت متعلقه واما الحكم المجعول على الظن بالحكم بان يكون الموضوع مركبا فالموضوع المركب غير محرز حتى يكون الحكم المترتب عليه محرزا، فإذن كلا الحكمين غير محرز وغير واصل الى المكلف .
ثم ان للسيد الاستاذ(قده) كلاما في المقام وهو ان الظن بالحكم اذا كان غير معتبر فأخذه في موضوع ضده ايضا لا يمكن، وعلل ذلك بان هذا الظن اذا كان مطابقا للواقع يلزم اجتماع الضدين، فإن الظن بوجوب الصلاة اذا كان مأخوذا في موضوع حرمتها او الظن بحرمة شرب الخمر اذا كان مأخوذا في موضوع وجوب شربها وفرض ان هذا الظن لا يكون حجة ولكن اذا كان مطابقا للواقع فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد واجتماع المفسدة مع المصلحة في شيء واحد، فإذن الظن غير المعتبر كالظن المعتبر أي كما لا يمكن اخذ الظن بالحكم اذا كان معتبرا في موضوع ضده كذلك اذا كان غير معتبر، فإنه في صورة المطابقة للواقع يستلزم اجتماع الضدين في مرحلة المبادئ [1].
ولكن ما ذكره (قده) لا يمكن المساعدة عليه .
فإن الظن غير المعتبر اذا كان مطابقا للواقع فالوجوب الذي هو متعلق الظن وان كان ثابتا في الواقع الا انه لا يكون منجزا ولا يكون واصلا الى المكلف ومن الواضح ان الوجوب غير المنجز لا يصلح ان يكون مزاحما للحرمة المنجزة او المصلحة غير الواصلة وغير المنجزة لا تصلح ان تزاحم المفسدة الملزمة المنجزة فلا تضاد بين وجود المصلحة في الواقع ووجود المفسدة فيه، والمضادة انما هي بين المصلحة الملزمة الواصلة الى المكلف المنجزة وبين المفسدة الملزمة الواصلة الى المكلف، فإذن الوجوب غير المنجز لا يكشف الا عن مصلحة غير منجزة وهي لا تصلح لمضادة المفسدة المنجزة، فما ذكره (قده) لا يمكن المساعدة عليه .
هذا كله فيما اذا كان الظن بالحكم مأخوذا في موضوع حكم مضاد له .


[1] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج2، ص48 – 49.